إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

181 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الثاني:تصدي نور الدين محمود للحملة الصليبية الثانية وسياسته في ضم دمشق: رابعاً : سياسة نور الدين محمود في ضم دمشق :


181

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الثاني:تصدي نور الدين محمود للحملة الصليبية الثانية وسياسته في ضم دمشق:

رابعاً : سياسة نور الدين محمود في ضم دمشق :

كان نور الدين يحاول التقرب من أهل دمشق وكسب ثقتهم ويستغل كل فرصة تحقق له ذلك سعياً منه لتحقيق هدفه الرئيسي بضم دمشق دون حرب، وقد وصلته أخبار في نهاية عام 544ه/1149م عن أعمال نهب وتخريب يقوم بها الفرنجة في مناطق حوران التابعة لدمشق دون أن يردعهم أحد ( ) وكان المطر قد انحبس حتى ذلك الوقت وعانى الناس من القحط، فتوجه نور الدين بجيشه حتى وصل بعلبك، وراسل مجير الدين آبق حاكم دمشق، يقول له : إنني ما قصدت بنزولي هنا طلباً لمحاربتكم، وإنما دعاني لهذا الأمر كثرة شكاية أهل حوران بأن الفلاحين أخذت أموالهم، وسبيت نساؤهم وأطفالهم بيد الفرنج، وعدم الناصر لهم، ولا يسعني مع ما أعطاني الله تعالى وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين، وكثرة المال والرجال، أن أقعد عنهم ولا انتصر لهم مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذب عنها والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج على محاربتي وبذلك لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية، ظلماً لهم وتعدياً عليهم، وهذا مالا يرضي الله ولا أحداً من المسلمين، ولابد من المعونة بألف فارس تجّرد مع من يوثق بشجاعته من المقدمين لتخليص ثغر عسقلان وغزة ( ) . فهذه الكلمات خرجت من قلب مكلوم، يرى الفرنج يتداعون على المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وأولو الأمر يقفون مكتوفي الأيدي، فلا يذبون عن أمتهم، ولا يدافعون عن رعيتهم، بل ويصل الأمر إلى أنهم يبذلون أموال المسلمين لأعداء الإسلام، مع أنه لا يجوز إعطاء الكافرين أموال المسلمين وأرضهم، فكان لابد وأن يتحرك الأبرار الشرفاء. إن نور الدين في هذه الرسالة غير حريص على قتال إخوانه في الإسلام، وأن الذي دفعه إلى الخروج، والنزول حول دمشق، هو إغاثة المكلومين الذين ابتلوا بالفرنج، ولا طاقة لهم في دفعهم، مع قعود مجير الدين صاحب دمشق عن نصرتهم ابتغاء مرضاة الله وقياماً بواجب عجز حكام دمشق عن القيام به، كما أنه لا يحل لمسلم أعطاه الله القدرة على نصرة المسلمين وجهاد أعدائهم، ولا ينصرهم وفي هذه الرسالة يرسي نور الدين معالم على طريق التحرير لعل حكام المسلمين يعون ما فيها، حينما يذكر أن التمكين في الأرض نعمة، وكثرة المال، وكثرة الرجال نعمة، تستحق الشكر لله عز وجل، وتوظيفها في طاعة الله عز وجل، أي لابد هنا من توظيفها في الجهاد في سبيل الله، ولا يحل لمسلم أعطاه هذه النعم أن يقعد عن نصرة إخوانه في الإسلام ومجاهدة الأعداء، لهذا قرر نور الدين محمود أن يهب لنجدة إخوانه سكان دمشق ( ).

كان الجواب الذي تسلمه نور الدين من حاكم دمشق : ليس بيننا وبينك إلا السيف وسيوفنا من الفرنج ما يعيننا على دفعك إن قصدتنا ونزلت علينا ( ) ، قرر نور الدين التوجه إلى دمشق ومحاصرتها ولكن أمطاراً غزيرة جداً سقطت واستمرت أسبوعاً، فغير رأيه حقناً لدماء المسلمين، ولهج أهل دمشق وحوران بالدعاء له واعتبروا نزول المطر ببركته ( )، وقرّر نور الدين أن يستولى على المدينة بطريقة سلمية، وكان هذا القرار يتناسب مع عقيدة نور الدين محمود وطبيعته، فهو يكره سفك الدماء المسلمين ويبذل قصارى جهده ليتجنب قتال المسلمين وعُرف عنه قوله : إني أرفّه المسلمين ليكون بذل نفوسهم في مجاهدة أعدائهم، كانت خطة نور الدين محمود للاستيلاء على دمشق سلمياً تقتضي العمل على ثلاثة محاور :

المحور الأول :

يتمثل العمل على توجيه حملة دعائية عامة إل أهالي دمشق يتم خلالها إبراز الأحوال السيئة والأوضاع المتردية التي تسود إمارتهم بسبب سوء إدارة حكامها وفسادهم وتعاملهم مع الأعداء وبالمقابل إبراز ما ينتظرهم نور الدين محمود، وكانت القواعد والأسس اللازمة لمثل هذه الحملة متوافرة وموجودة أصلاً من خلال الواقع الذي يعيشه أهالي مدينة حلب وغيرهم، من رعايا نور الدين محمود، ومن خلال ما تناقله الناس عن عدله وحسن سيرته وجهاده ولكنه أراد أن يخصَّ أهل دمشق بمزيد من الاهتمام والرعاية في هذا المجال فكان يوصي جنوده في كل مّرة يدخل فيها أراضي الإمارة أن يحسنوا معاملة الفلاحين ومن يلقونهم من أهالي دمشق وألا يحدثوا أية أضرار في الممتلكات والمزارع، وعندما علم باعتداءات الفرنجة على حوران (جنوب دمشق) وقتلهم للمسلمين وسبيهم للنساء والأطفال ونهبهم للمواشي، دون خروج حاكم دمشق لدفعهم، بادر بالتوجه بجيشه إلى دمشق، وعندما اقترب من المدينة ... وأرسل إلى حاكمها الرسالة الآنفة الذكر وعندما علم نور الدين أن حاكم دمشق طلب مساعدة الفرنجة، أجرى تعديلاً على توزيع مواقع قواته للتعامل مع الموقف الجديد. التقى مجير الدين آبق مع قادة الفرنجة وأكد معهم اتفاقة القديم ولكن أدرك فيما بعد عزم نور الدين وتعميمه على احتلال المدينة، فأرسل إليه يطلب الاجتماع به وإعلان الطاعة له، وذكر اسمه في الخطبة وسك اسمه على النقود مقابل بقائه حاكماً على المدينة فقبل نور الدين بهذا العرض، وتم الاجتماع في معسكر نور الدين، وخرج أغلب أهل دمشق إلى معسكر نور الدين ليملأوا عيونهم من طلعة نور الدين ( ) وانتهز نور الدين محمود الفرصة فحرص على لقاء العلماء وطلبة العلم وقُراء القرآن وأكرمهم كما أحسن إلى الفقراء والضعفاء وشملهم بعطفه، مما ترك أحسن الأثر في نفوس الناس، ومع أن مجير الدين آبق نقض اتفاقه مع نور الدين وأعاد علاقته بالفرنجة كما كانت في السابق، إلا أن نور الدين كان قد تملك قلوب الرعية في دمشق وحقق نجاحاً كاملاً على المحور الأول من خطته.

المحور الثاني :

كان العمل يشمل على الاتصال سراً بوجوه مدينة دمشق وأعيانها من كبار التجار والقضاة والعلماء وبعض قادة الجند، وقادة التنظيمات الشعبية ( ) ، لاستغلال نفوذهم وتأثيرهم لصالح التغيير المطلوب في الوقت المناسب، وكان من أشهر العاملين على هذا المحور القائد المشهور أسد الدين شيركوه وأخوه نجم الدين أيوب ( والد صلاح الدين )، فقد كان الأخير من سكان دمشق ومن أشهر وجهائها ( ) ، بينما كان أسد الدين من أكبر القادة العسكريين العاملين مع نور الدين محمود، فاستغل نور الدين هذا الوضع وأوعز إلى قائده أسد الدين بمراسلة أخيه نجم الدين وتحريضه على الإطاحة بمجير الدين آبق وتسهيل تسليم المدينة لنور الدين بدون قتال في الوقت المناسب، فاستجاب نجم الدين وبذل في هذا المجال جهوداً كبيرة أثمرت في نهاية الأمر حتى أخذ أعيان دمشق يراسلون نور الدين يطلبون حضوره معلنين استعدادهم حصر مجير الدين آبق في قلعة دمشق وتسليم المدينة له دون قتال ( ) . وهكذا كان النجاح على هذا المحور كاملاً كما هو على المحور الأول.

المحور الثالث :

كان المحور الثالث من اختصاص نور الدين نفسه، فقد استطاع بخبرته ومقدرته على تحليل النفوس البشرية، النفاذ إلى شخصية مجير الدين آبق وتحليلها، ومعرفة ميوله ورغباته وتعامل معه على هذا الأساس، فأخذ يراسله ويستشيره في أمور المسلمين ويتقرب إليه بالهدايا حتى أطمأن إليه ووثق به، ثم أخذ يوقع بينه وبين قادته وأمرائه، فيكتب له عن بعض أمرائه وقادته بأنهم يراسلونه ( ) ، (أي يراسلون نور الدين) فيقبض مجير الدين عليهم أو يجّردهم من مناصبهم أو يقتلهم حتى لم يبق من كبار قادته وأمرائه من يعتمد عليه في ضبط أمور الجيش وإدارة القتال ( )، وأصبح مكروها من الرعية معزولاً عن الأعيان والوجهاء مجرداً من القادة الأكفاء عندها حانت الفرصة المناسبة وأصبحت دمشق كالثمرة الناضجة فسار نور الدين محمود إليها بجيشه وأوعز إلى أنصاره فيها لتنفيذ ما اتفق عليه، فثاروا وهاجموا أبواب المدينة من الداخل وفتحوها أمام جيش نور الدين بينما تحصّن مجير الدين آبق مع من بقي معه من الجند في قلعة المدينة وطلب النجدة من الفرنجة الذين سارعوا إليها ولكن نور الدين كان أسرع منهم فرجعوا خائبين ثم أرسل نور الدين إلى مجير الدين يؤمنه على نفسه وعلى من معه من الجند، ويعده بإقطاعه مدينة حمص إذا استسلم وخرج من القلعة، فقبل وحقق له نور الدين وعده ولكن أبدله بحمص مدينة بالس على نهر الفرات في الشرق ( ). وهكذا نجحت خطة نور الدين في ضم دمشق إلى دولته بدون قتال نجاحاً كاملاً - بفضل الله - ثم حنكته السياسية ومقدرته على تأليف القلوب واستمالتها بالإضافة إلى قوة عزمه وتصميمه على الهدف وصبره وترويه في التعامل مع الأمراء المنحرفين عن جادة الصواب ( ).

ولقد تمكن نور الدين من ضم دمشق في صفر عام 549ه/أبريل 1154م ( ) ، ويعد ضم دمشق من أهم انجازات السياسة الخارجية النورية وبذلك تحقق حلماً طالما راود الزنكيين وقد عده البعض، أعظم إنجازاته على الإطلاق وأنه نقطة تحول في تاريخ الحروب الصليبية ( )، حيث غدت بلاد الشام والجزيرة تحت سيطرته وصار الصليبيون بذلك يواجهون عدواً خطيراً ( ) ، وإذا كان بلدوين الثالث بإسقاطه عسقلان عام 548ه/1153م أكمل مد النفوذ الصليبي على كافة أنحاء الساحل الشامي من الإسكندرية شمالاً إلى غزة جنوباً؛ فإن استيلاء نور الدين على دمشق جعل داخلية بلاد الشام من الفرات حتى بردي في قبضة قوة إسلامية موحدة ( ) ، وتلك هي المرة الأولى التي توحدت فيها الشام منُذ العهد السلجوقي وصار بإمكان نور الدين محمود أن يوجه ضرباته لأعدائه في الشمال صوب أنطاكية وفي الجنوب صوب منطقة الجبل الأعلى والحدود الشمالية للمملكة اللاتينية كذلك أدى إسقاط دمشق إلى فتح الطريق نحو القاهرة، التي غدت محط أطماع متبادلة من جانب نور الدين والصليبيين على حد سواء ( ).



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق