183
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الثالث : العلاقات مع القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة الأناضول :
أولاً : الأسر الحاكمة في المدن والبقاع الشمالية من بلاد الشام :
إن حرص الدولة النورية على ضم وسط الشام إلى حلب لم يجعلها تتناس أهمية إسقاط نفوذ الأسر الحاكمة في المدن والبقاع الشمالية، إذ أن ذلك عد تدعيما حقيقياً لسلطانها في حلب ذاتها ( ).
1- العلاقة مع شيزر :
كان نور الدين قبل سنة 552ه لا يهاجم شيزر لإنشغاله عنها لجهاد الإفرنج وخوفاً من أن يسلمها صاحبها إلى الصليبيين ولكنها أصيب في هذا العام سنة 552ه بزلزلة وانهدم الحصن وقتل جميع آل منقذ الموجودين ( ) فيه فبادر إليها بعض امراء نور الدين وقصد إليها وجدد أسوارها فعادت جديدة ( ) ، ودخلت شيزر في دولة نور الدين وحقق ضمها مكاسب تجارية وسياسية واستراتيجية للزنكيين فقد كانت تقع على خطوط التجارة بين حلب ودمشق وحمص، بحيث جعلت لمن يحكم قبضته عليها حق جباية المكوس، ومن جهة أخرى صار إخضاعها أمراً تمليه الأحداث بعد أن طمع الصليبيون في الاستيلاء عليها حيث أنهم بادروا إلى ذلك في نفس العام ( ) ، ولا شك في أن محاولة الصليبيين قد جعلت الدولة النورية تدرك أكثر من أي وقت مضى أهمية إخضاع شيزر لأنه استيلاءهم عليها يشكل خطراً داهماً خاصة على مدينة حلب قلب الدولة النورية في مرحلتها الباكرة ( ). إن نجاح الدولة النورية في السيطرة على شيزر، بمثل تلك السهولة التي توردها المصادر دلالة واضحة على أن النفوذ السياسي لبني منقذ حينذاك، انتهى بصورة فعلية على نحو لم يشكلوا معه أية معارضة حقيقية للسياسة الخارجية النورية ولذا جاءت أحداث الزلازل المذكورة لتعطي لنور الدين الحافز القوي للإجهاز على كيان سياسي محلي متلاشِ ( ) وهذا يذكرنا بسنة من سنن الله في خلقه وهي إذا أراد الله أمراً هيأ له أسبابه وقد تحدث الأمير أسامة بن منقذ عن ما حدث لقومه من زَلزلة عظيمة في شيرز، ودمرت حصنها على واليها تاج الدولة بن أبي العساكر بن منقذ وقتل عدد كثير من بني منقذ في هذه الزلزلة وقد حزن أسامة كثيراً على وفاة أقاربه فقال في رثائهم :
ما استدرج الموت قومي في هلاكهم
??ولا تخرَّمهم مثنى ووحدانا
فكنت أصبُر عنهم صبر محتسب
??وأحمد الخطب فيهم عَزَّ أوهانا
وأقتدي بالورى قبلي فكم فقدوا
??أخاً وكم فارقوا أهلاً وجيرانا
ماتوا جميعاً كرجع الطرف وانقرضوا
??هل ما ترى تارك للحين إنسانا
ما يتركِ الدهُر لي من بعد فقدهم
??قلباً أُجَشَّمه صبراً وسلوانا
فلو رأوني لقالوا مات أسُعدنا
??وعاش للهَّم والأحزان أشقانا
هذى قصورهم أمست قبورهم
??كذاك كانوا بها من قبل سكانا
بنو أبي وبنو عمي دمي دَمهم
??وإن أَروْني مناواة وشناَنا
يُطيَّبُ النفس عنهم أنهم رحلوا
??وخلفوني على الآثار عجْلانا ( )
ورثى أسامة كذلك ولده عتيق وبكاه في أكثر من قصيدة وكان حزنه لموته شديداً فمما قال فيه :
عَالَبتْني عليك أيِدى المنايا
??ولها في النفوس أمر مطاع
فتخليت عنك عجزاً
??ولو أغنى دفاعي لطال عنك الدفاع
وأرادت جميل صبري فرامت
??مطلباً في الخطوب لا يُستطاع( )
ونلاحظ في رثاء الشاعر لأهله وولده أنه كان متأثراً إلى حد بعيد بفاجعته فيهما وكانت قصائده تصور هذا الحزن العميق، والفاجعة الأليمة، وحيث إن رثاءه كان صادقاً ومعبراً عن حقيقة ما يشعر به تجاه هؤلاء الأقارب، فإن كلمته كانت صادقة ومؤثرة، وبعيدة عن التصنع والتكلف ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق