إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 11 يوليو 2014

116 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية المبحث السادس:أهمية التربية والتعليم في النهوض الحضاري: ثالثاً :ميادين العلوم في العهد الزنكي: 2- العلوم التاريخية والجغرافية :


116

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية

المبحث السادس:أهمية التربية والتعليم في النهوض الحضاري:

ثالثاً :ميادين العلوم في العهد الزنكي:

2- العلوم التاريخية والجغرافية :

 ازداد الاهتمام بالدراسات الاجتماعية في العهد الزنكي، وبخاضة في ميداني الدراسات التاريخية والجغرافية، وحيث برز في هذا العهد عدد كبير من المؤرخين الذين تنوعت اهتماماتهم في مختلف صور الكتابات التاريخية كما اشتهر عدد من علماء الجغرافيا والرحالة الذين أثروا هذا الجانب بتأليف جديدة مهمة وإذا كان التأليف في فضائل الجهاد والاهتمام بالدراسات الشرعية والأدبية المتعلقة به يجد تفسيره في الوجود الصليبي في المنطقة، فإن الاهتمام بالدراسات التاريخية والجغرافية يرجع للسبب نفسه، وقد تمثل هذا الأثر في ظهور دراسات متخصصة لها طابع الجهاد الإسلامي ضد العدوان الصليبي في المنطقة حيث وجد المتخصصون – بهذا الفرع من العلوم – في الجهاد مادة زخرت بها مؤلفاتهم سواء عن طريق الكتابات التاريخية التي تؤرخ للمعارك بين المسلمين والصليبيين أو في الكتابة في فضائل المدن، وتراجم الشخصيات البارزة في مجال الجهاد، كما ظهر ذلك الأثر في كتابات الرحالة الذين زاروا المنطقة ووصفوا الأوضاع العامة التي كان يعيشها المسلمون إلى جانب الصليبيين فيها، كما اهتموا بتحديد البلدان وخططها وقد أصبحت المنطقة الزنكية بسبب الوجود الصليبي فيها مركز الاهتمام السياسي والاقتصادي والفكري في العالم الإسلامي، حيث كانت تلك الدولة تمثل مركز اليقظة الإسلامية في مواجهة العدوان الصليبي في المنطقة، إضافة إلى استقطاب قادة هذه الدولة العديد من العلماء الأعلام من كافة المناطق الإسلامية مما كان له أثر في تطور العلوم ونشاطها ( ) ، وكانت أبرز الجهود التي بُذلت في ميداني الدراسات التاريخية والجغرافية في هذا العهد تتمثل فيما يأتي :

- التراجم والطبقات :


يُعد هذا النوع من أهم أنواع الكتابة التاريخية في هذا العهد، فقد عنى به المؤرخون عناية فائقة فما أن يظهر أحد من المتخصصين في أي فرع من فروع العلم والمعرفة إلا وتناولته كتب التراجم بالكتابة عن تفصيلات حياته ودراسته وتنقلاته وشيوخه وتلامذته وإسهاماته العلمية في مجال التأليف والتدريس وتعد هذه المؤلفات من المصادر المهمّة للتاريخ الإسلامي، إذ أنها تزود الباحث في التاريخ بمادة تاريخية خصبة ( ).ويعُد الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعروف بابن عساكر من أبرز العلماء الذين اهتموا بالكتابة على هذا المنهج في هذا العهد، إذ كان اهتمامه منصباً على الحديث، وتراجم العلماء وبخاصة رجال الحديث طوال حياته، ومع أن كتابه "تاريخ دمشق" قد شمل التاريخ العلمي والثقافي لمدينة دمشق، فإنه يُعد واحداً من أشهر كتب التراجم بعد كتاب " تاريخ بغداد " للحافظ أبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي المتوفي 463ه/1070م وكان ابن عساكر قد سار على نهجه ( ).
- وممن برز في الكتاب التاريخية على هذا المنهج في العهد الزنكي أبو عبد الله عماد الدين محمد بن صفي الدين أبو الفرج المعروف بالعماد الأصفهاني الكاتب المتوفى سنة 597ه/1201م الذي صنف الموسوعة المشهورة عن أدباء وشعراء العصر أي كتاب "خريد القصر وجريدة العصر" والذي أرّخ فيه لشعراء وأدباء زمانه في كافة الأقطار الإسلامية ( ).

- وممن كتب في الترجم :

 المؤرخ المشهور عز الدين أبو الحسن بن علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير المتوفى سنة 630ه/1233م ( ) ، فقد كان ابن الأثير مؤلفاً نشيطاً بارعاً، استطاع أن يخلد اسمه بين كبار المؤرخين عن طريق مصنفاته التي من أشهرها : كتاب الكامل في التاريخ، وكتاب " اللباب في تهذيب الأنساب " وكتاب "التاريخ الباهر في الدولة الزنكية" وكتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" ( ) ، الذي أورد فيه ما يربو على سبعة آلاف وخمس مئة ترجمة، واستدرك على مافاته ممن تقدمه من مؤلفي التراجم وبيّن أوهامهم ( ).
- التاريخ المحلي (الخاص) : تخصص فريق آخر من المؤرخين بالتأليف المحلي والذي يُعد تعبيراً صادقاً عن ارتباط المؤرخ بإقليمه، واعتزازه بوطنه. وقد لقي هذا الاتجاه إقبالاً كبيراً من المؤرخين في العهد الزنكي ( ) وقد ظهر في هذا العهد عدد من المؤلفات المهمة في هذا الإطار ومن أبرز ممن كتب في هذا المنهج خلال العهد الزنكي :
- ابن القلانسي : أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي المتوفى سنة 555ه/1160م ( ) العميد الأديب الشاعر المؤرخ، كان من أعيان دمشق، ومن أفاضلها المبرزين، وكانت له عناية بالحديث، وكان أديباً له خط حسن ونظم ونثر ولي رئاسة ديوان الإنشاء بدمشق مرتين، عُمّر بضعاًوثمانين سنة، وتوفي سنة 555ه/1160م وقد استفاد ابن القلانسي من عمله في ديوان الإنشاء بدمشق، فاطّلع على الوثائق الرسمية بمختلف أنواعها مما أكسب تاريخه أهمية خاصة بالنسبة لأحداث عصره، ولابن القلانسي : كتاب " تاريخ دمشق " بدأ به سنة 360ه/971م وانتهى إلى سنة وفاته 555(1160م) وهو أول تاريخ لدمشق صنف حسب الحوادث والحوليات، ثم هو المصدر الأساسي لتاريخ الشام أيام الفاطميين والسلاجقة فيه أقدم سيرة لدمشق وأهلها من النواحي العمراينة والاجتماعية والعقدية والسياسية وذلك خلال قرنين حاسمين، ولم يقتصر به هذا الكتاب على تاريخ دمشق بل عاجل فيه مؤلفه كثيراً من الحوادث السياسية التي وقعت في الشام، والعراق والجزيرة، ومصر، ولكنها بصورة مقتضبة، فضلاً عن اهتمامه بأحوال الإمارات الصليبية في بلاد الشام وما كان يدور بينها وبين القوى الإسلامية في المنطقة من نزاع مستمر ( ).

- ومن المؤرخين في التاريخ المحلي، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن الأثير الجزري المتوفى سنة 630ه(1233م) وقد صنف كتاب "تاريخ الموصل" وهو الموسوم " بالتاريخ الباهر في الدولة الأتابيكية" وهو تاريخ للدولة الزنكية بالموصل عرض فيه ابن الأثير بالإضافة إلى الأخبار السياسية تفاصيل منوعة اقتصادية واجتماعية وثقافية عن الموصل من مطلع عماد الدين زنكي سنة 521ه/1127م حتى وفاة الملك نور الدين أرسلان شاه سنة 607ه/1210م ( ).

- التاريخ العالمي (العام) :

وهو الكتابة التاريخية التي يتناول فيها المؤرخ الأحداث منُذ بدء الخليفة حتى عصره دون الارتباط بأقليم واحد، وأهم كتاب في ذلك العصر الكامل في التاريخ لعز الدين علي بن محمد الجزري المتوفى 630ه 1233م، فلقد نال ابن الأثير شهرته بين مؤرخي القرن السادس الهجري بسبب تأليفه لهذا الكتاب وكان قد ألفه على طريقة الحوليات، ابتدأ فيه بأول الزمان حتى وصل به إلى سنة 628ه 1231م وقد تحرى ابن الأثير الحقيقة والدّقة فيما كتب، وحاول الابتعاد عن الإسهاب وتكرير الروايات، ثم إنه راعى التوازن في كتابه لتاريخه بين أقاليم العالم الإسلامي، فلم تصرفه الأحداث التي ألّمت بالمشرق عما كان يجري بالمغرب من تطورات ( )، وقد تابع ابن الأثير في كتابه الكامل المعلومات التاريخية التي أوردها الإمام محمد بن جرير الطبريّ في تاريخه متابعة دقيقة إلى حد بعيد فلخّصها ثم أضاف إليها الكثير من المعلومات، وبخاصة تلك التي تتعلق بالفترة التالية لتوقف الطبري عن الكتابة وبذلك احتل ابن الأثير مكانة مرموقة بين المؤرخين المسلمين، واتخذ كتابه طابع التاريخ العام أكثر من أي تاريخ عام غيره ( ).

- التاريخ المعاصر والمذكرات  :

وممن عاصر الأحداث في عهد الدولة الزنكية وكتب عنها بأسلوب المذكرات أبو المظفر مؤيد الّدولة أسامة بن بن مرشد بن علي بن مقلد الشيزري المتوفي سنة 584ه/1180م ( ) ، وله كتاب " الاعتبار " وهذا الكتاب قّل أن يوجد ما يشابهه من كتب التاريخ في ذلك العهد إذ يضعنا أسامة بن منقذ في هذا الكتاب أمام مذكرات في الأدب التاريخي تتضمن خلاصة تجارب أسامة وما صادفه أسامة في حياته من حوادث، وتعكس صور الحياة في العصر من حروب وفروسية، وملامح من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية على الصعيدين الإسلامي والصليبي ( ).

- وممن كتب بأسلوب المذكرات العماد الأصفهاني الكاتب المؤرخ المتوفى سنة 597ه/1201م ومن أهم ما كتب في هذا المجال، البرق الشامي؛ وهو أشبه بالمذكرات الشخصية لأنه بدأه بذكر نفسه وحياته وانتقاله من العراق إلى الشام وأخباره مع نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وتاريخ دولتهما مع ذكر بعض الفتوح بالشام ( ).

- الجغرافيا والرحلات تعد الرحلات وزيارة الأقطار المختلفة من أهم وسائل المعرفة الجغرافية، وقد اشتهر كثير من الجغرافيين المسلمين مثل ابن حوقل، والمسعودي، والمقدسي، والإدريسي وابن جُبير وابن بطوطة برحلاتهم الطويلة، حيث فاق المسلمون في ميدان الرّحلة والكشف الجغرافي وغيرهم من الشعوب، وساعد على الرّحلات الإسلامية أمور عديدة منها : اتساع رقعة الدولة الإسلامية بعد الفتوحات، وانطلاق المسلمين إلى مراكز العلم المنتشرة في سائر أقطار العالم الإسلامي، كذلك رحل الناس للتجارة بين الأقطار الإسلامية في المشرق والمغرب أو لأداء فريضة الحج إلى بيت الله، أو القيام بمهمة كأن يكون الرّحالة سفيراً للخليفة أو السلطان ( ) وكان معظم الرحالة المسلمين يحرصون على تدوين مشاهداتهم، وتسجيل أخبارهم، والمسالك والطرق التي ساروا فيها والمسافات التي قطعوها في تنقلاتهم، كما كانوا يصفون المدن التي يمّرون بها ويذكرون الصعوبات التي واجهتهم في رحلاتهم، ويصفون ما عاينوه من مظاهر الحضارة في كل بلد طرقوه، كالمنتجات الزراعية والصناعات والتجارة، كما أن بعضهم كان يصف بعض مظاهر الحياة الاجتماعية في الأقطار المختلفة التي يمُّر بها ( ) فكانت تلك الرحلات وما تقدمه من معلومات مبنية على المشاهدة والإطلاع من أبرز عوامل تقدم وتطور المعارف الجغرافية عند المسلمين ( ). ولقد كان لعدد من علماء العهد الزنكي أثر في الدراسات الجغرافية، وبخاصة ماله صلة بالرحلات الجغرافية من أشهرهم - : أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الموصلي المتوفى سنة 611ه/1215 ( ) الذي قضى معظم حياته بالتجوال والرحلات حتى لقب بالسائح وأبو الحسن الهروي أصله من هراة ولكنه ولد بالموصل، ومنها انطلق برحلاته إلى الشام، والعراق، واليمن والحجاز، ومصر، وبلاد الروم وبعض جزر البحر المتوسط مثل صقليّة، وقد تنقل خلال رحلاته في أرجاء المدن المختلفة وتكلّم عن مشاهدها ومساجدها وخالط أهلها، والتقى بالعلماء وأخذ عنهم، ولم يكن في تجواله مقتصراً على طلب العلم فقط، بل إنه وثّق علاقاته مع عدد من الجغرافيين المعروفين في عصره ( ) ، قال عنه ابن خلكان : طاف البلاد وأكثر من الزيارات، وكاد يطبق الأرض بالدوران، فإنه لم يترك براً ولا بحراً، ولا سهلاً ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه ولقد شاهدت ذلك في البلاد التي رأيتها مع كثرتها ( ) ، وقد ألف الهروي عن رحلاته هذه كتابه : "الإشارات إلى معرفة الزيارات " ( ) .


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق