إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 يوليو 2014

100 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية : المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية: ثانياً:سياسة الانفاق في الخدمات الاجتماعية: 3- المدارس :


100

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :

المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:

ثانياً:سياسة الانفاق في الخدمات الاجتماعية:

3- المدارس :

كانت المساجد المراكز الأولى للتعليم في الإسلام، إلى جانب كونها محل عبادة المسلمين، ومقر اجتماعاتهم ولكن مع مرور الزمن انتقل التعليم في بعض مظاهره عن المساجد إلى أماكن أخرى عرف بالمدارس وقد ناقش شلبي هذا الأمر وعلله بأمور عديدة من أهمها.

- ازدياد الإقبال على الدراسات الشرعية، وبالتالي ازدحام حلق التعليم في المساجد بالكثير من الرّواد، وكان يبتعث من كل حلقة من هذه الحِلق صوت المدرس يُلقي درسه، وأصوات الطلاب يناقشونه ويسألونه، حتى تلاقت الأصوات المتصاعدة من الحِلقَ المتعددة، فأحدثت في المسجد شيئاً من الضجيج مما يتنافى مع مكانة المسجد، وهذا ما جعل احتمال المسجد للصلاة والتدريس معاً أمراً صعباً ( ).

- تطور العلوم والمعارف مع مرور الزمن، حيث أصبحت هناك مواد تستدعي دراستها الكثير من الحوار والنقاش، ومثل هذه المواد تتنافى مع ما يجب أن يكون عليه روّاد المسجد من هدوء
وسكينة ( ).

- انشغال جماعة من المسلمين بالتعليم في حلق المساجد معظم وقتهم ومحاولتهم الإرتزاق عن طريق ممارسة حرف بسيطة قاموا بها إلى جانب التدريس، ولكنهم فشلوا في الحصول على مستوى معيشي مناسب، مما أدى بهم إلى البحث عن مكان مستقل تتوافر فيه شروط التدريس من جهة، ويضمن لهم جرايات وافرة تقوم بحاجاتهم من جهة أخرى ( ) ، وعلى هذا الأساس بُدء بتأسيس هذا المكان الذي حمل اسم " المدرسة" ومن ثم بدأت طلائع الحركة المدرسية الفعلية بالظهور، والتطور مع الزمن ( ). وتطورت المدارس وازداد انتشارها في زمن السلاجقة على يدي الوزير نظام الملك السلجوقي وقد ذكر السبكي في ترجمته لنظام الملك ما نصه : وبنى مدرسة ببغداد، ومدرسة ببلخ، ومدرسة بَهراة، ومدرسة بأصبهان، ومدرسة بالبصرة بمرو، ومدرسة بآمل طبرستان، ومدرسة بالموصل، ويقال : إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة ( ) وقد تحدثت عن المدارس النظامية بالتفصيل في كتابي دولة السلاجقة والمشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي ولما تولى نور الدين حكم الدولة الزنكية شاهدت حركة بناء المدارس انتشاراً واسعاً فقد أخذ في انشائها واستدعى لها كبار العلماء من مختلف الأقطار الإسلامية وبنى لهم العديد من المدارس في شتى أرجاء مملكته، وكان يهدف من ذلك دعم المذهب السني، ومقاومة مذهب التشيع في المنطقة ( ).

أ- المدارس في حلب :

بدأت الحركة العلمية تبرز في حلب في بداية حكم نور الدين محمود لها في عام 541ه (1146م) والذي ركز نشاطه منُذ استلامه الحكم في تنفيذ سياسته الرامية إلى الوقوف بشدة أمام المذهب الشيعي الذي زاد انتشاره آنذاك في حلب، فحرص على تقويضه وإحلال المذهب السني مكانه، مما تطلب منه القيام بجهود علمية بارزة تجاه ذلك. كان منها تشجيع العلم والعلماء عن طريق إنشاء العديد من المدارس على مختلف المذاهب السنية، وتوجيه التعليم وجهة سنية عن طريق تشجيع تدريس العلوم الشرعية، وقد جلب عدد من العلماء الأكفاء لتولي المهمة وبهذه السياسة نجح نور الدين في إنقاذ حلب من تأصل الفكر الشيعي بها وتمكن من تحويلها إلى مركز من مراكز السنة بعد أن كانت قاعدة للمذهب الشيعي في المنطقة ( ) ، وقد أثمرت تلك الجهود في دعم حركة التعليم في حلب حتى أصبحت من المراكز العلمية المشهورة التي جلبت أنظار العلماء من مختلف الأقطار الإسلامية، حيث قامت فيها نهضة علمية بارزة من مظاهرها إنشاء العديد من دور التعليم على اختلاف تخصصاتها حتى بلغت بذلك مصاف المراكز العلمية المشهورة التي جلبت أنظار العلماء من مختلف الأقطار الإسلامية، حيث قامت فيها نهضة علمية بارزة كان من مظاهرها إنشاء العديد من دور التعليم على اختلاف تخصصاتها حتى بلغت بذلك مصاف المراكز العلمية المهمّة في العالم الإسلامي، بل ربما تفوقت عليها في بعض المجالات لما تميزت به حلب من موقع متوسط بين تلك المراكز، وإمكانات مادية وبشرية تفوق بعض الأحيان إمكانات المراكز الأخرى، إضافة إلى استمرار النشاط العلمي بها في فترات لاحقة للحكم الزنكي في نفس القوة التي بدأ بها نظراً لما لاقته تلك الإمارة من دعم وتشجيع مستمرين طيلة عصر نور الدين، والسلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم ( ). وكانت أبرز المدارس التي أنشئت في حلب.

- المدارس الشافعية

المدرسة الزّجاجية : تعد هذه المدرسة من المدارس السابقة على الحكم الزنكي، فقد أنشأها بحلب بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار الأرتقي سنة (517ه/1123م) وهي أول مدرسة سنية فيها وحينما عزم بدر الدولة على بناء أول مدرسة بحلب لم يمكنه الحلبيون من ذلك لغلبة نزعة التشيع فيهم، فكان كلما بنى فيها شيئاً في النهار أخربوه ليلاً إلى أن أعياه ذلك فأحضر الشريف زهرة بن علي الحُسَيني ووأكل إليه أمر الإشراف على بنائها ليكفّ عنه الشيعة، فلازم الشريف زهرة بناء تلك المدرسة حتى تم الانتهاء منها ( ) . وهذا يدل على مدى تغلغل هذا المذهب في حلب في تلك الفترة التي سبقت الحكم الزنكي لها ( ) ولما ملك الأتابك عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آقسنقر حلب في سنة 522ه/1128م نقل والده وكان مدفونا في قرنْبيا ( ) ، فدفنه في شمالي هذه المدرسة، وزاد عماد الدين في وقفها للصرف على القُرّاء والمتفقهين المرتبين بها ( )، وكان أبرر المدرسين في هذه المدرسة في العهد الزنكي :
شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن الحلبي المتوفي سنة 561ه/1166م ( ) ، حيث ذكر ابن شداد أنه لما اكتمل النباء في هذه المدرسة فوّض مُنشئها أمر التدريس والنظر بها للشيخ شرف الدين أبي طالب المعروف بابن العجميّ، وقد استمر شرف الدين مدرساً بها إلى أن توفي سنة 561ه/1166م ( ) ، وتولى التدريس بها بعده حفيداه مجد الدين طاهر بن نصر بن جهبل المتوفي (597ه/1201م ) ( ) وأخوه زين الدين عبد الملك بن نصر بن جهيل المتوفي سنة 590ه/1194م ( ) ، وكانا من العلماء المتميزين والفضلاء المبرزين ( ) .

* المدرسة النِضّريَة (النورية) :

 أنشأها الملك العادل نور الدين محمود سنة 544ه (1149م) وكان الشيخ قطب الدين النيسابوري وهو أول من وُلي التدريس في هذه المدرسة وكان قدم إليها من دمشق، ثم ولي تدريسها بعده مجد الدين طاهر بن جهبل المتوفى سنة(597ه/1201م) ( ) ، ولم يزل مدرساً بها إلى أن نقل إلى القدس الشريف فدّرس به إلى أن توفي ( ) .

* المدرسة العصرونية :

 كان موقع هذه المدرسة في الأصل دار لأبي الحسن علي بن أبي الثُريّا وزير بني مِرداس أصحاب حلب ولما جاء نور الدين محمود إلى حلب اشترى هذه الدار وحوّلها مدرسة، وجعل فيها مساكن للمدرسين بها من الفقهاء وذلك (سنة 550ه/1155م) حسب ما جاء في بعض المصادر التاريخية ( )، وبعد أن أتّم نور الدين محمود بناء هذه المدرسة استدعى لها من نواحي سنجار الإمام شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون المتوفي سنة 585ه/1183م ( ) وفوّض إليه مهنة التدريس بها والنظر في أوقافها، وهو أولّ من درّس بها فعُرفت به، ونسبت إليه ( ) ، ولم يزل الإمام شرف الدين بن أبي عصرون يُدّرس في هذه المدرسة وينظر أوقافها إلى أن عاد إلى دمشق سنة 570ه 1174م ( ) ، ولما خرج إلى دمشق استخلف (نيابة) فيها ولده نجم الدين أبو البركات عبد الرحمن وظل هذا حتى ولي قضاءة حماة فغادر حلب ( ) . وممن أقام في هذه المدرسة الإمام الحافظ حجة الدين محمد ابن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصّقلّيّ المتوفي سنة 565ه /1169م ( ) ، فقد ذكر أنه حلّ بحلب وأقام بالمدرسة العصرونية وصنّف كتباً حسنة، فلما وقعت الفتنة بين الشعية والسنة وأظنها فتنة سنة 552ه/1157م ( ) ، ونُهبت كتبه فيما نُهب وخسر جزءاً من مؤلفاته القيمّة، فرحل إلى حماة وأقام بها حتى وفاته ( ).

* المدرسة الشرفية :

أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن الحلبي المعروف بابن العجميِ المتوفي سنة (561ه/1166م) وقد صرف شرف الدين على بنائها ما نيف على أربع مئة ألف درهم وأوقف عليها أوقافا جليلة ( ).

*المدرسة الأسدية الجُوّانية :

تُنسب هذه المدرسة للأمير أسد الدين شيركوه بن شاذى بن مروان المتوفي سنة 564ه/1168م الذي أنشاها بمحلة الرحبة بحلب للمذهب الشافعي ( ) .
* المدرسة الشُعيْبيَّة : كان موقع هذه المدرسة مسجداً يقال أنه أول ما اختطه المسلمون عند فتح حلب من المساجد، وعُرف هذا المسجد بأبي الحسن الغضائِرِيّ المتوفى سنة 313ه فلما ملك نورالدين محمود حلب وأنشأ بها المدارس وصل الشيخ شُعيب الأندلس إلى حلب فصّير له هذا المسجد مدرسة وجعله مدرساً بها فعرفت به، ولم يزل الشيخ شعيب مُدرّساً بها إلى أن توفي بطريق مكة سنة 596ه/1199م ( ).

5- المدارس الحنيفية :

المدرسة الحلاّوية (الحَلَويّة) : يذكر ابن شداد أن هذه المدرسة كانت كنيسة من بناء هيلارني أم قسطنطين فلمّا حاصر الصليبيون حلب سنة 518ه/1124م قاموا بقطع الأشجار ونبشوا قبور الموتى، وأحرقوا من فيها، عمد القاضي أبي الفضل بن خشاب الحلبي إلى أربع كنائس داخل حلب، وصَّيرها مساجد وكانت هذه المدرسة تُعرف قديماً بمسجد السّراجين، فلمَّا ملك نور الدين محمود مدينة حلب جعل هذا المسجد مدرسة، وأنشأ فيه مساكن يأوي إليها الفقهاء وإيواناً للدروس، وكان مبدأ عمارتها في سنة 544ه/1149م ( ) ، وقد جلب نور الدين إلى هذه المدرسة من أفامية مجموعة من الرخام الشفّاف " الذي إذا وضع تحته ضوء أبان من وجهة ووصفه فيها ( )، وكانت هذه المدرسة من أعظم المدارس صيتاً وأكثرها طلبة وأغزرها جامِكِيّة، وكان من شروط الواقفة : أن يحمل في كل شهر من رمضان من وقفها ثلاثة آلاف درهم للمدرس يصنع بها للفقهاء، طعاماً، وفي ليلة النصف من شعبان في كل سنة حلوى معلومة وفي الشتاء ثمن بياض لكل فقيه شيء معلوم وفي أيام شرب الدواء من فصلي الربيع والخريف ثمن ما يحتاج إليه من دواء وفاكهة، وفي المولد أيضاً الحلوى وفي الأعياد ما يرتفقون به فيها من دراهم معلومة وفي أيام الفاكهة ما يشترون به بطيخاً ومشمشاً وتوُتا ( ).

* المدرسة المقدمية : ذكر ابن شداد أن الذي أنشأ المدرسة هو عز الدين عبد الملك المُعدّم وكانت إحدى الكنائس الأربع التي صيّرها القاضي ابن الخشاب مساجد في سنة 518ه (1124م) وأضاف إليها داراً كانت إلى جانبها، وأنه ابتدئ في عمارتها سنة 545ه (1150م) ( ) . وكان أول من درّس في هذه المدرسة الشيخ برهان الدين أبو العباس أحمد بن علي الأصولي مدرس المدرسة الحلاوية، ثم وليها بعده السيد الشريف الإمام العالم افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، ولم يزل بها إلى أن توفي في جمادي الآخر سنة 616ه/1219م ( ) .

* المدرسة المجِديّة الجُوّانية : ذكر ابن الشحنة أن هذه المدرسة تنسب إلى نائب حلب في عصر نور الدين محمود وهو مجد الدين أبو بكر محمد بن الداية المتوفي في رمضان سنة 565ه /1170م ( ) .

المدرسة البّرانيّة : ذكرها ابن الشحنة أيضاً، ونسبها إلى مجد الدين بن الداية مؤسسة الجوانية ( ).
المدرسة الحدّادِيّة (الحّدادين) : ذكر ابن شداد أن منشيء هذه المدرسة هو حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين ابن أخت صلاح الدين، وأنها كانت من الكنائس الأربع التي ذكرنا خبر تحويلها إلى مساجد سنة 518ه/1124م ( ) .
ب- في دمشق : كانت أول مدرسة أشارة المصادر إلى أنشائها في دمشق سنة 491ه/1097م وهي المدرسة الصادرية الحنفية ثم تلا ذلك إنشاء العديد من المدارس، في الحكم الزنكي لدمشق (549ه - 569ه/1154 – 1174م) وقد توزعت تلك المدارس على المذاهب السنية الأربعة، ولكن المذهب الحنفي والشافعي هما السائدان على مدارس دمشق في ذلك العهد يليهما المذهب الحنبلي، وأخيراً المذهب المالكي ( ) .

المدارس الحنفية :

المدرسة الصادرية : أنشئتت هذه المدرسة على يد أمير شجاع الدولة صادر بن عبد الله سنة491ه 1097م داخل باب البريد مما يلي الباب الغربي للجامع الأموي وهي أول مدرسة أنشئت في دمشق ( ).

* المدرسة الطرخانية : قال ابن عساكر في تعداد مساجد دمشق : مسجد بالمدرسة المعروفة بدار طرخان وهي كانت قديماً للشريف أبي عبد الله بن أبي الحسن فوقفها سنقر الموصلي وجعلها مدرسة لأصحاب أبي حنيفة ( ).

* المدرسة المُعينيّة : ذكرها ابن عساكر ضمن مساجد دمشق فقال : مسجد في المدرسة المُعينيّة في قصر الثقفيين ( ) وقال ابن شداد بحصن الثقفيين أنشأها معين الدين أنر أتابك الأمير مجير الدين آبق آخر الحكام البوريين بدمشق ( ) ، وذكر الصفدي : أن معين الدين قد بنى هذه المدرسة للشيخ أبي المظفر محمد بن أسعد الفقيه الحنفي المعروف بابن الحكيم العراقي مُدّرسي الصادرية والطرخانية المتوفى 567ه/1171م ( ) .

* المدرسة النُورية الكبرى : ذكر كل من أبي شامة وابن شداد أن هذه المدرسة تقع بخط الخّواصين ( )، وأن الذي بناها هو نور الدين محمود زنكي ( ) وقد شاهد الرحالة الأندلسي ابن جبير هذه المدرسة في زيارته لدمشق سنة 580ه (1184م) ووصفها بأنها من أحسن مدارس الدنيا منظراً وأنها قصر من القصور الأنيقة ( ). وفي هذه المدرسة يقول الشاعر المشهور عرقلة الدمشقي المتوفي سنة 567ه/1171م ( )

ومدرسة سيدرس كُلُّ شيء
    ??وتبقى في حِمى علم ونُسكِ

تضّوع ذكرُها شرقاً وغربا
    ??بنور الدين محمود بن زنكي

يقول وقوله حق وصدق
    ??بغير كناية وبغير شك

دمشق في المدائن بيت مُلكي
    ??وهذي في المدارس بيت مِلكي ( )


وقد نالت هذه المدرسة مكانة علمية كبيرة في ذلك العهد، حيث كانت في مقدمة مدارس دمشق، وبخاصة في عصر منشئها الملك نور الدين محمود والسنوات التي أعقبتها، وحينما تذكر حركة التعليم في بلاد الشام في تلك العصور يُشار إلى هذه المدرسة في مقدمة دور التعليم، وتتضح أهمية هذه المدرسة في الأثر العلمي الذي قام به شيوخها ومدرسوها ومُعيدوها، وفي الأعداد الوافرة من الطلاب الذين تخرجوا منها إضافة إلى ما قامت به تلك المدرسة من نشاط سياسي واجتماعي كبير في ذلك العهد ( )، واستقراء الكتابة المسجلة على الحجر الذي يكّون العتبة العليا لباب المدرسة يتبين لنا حجم الأوقاف التي أوقفها نور الدين على هذه المدرسة للإنفاق على ريّعه على الطلاب والمدرسين، والعاملين بالمدرسة إنفاقاً سخياً متواصلاً ونص هذه الكتابة كالآتي : بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذه المدرسة المباركة العادل الزاهد نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي آق سنقر ضاعف الله ثوابه، ووقفها على أصحاب الإمام سراج الأمة أبي حنيفة رضي الله عنه، ووقف عليها، وعلى الفقهاء، والمتفقهة بها جميع الحّمام المُستجد بسوق القمح. والحّمامين المستجدين بالوراقة ظاهر باب السلامة والدار المجاورة والريع من بستان الجوزة بالأرزة، والإحدى والعشرين حانوتا خارج باب الجابية، والساحة الملاصقة لها من الشرق، والستة حقول بداريا، على ما نُص وشُرط فكتب الوقف رغبة في الآخرة، وتقدمه بين يديه يوم الحساب : فمن بّدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ( ).

* المدرسة الخاتونية البّرانية : كانت هذه المدرسة مسجداً أوقفته الست زمرد خاتون أم شمس الملوك أخت الملك دُقاق بن تُتُش المتوفاة سنة 557ه/1161م ( ) ، وتاريخ وقفه سنة 526ه/1132م على الشيخ أبي الحسن علي البلخي المتوفي سنة 548ه/1153م ( ) ، وقد ذكر الذهبي أن الست زُمُرّد خاتون على قدر من الثقافة والعلم واستنسخت الكتب وحفظت القرآن وبنت الخاتونية بصنعاء دمشق، ثم تزوجها أتابك زنكي فبقيت معه تسع سنين، فلما قُتل حجّت وجاورت بالمدينة ودفنت بالبقيع ( ).

المدارس الشافعية :

* المدرسة الأمِينيّة : ذكر ابن شداد أن هذه المدرسة من بناء أمين الدولة ربيع الإسلام، وزاد عليه النعيمي أنها أول مدرسة بُنيت للشافعية بدمشق بناها أتابك العساكر بدمشق وكان يقال له أمين الدولة وكان مبدأ التدريس بها سنة 514ه على ما ذكر الذهبي في ترجمته لجمال الإسلام أبي الحسن علي بن المسلم السُلمي الدمشقي الشافعي مدرس الغزاليةّ والأمِينيّة ومفتي الشام في عصره المتوفي سنة 533ه/1138م ( ).
* المدرسة المجاهدية الجُوانية : وواقف هذه المدرسة الأمير الكبير مجاهد الدين أبو الفوارس بُزان بن يامين بن علي بن محمد الجلالي الكُردي أحد مقدمي الجيش بالشام في دولة نور الدين محمـود وقبله ( ) .

* المدرسة المجاهدية البرانية : تنسب هذه المدرسة للأمير مجاهد الدين بُزّان واقف المدرسة المجاهدية الجُوّانية وقد دفن فيها بعد وفاته ( ).

* المدرسة العمادية : بناها نور الدين محمود رحمه الله تعالى برسم خطيب دمشق أبي البركات بن عبد الحارثي وهو أول من درّس بها ( )، ونسبت للعماد الأصفهاني لتدريسه بها بعده وقد ذكر العماد خبر تدريسه في هذه المدرسة سنة 567ه/1172م فقال : وفي رجب من هذه السنة فوّض إليّ المدرسة التي بحضرة حمام القصير، وعولّ علي في التدريس بها والنظر في أوقافها ( ).
* المدرسة العصورنية : تنسب هذه المدرسة للفقيه العلاّمة قاضي القضاة شرف الدين عبد الله بن محمد ابن أبي عصرون المتوفي سنة 585ه/1189م ( ) وقد بنى له مدارس عديدة بحلب وحماة وحمص وبعلبك وغيرها ( ) وقد وردت نصوص تفيد أن القاضي شرف الدين بن أبي عصرون قد بنى لنفسه بدمشق ( ) ، يقول عنه ابن خلكان : توفى ليلة الثلاثاء الحادية عشر من شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمدينة دمشق، ودفن في مدرسته التي أنشأها داخل البلد وهي معروفة به ( )  .

المدارس المشتركة بين الحنفية والشافعية :

* المدرسة الأسِديّة :

تنسب هذه المدرسة للأمير أسد الدين شيركوه، أحد أمراء نور الدين الكبار والمتوفى سنة 564ه/1168م ( ) . وقد درس في هذه المدرسة عدد من المدرسين على المذهبين : الحنفي والشافعي ذكر النعيمي منهم خلال العهد الزنكي : الواعظ الحنفي المعروف بابن الشاعر نزيل القاهرة سنة 584ه/ 1188م) ( ) . وكان قد قدم دمشق وسمع الحافظ ابن عساكر وغيره، فحّدث وأفاد ودرّس بالأسدية ( ) .

المدارس الحنبلية :

* المدرسة الحنبلية الشريفية : ذكر ابن شداد أنها من إنشاء سيف الإسلام أخ صلاح الدين يوسف بن أيوب ( ).
* المدرسة العمرية : سمّاها ابن شداد مدرسة الشيخ أبي عمر بالجبل في وسط دير الحنابلة، وذكر أن بانيها وواقفها هو الشيخ أبو عمر الكبير ( )، والد قاضي القضاة شمس الدين الحنبلي وكان من الأولياء المشهورين، وذكر ابن طولون أنه إلى الشيخ أبي عمر وإلى ولده أحمد بن قدامه المتوفي سنة 558ه 1163م يرجع سبب كثرة أتباع المذهب الحنبلي بدمشق وبلاد الشام، فوالد الشيخ أبي عمر كان قد فّر بدينه وعياله من نابلس بفلسطين عقب استيلاء الفرنجة على القدس، ووصلوا إلى دمشق في سنة 551ه/1156م ونزلوا في سفح جبل قاسِيّون بمسجد أبي صالح، ولهذا عرفوا بالصالحين، وأقاموا في السفح منزلاً كثير الحجرات عُرف بدير الحنابلة، ثم تتابع البناء وعُمرت تلك الأراضي ودُعيت بالصالحية نسبة إلى بني قدامة الصالحين لما عُرِف منهم من علم وتقى وصلاح ( ) وكان آل المقدسي عندما هاجروا إلى الشام استقّر نزلهم في الجبل وكان الناس يزورن الشيخ أحمد بن محمد بن قدامه وكان السلطان نور الدين الشهيد يأتي إلى زيارته ( ).

المدارس المالكية :

* المدرسة النورية الصلاحيّة : ذكر الإربلي :

المدرسة النورية ضمن مدارس الطائفة المالكية بدمشق ولكنه لم يحدد موقعها ( ) واثبت ابن عساكر المدرسة النورية في حديثه عن مساجد دمشق فقال : مسجد في المدرسة النورية التي أوقفها نور الدين على المالكية في حجر الذهب ( ). هذه هي أهم المدارس التي كانت في دولة نور الدين وهي على سبيل المثال لا الحصر.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق