إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

191 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الثالث : العلاقات مع القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة الأناضول : ثالثاً : سياسة نور الدين مع سلاجقة الروم :


191

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الثالث : العلاقات مع القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة الأناضول :

ثالثاً : سياسة نور الدين مع سلاجقة الروم :

كان نور الدين محمود يتابع الأحداث الجارية في المنطقة ويشتغل الفرصة المتاحة لتحقيق أهدافه، من ذلك ما حدث عام 568ه/1173م عندما هاجم قلج أرسلان سلطان السلاجقة في آسيا الصغرى إمارة ذا النون بن دانشمند التي تتألف من ملطية وسيواس جنوب شرق الأناضول واحتلها، فلجأ ذا النون إلى نور الدين مستنجداً فأرسل نور الدين إلى قلج أرسلان يطلب منه رد بلاد ذا النون عليه فرفض، فسار بجيشه إلى المنطقة واحتل مدنها مما أجبر قلج أرسلان لطلب الصلح بالشروط التي يفرضها نور الدين، فأرسل إليه نور الدين رسالة منها : إنني أريد منك أموراً وقواعد ومهما تركت منها فلا أترك ثلاثة أشياء أحدها أنك تجّدد إسلامك على يد رسولي حتى يحل لي إقرارك على بلاد الإسلام فإنني لا أعتقدت مؤمناً والثاني إذا طلبت عسكرك إلى الغزاة تُسّيره، فإنك قد ملكت طرفاً كبيراً من بلاد الإسلام، وتركت الروم وجهادهم وهادنتهم، فإمّا أن تنجدني بعسكرك لأقاتل بهم الإفرنج وإما أن تجاهد من يجاورك من الروم وتبذل الوسع في جهادهم، والثالث أن تزوج ابنتك بسيف الدين غازي ولد أخي، فلما سمع قلج أرسلان الرسالة قال : ما قصد نور الدين إلا الشناعة علي بالزندقة وقد أجبته إلى ما طلب، أنا أجدد إسلامي على يد رسوله ( ). واستقر الصلح بعد أن عادت بلاد ذا النون إليه مع بقائها تحت حماية نور الدين وما يهمنا من هذه الحادثة هو ما يظهر في ثناياها من سعي نور الدين لتحقيق هدفه الاستراتيجي الأكبر الذي سبق وذكرناه وهو إقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي تعيد للإسلام دوره في تحقيق الهداية والعدالة والحياة الكريمة لجميع الناس ( ) ومع أنه لم يكمل بعد تحقيق هدفه الاستراتيجي الثاني المتمثل بالقضاء على الفرنج وتحرير سواحل بلاد الشام من احتلالهم إلا أنه حقق هدفه الاستراتيجي الأول وهو وحدة الدول، والإمارات الإسلامية المواجهة للفرنجة، وأصبح القضاء على الفرنجة مسألة وقت فقط، فلا بأس إذن من استغلال فرصة سانحة للسير ولو بضع خطوات باتجاه الهدف الاستراتيجي الأكبر المذكور أعلاه وما يدلنا على قصد نور الدين في هذا المعنى طلبه من قلج أرسلان في رسالته إليه تجديد إسلامه على يد رسول نور الدين ليحلَّ لنور الدين إقراره على بلاد الإسلام، ويفرض عليه إما مجاهدة الروم المجاورين له أو إرسال جنده إليه ليجاهد بهم الإفرنج في هذا الموقف يجعل نور الدين من نفسه مسؤولاً عن جميع المسلمين وعن بلادهم، ويتوجب عليه بناءً على هذه المسؤولية ألا يسمح بتولي حاكم غير مؤمن على بلاد المسلمين، ويجدر بنا أن يوضح هنا أن نور الدين كان يصدر في هذا الإحساس بالمسؤولية عن فهمه الصحيح للشريعة الإسلامية، فهو يعتبر نفسه جندياً في خدمة الدين، وروي عنه قوله : نحن شحنٌ لها " للشريعة " نمُضي أوامراها ( ) . وهذا القول ينطبق مع تفسير الإمام أبي حامد الغزالي للعلاقة بين الملك والدين حيث يقول " الملك والدين توأمان، فالدين أصل والسلطان حارس، ومالا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع ( ) . وقد تقدم أن نور الدين كان عارفاً بالفقه على مذهب أبي حنيفة ولكن الأمر لا يقتصر على إحساس نور الدين بالمسؤولية وقد عبّر عن ذلك في رسالته لمجير الدين آبق حاكم دمشق بقوله : .. ولا يسعني مع ما أعطاني الله وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين وكثرة المال والرجال أن أقعد عنهم ولا أنتصر لهم مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذّب عنها ( ). فهو يعتبر أن توافر القدرة والإمكانية لديه يفرض عليه نصرة المسلمين والدفاع عنهم أينما كانوا، ويتكرر مثل هذا الموقف عام 566ه/1171م في رسالته لشمس الدين إيلدكز صاحب بلاد الجبل وأذربيجان ( ) . يتبين من هذه المواقف الثلاثة التي وقعت في تواريخ مختلفة ومتباعدة خلال فترة حكم نور الدين، الحادث الأول مع حاكم دمشق عام 544ه/1149م والثاني مع حاكم أذربيجان وأصفهان عام 566ه/1171م، والثالث مع سلطان سلاجقة الروم آسيا الصغرى عام 568ه/1173م، أنه وضع أهدافه وقرر سياسته منُذ بداية حكمه، ولم يغيّرها حتى نهاية حكمه، وأنه كان يسير حسب خطة محكمة تتألف من مراحل منسَّقة، لكل مرحلة هدفها، وأنه كان يتابع الأحداث الجارية، ويقتنص الفرصة المتاحة دون أن يؤثر ذلك على خطته الرئيسية وأهدافه الاستراتيجية ( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق