182
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الثاني:تصدي نور الدين محمود للحملة الصليبية الثانية وسياسته في ضم دمشق:
خامساً : أهم نتائج ضم دمشق :
ترتب على ضم دمشق عدة نتائج كانت لصالح المسلمين لعل أهمها :
1- قضى نور الدين محمود على الأسرة البورية التي حكمت دمشق منُذ عام 497ه/1103م وآلت هذه الأتابكية بجندها وإقطاعاتها إليه، فكان ذلك فتح الفتوح وأضحت الدولة النورية قطعة متصلة من الشمال إلى الجنوب.
2- صفت الممالك بالشام لنور الدين محمود وألقى الإسلام بدمشق جرانه، وثَّبت أوتاده، وذلك إشارة إلى أن دمشق كانت في ظل حكم الأسرة البورية تحت حماية الصليبيين.
3- قامت لأول مرة في بلاد الشام منُذ أن وطئها الصليبيون دولة إسلامية متحدة مركزها دمشق، وقد أفزع هذا الصليبيين فعلَّق المؤرخ وليم الصوري قائلاً : كان هذا التغير مشؤوماً بالنسبة لمصالح مملكة بيت المقدس لأنه وضع الصليبيين في مواجهة خصم عنيد في شدته محل رجل مسلوب الإرادة، إشارة إلى مجير الدين أبق، قد جرَّده ضعفه من أن يكون مصدر أذى عليهم، كما أنه ظلَّ حتى ذلك الوقت يدفع لهم الجزية سنوياً شأنه في ذلك شأن التابع لهم ( ) . وفي رأينا أن التغيير المشؤوم بالنسبة لمملكة بيت المقدس هو نفسه التغير المبارك بالنسبة للمسلمين هو توحد عدة مدن كانت دويلات في دولة واحد قوية وتوحيد جيوشها المبعثرة في جيش واحد قوي على رأسه قيادة ربانية كنور الدين زنكي استطاعت أن تعطي هيبة وقوة للدولة.
4- شكل ضمُّ دمشق إلى حلب نقطة تحول هامة في تاريخ الحروب الصليبية بفعل أنه ترتب على هذا التحول وحدة بلاد الشام الإسلامية تحت زعامة نور الدين محمود، فمن الرها شمالاً حتى حوران جنوباً امتدت دولة إسلامية واحدة مركزها دمشق فقبل ذلك الوقت كان المسلمون في الشرق الأدنى الإسلامي منقسمين إلى قسمين منفصلين، قسم في الجنوب أي مصر، وقسم في الشمال أي شمال الشام والعراق، وقد استطاع الصليبيون بفضل موقف حكام دمشق توجيه الضربات لكل قسم من هذين القسمين على انفراد دون أن يتمكَّن القسم الآخر من دفع خطرهم ( ).
5- حقَّق ضمُّ دمشق نوعاً من التوازن بين المسلمين والصليبيون في بلاد الشام، بل فاق في كفة المسلمين رجحانه، فإذا كان الصليبيون قد حَّققوا السيطرة على جميع ساحل بلاد الشام من الإسكندرونة إلى غزة، فإن ضَّم نور الدين محمود لدمشق جعل بلاد الشام الداخلية من الفرات حتى نهر بردي في قبضة إسلامية واحدة، وإذا كان الصليبيون في الشمال قد نجحوا في الاستيلاء على حارم، على الضفة الشرقية لنهر العاصي، فإن ضياع هذه القلعة من المسلمين لا يعادل بأي حال الأهمية العسكرية والمعنوية لدخول نور الدين محمود دمشق ( ).
6- تحقَّق بضمَّ دمشق جانب كبير من أهداف نور الدين محمود الرامية إلى توحيد الجبهة الإسلامية، وكان قد أمَّن المركز المسيطر على طريق وادي العاصي المؤدي إلى أنطاكية، فأضحى بإمكانه عند نشوب الحرب بينه وبين الصليبيين أن يسَّدد ضرباته وفق رغبته إلى الشمال والجنوب بعد أن أنهار الحاجز المنيع الذي كان يفصل حلب عن بيت المقدس، وبعبارة أخرى، أضحت بيت المقدس في متناول يده.
7- على الرغم من أن ممتلكات الصليبيين تفوق في المساحة وفي الثروة ممتلكات نور الدين محمود، فقد كان له ميزة توحيد الممتلكات تحت زعامة واحدة يقلُّ عن سائر أمراء الصليبيين المتشرذمين، فيما يتعرض له من مناوأة من قِبل أتباعه الطموحين ( ) .
8- أخذ نجم نور الدين محمود في الصعود، غير أنه كان شديد الحذر مما منعه في المضي في استكمال انتصاراته لذلك أكَّد من جديد ما كان قائماً من تحالف بين دمشق وبيت المقدس، فقد جددَّ في عام 551ه/1156م الهدنة لمدة سنتين ( ) لم تأخذ نور الدين نشؤة الانتصار وعاطفة العوام ولم يتأثر بغرور الانتصار وإنما علاج الوضع بعقلية القائد المحنك واهتم نور الدين بالأمور الإدارية والحضارية والسعي لتعزيز المذهب السني بدمشق وعمارة الاستحكامات وأسوار المدن ( ) .
- ما قيل من الشعر في حصار دمشق عام 546ه : في عام 546ه حاصر نور الدين محمود دمشق فمدحه ابن المنير بقصيدة يحرضه على حِكام دمشق فقال :
أخليفةَ الله الذي ضَمِنَتْ
??تصديقَ واصفهِ سَراةُ المِنْبَرِ
لا المستطيل بمصر ظلَّ قُصُوره
??والمستطال إليه شُقَّة صَرْصَرِ
يا نور دين الله وابن عماده
??والكوثر بن الكوثر وبن الكوثر
صفَّر بحدَّ السَّيْف دار أشائب
??عقلـوا جيادك عن بنات الأصفر
هم شَيَّدُوا صرح النَّفاق وأوقدوا
??ناراً تُحَشُّ بهم غداً في المحشر
إلى أن قال :
يا أيها الملك المنادِي جُودُه
??في سائر الآفاق هل من معسر
إن القصائد أصبحت أبكارُها
??في ظل ملكك غاليات الأمهر( )
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق