109
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السادس:أهمية التربية والتعليم في النهوض الحضاري:
أولاً :فئات المدرسين في الدولة الزنكية:
1- معلمو الكتاتيب :
الاسم الشائع الذي كان يطلق على معلم الصبيان في العهد الزنكي هو (المعلم) أو (المؤدب). ومعلم الكتاب في ذلك العهد يماثل معلم المرحلة الابتدائية في عهدنا الحاضر، من حيث أنه يتولى تعليم الأطفال العلوم الأساسية، ويشرف على تربيتهم وتوجيههم، وتأهيلهم إلى المرحلة الأعلى وقد اهتم حكام العهد الزنكي بهذه المرحلة من التعليم اهتماماً خاصاً وحظي معلموا هذه المرحلة بمكانة عالية لديهم، فوفّروا لهم كافة سبل العيش المريح للقيام بمهمتهم على أفضل وجه وأداء رسالتهم المهمّة في توجيه اللبنة الأولى في التعليم على النهج السليم الذي رسمته تلك الدولة، هو إعدادهم منُذ صغرهم ليتخرجوا صحيحي العقيدة سليمي الذهن ( ) متأثرين بذلك التوجه الإسلامي ليتخذوا مواقعهم في المجتمع، وليقوموا بالأعمال المنوطة بهم مستقبلاً على التوجه السليم والسياسة المرسومة ( ) . وكان من أهم ما يتطلبه تعليم الصبيان في المعلم أن يكون حافظاً لكتاب الله ملماً ببعض علوم اللغة وأصول الحساب والخط ( ) وكان يشترط فيمن يقوم بتعليم الصبيان شروط خلقية كثيرة ذلك لأنه كلما زادت الخصال المحمودة في المؤدب زاد الصبي به تجملاً ورفعة وفي هذا الصدد يقول الإمام الغزالي المتوفي سنة 505ه/1112م : إن صلاح التلميذ بصلاح معلمه، فإن أعينهم إليه ناظره، وآذانهم إليه مصغية، فما استحسنه فهو عندهم الحسن وما استقبحه فهو القبيح ( ) ، كما اشترط المربون في المعلم أن يكون عادلاً بين الصبيان، وأن يكونوا عنده بالمنزلة سواء لا تفريق بينهم فابن الفقير وابن الغني على حد سواء في التربية والتعليم ( ) . هذا إلى جانب كونه من أهل التقوى والورع والعفة واستحب المربون في معلم الكتّاب أن يكون كبير السن ( ) وقد اشتهر بالتأديب في العهد الزنكي الشيخ علي بن منصور السُرُوجي المتوفي سن 572ه/1176م ( ) وكان قد ندبه الملك عماد الدين زنكي لتربية أولاده وتعليمهم، وقد اشتهر السروجي ببراعته في الأدب والشعر وحسن الخط ( ) . ولقد تمتع معلموا الكتاتيب في ذلك العهد بمركز مالي جيد في الكتاتيب الموقوفة إذ وفر لهم الواقفون رواتب شهرية تُصرف لهم من إيراد الوقف ( ) ، كما ذكر أبو شامة عن نور الدين أنه بنى في بلاده الكثير من الكتاتيب وأجرى على المعلمين والصبيان رواتب وافرة ( ) ، وقد دفع هذا التشجيع المادي والمعنوي الكثير من المعلمين إلى الإقبال على التعليم، بطمأنينة وراحة بال ( ) .
2- المدرسون :
إن نظام التعليم المتبع في العهد الزنكي لا يقل شأنا عن نظام المدارس في العصر الحاضر، فإن النظام المتبع آنذاك هو أن يكون لكل مدرسة عدد من المدرسين يختص كل واحد منهم بتدريس مادة أو أكثر، ويشرف عليهم شيخ يسمى ناظر المدرسة ويشترط أن يكون الناظر من خيار المدرسين وأشهرهم ومن الذين بلغوا درجة عالية من النضج العلمي، والقدرة العالية في مجال التأليف والتدريس وقد عني الزنكيون ومن سار على نهجهم في إنشاء المدارس ودور التعليم المختلفة باختيار العلماء الأفذاذ للتدريس في مراكزهم وحرصوا على استجلاب من أثر عنه العلم الوافر، والسمعة الحسنة بين العلماء وطلاب العلم، كما حرصوا أن يكون المدرس سليم العقيدة حتى يتوافق مع التوجيه الديني الشامل للدولة ( ) وكان المدرسون في العهد الزنكي يتقاضون رواتب، أو معاليم تصرف لهم من الأوقاف التي كانت توقف على المدرسة، وكانت تلك الأجور أو المعاليم تتأثر بظروف مقدار الوقف على المدرسة وما يّدره شهرياً أو سنوياً وكان هناك من المدرسين من يأنفون من أخذ ما يُخصص لهم من تلك الأوقاف فقد رفض القاسم ابن الحافظ علي بن الحسن بن عساكر المتوفي سنة 600ه (1203م) ( ) وكان مدرساً بدار الحديث النورية بدمشق، أن يتناول من معلومه شيئاً، فقد تنازل عنه لمن يتردد عليه من الطلبة ( ) ، وكان يحق للمدرس أن يستنيب من يقوم بالتدريس مكانة في إحدى المدارس، ومن هنا ظهر منصب "نائب المدرس" وهو أعلى من رتبه المعيد، وأقل من رتبة المدرس ومن ذلك أن القاضي شرف الدين بن أبي عصرون درس بالمدرسة الأمينية بدمشق ( ) ، وأناب عنه في بعض وقته الفقيه أبا الفضائل الدمشقي ( ) ، المتوفى سنة 561ه/1165م ( ) .
3- المعيدون :
من الواضح أن نظام الإعادة الذي نجده منتشراً في جامعتنا في الوقت الحاضر لم يكن وليد نُظم التعليم الحديثة فقد سبقتها المدارس الإسلامية الأولى إلى استعمال هذا النظام، ولم تظهر وظيفة المعيد في تاريخ التعليم عند المسلمين إلا مع ظهور المدارس وتطور وظائفها في منتصف القرن الخامس الهجري ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق