19
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الأول
السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم
المبحث الرابع : السلطان ملكشاه :
ثالثاً : الاستقرار السلجوقي في بلاد الشام :
بذل السلاجقة جهوداً كبيرة للسيطرة على بلاد الشام، وبعد أن ثبَّت ملكشاه أقدامه في الحكم وأطمان على سلطنته التفت إلى بلاد الشام، وأحيا مشروع أبيه السلطان ألب أرسلان بغزو هذه البلاد وضم مصر إليها والقضاء على الدولة الفاطمية، فاختار أن يولي على هذه الجبهة البعيدة أميراً سلجوقياً ويشغله في نفس الوقت عن التفكير بالشغب عليه أو منافسته، ويؤمَّن الإقطاع لقسم كبير من الجيش السلجوقي المتزايد، وكان تتش قد اختص بمجموعة من المماليك الذين يتولون تربيته وتدريبه وشنّ الحملات باسمه والدفاع عنه، على عادة السلاجقة، لأنه كان لا يزال فتى، وسرعان ما انتشرت الأخبار بما عزم السلطان عليه وبلغت مسامع أتسز الخوارزمي صاحب بلاد الشام، فكتب للسلطان يشرح له ما بذله من جهد في خدمة الدولة السلجوقية، وأنه ما يزال الخادم المطيع، ووعده بدفع مبلغ ثلاثين ألف دينار في السنة مقابل إبقائه حاكماً على بلاد الشام ، وأصرّ ملكشاه على تنفيذ مشروعه فولى أخاه تاج الدولة تتش حكم بلاد الشام وما يفتحه في تلك النواحي، كما أشرنا، وأمره بالمسير إليها، وكتب إلى القوى المتمركزة في إقليم الجزيرة وبلاد الشام بالانضمام إليه ومساعدته كان من بينهم مسلم بن قريش العقيلي أمير الموصل ووثاب بن محمود، وزعماء القوى التركية،غير أن هذه النجدة لم تصل إلى حلب وتشتت قبل ذلك، حيث قضى عليها سابق حاكم حلب بالتعاون مع مسلم بن قريش في وادي بزاعة، فتحرّج موقف تُتُش نتيجة ذلك، وما إن ابتعدت قواته عن أسوار حلب وهي تطارد البدو حتى خرجت القوات الحلبية من وراء الأسوار وهاجمت معسكراته وغنمت ما كان فيها ، ويبدو أنه لم يحقق أي نجاح في مطاردته للعرب، عندما علم بنهب معسكراته، قرّر عبور الفرات للانتقام من مسلم بن قريش، ولكن هذا الأخير كان يقظاً، فاضطر مكرها إلى التخليَّ عن خطته وذهب إلى ديار بكر حيث أمضى فصل الشتاء في مضارب بني مروان ، وهكذا تفّرق التحالف الذي أنشأه السلطان ملكشاه، وأخفق أمام أسوار حلب وكتب تُتُش من مشتاه إلى أخيه يشرح له ما آلت إليه الأوضاع في شمالي بلاد الشام ويطلب منه نجده أخرى، ثم غادر مع قواته الجديدة التي وصلت إليه متوجها إلى حلب للاستيلاء عليها إلا أنه فشل وغادر وقواته المنهكة مدينة حلب بعد أن أدرك عدم جدوى الاستمرار في الحصار والاستيلاء على حلب، فيَّممّ وجهه نحو دمشق .
1-الاستيلاء على دمشق :
غادر تُتُس وقواته المنهكة مدينة حلب وفي نفسه شيء منها متوجهاً نحو الجنوب، فاستولى على حماة والمعَّرة وما جاورهما وأطاعه أمير حمص خلف بن ملاعب، فأقرّه على حكمها وإذا كان التوغل السلجوقي في بلاد الشام قد بدأ بوصول تُتشى، إلا أنه لم يحقق حتى ذلك الوقت أي إنجاز يذكر وتبين من خلال أعماله أنه كان عسوف ذا سطوة، وجبروت وظلم وتدمير وسلب ونهب ، وقد سنحت له الفرصة ليضع يده على مقدرات بلاد الشام ويؤسس دولة سلجوقية في ربوعها وكان لذلك علاقة بالمحاولات الفاطمية الهادفة إلى استعادة نفوذ الفاطميين في هذه البلاد، فقد حدث أن أرسل بدر الجمالي جيشاً فاطمياً بقيادة ناصر الدولة الجبوش إلى بلاد الشام لإعادة بسط السيادة الفاطمية عليها فحاصر دمشق عام 471ه واستولى على أعمالها وأعمال فلسطين ، وأدرك أتسز أنه لا قبل له بهذا الجيش الكبير فاضطر أن يطلب المساعدة من تُتُش، ووعده بتسليمه دمشق ويكون تابعاً له ، وكان هذا هو الحل الوحيد أمامه، وهو أن يضع نفسه تحت الحماية المباشرة للسلاجقة العظام ، رحب تُتُش بهذه الدعوة، وكان ينوي متابعة زحفه إلى دمشق بعد فشله أمام حلب، وسار قاصداً المدينة لنجدتها ولم يكن يقترب منها حتى فكَّ ناصر الدولة الجيوشي الحصار عنها وانسحب باتجاه الجنوب، لأن قواته كانت عاجزةً عن أن تقف في وجه القوة السلجوقية، وبخاصة أن طرابلس وصور امتنعتا عن تقديم المساعدة له، بل إن حكامهما صانعا السلاجقة بالهدايا والملاطفات ، وعندما وصل تُتش إلى مرج عذراء الواقع إلى الشمال الشرقي من دمشق استقبله أتسز، فبذل له الطاعة وسلمه البلد وبعد أن أقام بضعة أيام في مرج عذراء توجّه إلى المدينة، فاستقبله أتسز عند أسوارها ولم يذهب أبعد من ذلك للقائه، فاغتظ منه تُتُش وعاتبه على ذلك، فاعتذر بأمور لم يقبلها ، ويبدو أن تُتُش خشي من طموحات أتسز، ولم يطمئن إلى وجوده إلى جانبه، فأتخذ من ذلك حجة وتخلصَّ منه، كما قتل أخاه جاولي وتسلم دمشق دون قتال، وأسس لنفسه ولأسرته حكماً فيها ، وبذلك أضحى تتش يسيطر على الأقاليم الوسطى من بلاد الشام، وجهد بعد ذلك للعمل على : بسط سلطاته على كامل بلاد الشام وبخاصة المدن الساحلية التي كانت تدين بالطاعة للدولة الفاطمية أو تُحكم من قبلها مباشرةً إنشاء دولة أخرى للسلاجقة في هذه البلاد يتولى حكمها بمعزل عن السلاجقة العظام في خراسان وفارس .
2-زوال الإمارة المرداسية وقيام الإمارة العقيلية في حلب :
ضاق الأمر كثيراً بأهل حلب تحت حكم سابق بن محمود المرداسي، فراسلوا مسلم بن قريش ليخلصهم مما هم فيه، فسار إليهم
سنة 472ه، فأغلق سابق أبواب حلب في وجهه ومعه بداخل حلب الشريف أبو علي الحسين بن هبة الله الهاشمي العباسي المعروف بالحتيتي فخرج ابن له من داخل حلب إلى الصيد فقبض ابن قريش عليه وجعله رهينة بيده كي تستسلم له المدينة، فاستسلمت له فعلاً ودخلها هي والقلعة بسلام ، ويقول ابن الجوزي : إن سابق بن محمود هو الذي أوحى لمسلم بن قريش بالقدوم إليه لتسليمه المدينة ومما قاله له : أنت أولى بي من الغير والعربية تجمعنا فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ..
وسار مسلم بن قريش إلى حلب فوصلها ثاني عشر من ذي الحجة ومعه بنو كلاب وكلب ونمير وجميع القبائل وقد أطاعوه خوفاً من الغز وأنفق عليهم الأموال فكسر الأحداث الأبواب يوم الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة ودخل أصحابه إليها ولم يتأذَّ أحد من أهلها، ولا أغلق فيها وكان وراسل سابق بن محمود وهو في القلعة مراسلة انتهت إلى أن يزوجه سابق بابنته ويعوضه مالاً على أن يسلم القلعة فرضي وحط سابق رحله وماله في البلد ولم يبق إلا أن ينزل فوثب أخوه شبيب ووثاب فقبضا عليه واستوليا على القلعة، فجمع مسلم مقدمي بني كلاب وقال : علمتم أني أنفقت أموالاً وبعدت عن بلادي في حراسة بلادكم وأموالكم وكفّ عادية الغز عنكم، وهذه مقابلة ما أعرفها فإن كنتم رجعتم فها أنذا راجع بلادي ومبرئ منكم فأنكروا ما جرى وشرطوا السعي فيه وإزالة ما تجدد منه، فدخل حلب واستقامت له .
والذي يتضح أن أوضاع حلب تردَّت كثيراً بسبب ما تعرضت له من حصار ومنازعات بين السلاجقة وغيرهم من الأمراء العرب مما جعل سابق بن محمود يوصي إلى مسلم بن قريش العقيلي كي يأتي إليه ليسلمه المدينة، أما الرواية التي تقدمت بأن مسلم بن قريش جاء وحاصر حلب ولم تستسلم له في بادئ الأمر لامتناع سابق عليه، فإنه يمكن القول بأنه كان متردداً في ذلك وقد أوصى لمسلم بن قريش عندما كان السلاجقة يهددونه، وعندما جاء مسلم بن قريش وزال الخطر تراجع عن التسليم إليه، ثم وجد أن لا مناص فتنازل له عن حلب وانتهى الأمر على ذلك بالرغم من معارضة أخويه وثاب وشبيب ، وقد أرسل شرف الدولة مسلم بن قريش إلى السلطان السلجوقي ملكشاه يخبره بما فعل وطلب منه إقراره على حلب وتعهد أن يرسل في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار فأقره السلطان ، وهكذا تبدو سياسة الأمير العقيلي مسلم بن قريش، سياسة تنبع من المصلحة الشخصية والتي كانت قائمة على سياسة المد والجزر، فهو يلاين السلطان ويسايره، ويعده بالولاء والطاعة وإرسال الأموال، وفي نفس الوقت يعمل على تقليص النفوذ السلجوقي من الشام والجزيرة، ليبني له زعامة مستقلة عن حكمهم، والآن وقد انقسمت الشام على إمارتين كبيرتين إحداهما في الجنوب ومقرها دمشق لتتش ابن السلطان ألب أرسلان وثانيتهما في الشمال ومقرها حلب لمسلم بن قريش العقيلي، فما هي العلاقة التي قامت بين هاتين الإمارتين والتي كل منهما تَّدعي الولاء والطاعة لبني سلجوق .
3-علاقة مسلم بن قريش مع تتش بن السلطان ألب أرسلان في الشام :
بدأت أعمال التوتر والاستفزاز تظهر بينهما، كما بدأ كل واحد منهما يوسع من دائرة أحلافه وأنصاره استعداداً للمعركة الفاصلة وقام مسلم بن قريش بمهاجمة حمص سنة 475ه، وكان يليها خلف بن ملاعب، مطيعاً لتتش السلجوقي، فكتب إليه : إن هذا صاحبي ومنتمي إليَّ فارحل عنه. فبعث مسلم إليه : إن هذا رجل مفسد في أعمال السلطان، قاطع سبلها، فإن كان صاحباً لك فخذه إليك. فسار تتش لنجدته، فخاف ابن قريش عتب السلطان ملكشاه في مقاتلة أخيه تتش، فانسحب عنه، وفي طريقه قبض على ما يقرب من ثلاثمائة فارس من التركمان وفرقهم في القلاع، فكان آخر العهد بهم .
4-حملة مسلم بن عقيل على دمشق سنة 475ه :
وردت كتب في هذه السنة من بعض أمراء العرب إلى مسلم بن قريش يحثونه فيها على ضرورة تخليص بلاد الشام مما هي فيه وكان عندئذ مقيماً في الجزيرة ، وتصادف مع ذلك خروج تتش من دمشق إلى نواحي أنطاكية ، فانتهز ابن قريش هذه الفرصة وجمع عساكره من العرب والأكراد وأسرع بهم نحو دمشق ليأخذها من السلاجقة، ثم اتصل بالفاطميين طالباً العون منهم ، غير أن هذه الحملة فشلت وارتد مسلم بن قريش عائداً عنها إلى الجزيرة، وقد ذكر المؤرخون أن أسباب فشله يعود إلى جملة أسباب منها، أن الفاطميين تقاعسوا عن نصرته، ثم عاد تتش مسرعاً عندما علم بحملته، كما عصى أهل حران عليه في الجزيرة مما أجبره على العودة إليها .
5-مقتل شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي سنة 478ه :
استولى سليمان بن قتلمش السلجوقي على أنطاكية من الروم سنة 478ه بعد أن كانت بيدهم منُذ سنة 358ه، فلما ملكها سليمان أرسل إليه شرف الدولة مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمله إليه الفردوس من المال، ويخوّفه معصية السلطان، فأجابه : أما طاعة السلطان، فهي شعاري، ودثاري، والخطبة له، والسكّة في بلادي، وقد كاتبته بما فتح الله على يدي بسعادته من هذا البلد، وأعمال الكفّار ، وأمّا المال الذي كان يحمله صاحب أنطاكية قبلي، فهو كان كافراً، وكان يحمل جزية رأسه وأصحابه، وأنا بحمد الله مؤمن، ولا أحمل شيئاً، فنهب شرف الدولة بلد أنطاكية، فنهب سليمان أيضاً بلد حلب، فلقيه أهل السواد يشكون إليه نهب عسكره فقال : أنا كنت أشّد كراهية لما يجري، ولكّن صاحبكم أحوجني إلى ما فعلت، ولم تجر عادتي بنهب مال مسلم، ولا أخذ ما حرمته الشريعة، وأمر أصحابه بإعادة ما أخذوه منهم فأعاده، ثم إن شرف الدولة جمع الجموع من العرب والتركمان، وكان ممن معه جبق أمير التركمان في أصحابه وسار على أنطاكية ليحصرها، فلما سمع سليمان الخبر جمع عساكره، وسار إليه فالتقيا في الرابع والعشرين في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف من أعمال أنطاكية واقتتلوا، فمال تركمان جبق إلى سليمان، فانهزمت العرب، وتبعهم شرف الدولة منهزماً، فقُتل بعد أن صبر، وقُتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب، وكان يوم قتل في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة والموصل وحلب، وما كان لأبيه وعمّه قرواش، وكان الأمن في بلاده عامُّ، والرخص شامل وكان يسوس بلاده سياسة عظيمة، بحيث يسير الراكب والراكبان فلا يخافان شيئاً، وكان له في كل بلد وقرية عامل، وقاضي، وصاحب خبر، بحيث لا يتعدى أحد على أحد، ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش، وهو محبوس، فأخرجوه وملكوه أمرهم ، وتزوج صفية خاتون عمة السلطان ملكشاه ( زوجة مسلم أخيه سابقاً ) غير أن السلطان ملكشاه لم يعترف بهذه الزعامة، فأمر إبراهيم بن قريش القدوم عليه بأصفهان، فقبض عليه وسجنه وأرسل مكانه على بني عقيل، أبا عبد الله محمد بن مسلم بن قريش وأقطعه الرحبة وحرّان والرقة وسّروج في الجزيرة، ثم زوجه بأخته زليخة خاتون سنة479ه .
6-النزاع بين تتش وسليمان بن قتلمش :
انسحب سليمان بن قتلمش إلى أنطاكية بعد المعركة التي قتل فيها مسلم بن قريش وأرسل إلى ابن الحتيتي " القائم بأعمال حلب بعد ابن قريش " يطلب منه طاعته والتبعية له فرد عليه يماطله ويعتذر حتى يكاتب السلطان السلجوقي في هذا الأمر، وفي نفس الوقت قام ابن الحتيتي بمراسلة تتش للقدوم إليه لتسليمه المدينة ، اتجه كل من سليمان بن قتلمش وتتش إلى حلب طمعاً فيها، فالتقت عساكرهما في شهر صفر 479هن فانهزم أصحاب سليمان وثبت هو في القلب، فلما رأى انهزام عساكره أخرج سكيناً معه فقتل نفسه وقيل بل قتل في المعركة، وأستولى تتش على عسكره وكان سليمان بن قُتلمش في السنة الماضية في صفر قد أنفذ جثة شرف الدولة إلى حلب على بغل ملفوف في إزار وطلب من أهلها أن يسلمّوها إليه، وفي هذه السنة في صفر أرسل تُتُش جثة سليمان في إزار يسلّموها إليه، فأجابه ابن الحتيتي أنه يكاتب السلطان، ومهما أمره فعل، فحصر تُتش البلد، وأقام عليه، وضيق على أهله، وكان ابن الحُتيتي قد سلم كل برج من أبراجها إلى رجل من أعيان البلد ليحفظه، وسلّم برجاً فيها إلى إنسان يعرف بابن الرعوي. ثم إن ابن الحتيتي أوحشه بكلام أغلظ له فيها، وكان هذا الرجل شديد القّوة، ورأى ما الناس فيه من الشدة، فدعاه ذلك إلى أن أرسل على تتش يستدعيه، وواعده ليلة يرفع الرجال إلى السور في الجبال، فأتى تُتش للميعاد الذي ذكره، فأصعد الرجال في الحبال والسلاليم، وملك تُتش المدينة، واستجار ابن الحُتيتيّ بالأمير فشفع فيه وأمّا القلعة، فكان بها سالم بن مالك بن بدران، وهو ابن عّم شرف الدولة مسلم بن قريش، فأقام تُتُش يحصر القلعة سبعة عشر يوماً، فبلغه الخبر بوصول مقّدمة أخيه السلطان ملكشاه، فرحل عنها .
7-السلطان ملكشاه يتسلم حلب :
كان ابن الحُتيتي قد كاتب السلطان ملكشاه يستدعيه ليسلم إليه حلب، لمّا خاف تاج الدولة تُتُش، فسار إليه من أصبهان في جمادى الآخرة، وجعل على مقدمته الأمير برسق، يوزن وغيرهما من الأمراء، وجعل طريقه على الموصل، فوصلها في رجب، وسار منها، فلمّا وصل إلى حّران سلّمها إليها ابن الشاطر، فاقطعها السلطان لمحمّد بن شرف الدولة، وسار إلى الرُّها، وهي بيد الروم فحصرها وملكها، وكانوا قد اشتروها من ابن عطير، وسار إلى قلعة جعبر، فحصرها يوماً وليلة وملكها، وقتل من بها بني قشير، وأخذ جعبر من صاحبها وهو شيخ أعمى، وولدين له، وكانت الأذية بهم عظيمة يقطعون الطرق ويلجأون إليها، ثم عبر الفرات إلى المدينة حلب، فملك في طريقه مدينة منيح، فلمّا قارب حلب رحل عنها أخوه تُتش، وكان قد ملك المدينة، كما ذكرناه، وسار عنها يسلك البرية، ومعه الأمير أُرتق، فأشار بكبس عسكر السلطان، وقال : إنَّهم قد وصلوا وبهم وبدوابّهم من التعب ما ليس عندهم معه امتناع؛ ولو فعل لظفر بهم. فقال تتشى : لا أكسر جاه أخي الذي أنا مستظل بظّله، فإنّه يعود بالوهن عليّ أوّلاً.
وسار إلى دمشق، ولمّا وصل السلطان إلى حلب تسلمّ المدينة، وسلَّم سالم بن مالك القلعة على أن يعّوضه عنها قلعة جعبر، وكان سالم قد امتنع بها أوّلاً، فأمر السلطان أن يُرمي إليه رشقاً واحداً بالسهام، فرمى الجيش، فكادت الشمس تحتجب لكثرة السهام، فصانع عنها بقلعة جعبر وسلمّها، وسلمَّ السلطان إليه قلعة جعبر، فبقيت بيده وبيد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود زنكي، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وأرسل إليه الأمير نصر بن علي بن منقذ الكنانيُّ، صاحب شَيزر، فدخل في طاعته، وسلمَّ إليه اللاَّذقية، وكفر طاب، وأفامية، فأجابه إلى المسالمة، وترك قصده، وأقَّر عليه شَيزر، ولمَّا ملك السلطان حلب سلمَّها إلى قسيم الدولة آقسنقر، فعمرها، وأحسن السيرة فيها، وأمّا ابن الحتيتي فإنّه كان واثقاً بإحسان السلطان ونظام الملك إليه، لأنّه استدعاهما، فلمَّا ملك السلطان البلد وطلب أهلها أن يعفيهم من ابن الحُتَيْتي، فأجابهم إلى ذلك، واستصحبه معه، وأرسله إلى ديار بكر، فافتقر، وتوفي بها على حال شديدة من الفقر وقتل، ولده بأنطاكية، قتله الفرنج لما ملكوها .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق