إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

7 دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي الفصل الأول السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم المبحث الثاني:علاقة السلاجقة بالخلافة ودخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية أولاً : النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق وفتنة البساسيري : 1-النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق :


7

دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي

الفصل الأول

السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم

المبحث الثاني:علاقة السلاجقة بالخلافة ودخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية

أولاً : النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق وفتنة البساسيري :

1-النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق :

استغلت الحركات السرية المتكتمة ضعف الخلافة وراحت تنشط لإيجاد أرض لها وتغوي الناس بستار ظاهره التشيع وباطنة الكفر المحض، واستطاعت الحركة الإسماعيلية السرية التي تتخذ من بلدة "سلمية"  مقراً لها أن تجد أرضاً خصبة في شمال إفريقيا بعد أن مهد لها وأزال العقبات من طريقها داعيتهم الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا الصنعاني الملقب بأبي عبد الله الشيعي، وقد وصف بأنه من الرجال الدهاة، دخل إفريقيا وحيداً بلا مال ولا رجال ولم يزال يسعى إلى أن ملكها ، وكان رئيسه في الدعوة ابن حوشب قد كلفه بأن يلتقي بقبيلة كتامة من المغرب في موسم الحج، وعندما التقى بهم استطاع بدهائه أن يؤثر فيهم ويتلاعب بعقولهم، وأعجبوا به فرحل معهم إلى بلادهم، والتفت عليه قبيلة كتامة وغيرها، وحارب القبائل الأخرى وسقطت مدن المغرب الأوسط سجلماسة وميلة وتاهرت ورقادة، حتى إذا ما مهّد للأمر..

واستقرت به الأحوال حتى أرسل إلى زعيم الدعوة طالباً إليه المجيء ليسلم إليه مقاليد الأمور، وهذا الزعيم هو عبيد الله من ذرية عبد الله بن ميمون القداح الفارسي الباطني على رأي بعض المؤرخين، والبعض يقول إنه ربيب الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ، ولكنه زعم أنه من ذرية فاطمة رضي الله عنها، وأكثر العلماء والمؤرخين والنسابين ينفون عنه هذا النسب  ، واستطاع عبيد الله النجاة من المراقبة الشديدة التي وضعت عليه بعد مغادرته لبلاد الشام وحتى وصوله إلى المغرب، ولكن والي سجلماسة ظفر به وأودعه السجن ولم يقتله، وهذا من الغفلة المعهودة، ثم إن أبا عبد الله الشيعي استطاع إنقاذه وتقديمه للناس إماماً للدعوة وقد بايعه هؤلاء، ولقب نفسه المهدي وهو مؤسس الدولة العبيدية التي تسمى بـ " الفاطمية " ، وهذه الدولة دولة باطنية وليست فاطمية، وهذا رأي أكثر علماء الأمة الذين حققوا نسبهم وعلموا بواطنهم وأسرارهم .

‌أ-عقيدتهم وصلتهم بالقرامطة :

إن كثيراً من الكتاب المحدثين الذين كتبوا عن الدولة العبيدية لا يذكرون إلا سيرتهم السياسية، ولا يتطرقون من قريب أو بعيد إلى سوء اعتقاد ملوكها وأنهم باطنيون وإن أظهروا خلاف ذلك، لأنهم يستعملون التقية أمام الشعب الذي يحكمونه وعندما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على عزل العاضد آخر ملوكهم استفتى العلماء في قتله فأفتوه بجواز ذلك لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة، وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ نجم الدين الخبوشاني فإنه عدد مساوئ هؤلاء القوم وسلب عنهم الإيمان  ، يقول ابن خلكان : وكان العاضد شديد التشيع متغالياً في سب الصحابة، وإذا رأى سنياً استحل دمه ، وصلتهم بالقرامطة الملاحدة صلة أكيدة، ودعوتهم دعوة واحدة، فقد كتب المعز إلى القرامطة عندما سمع بنبأ محاولتهم حصار مصر يذكر فضل نفسه وأهل بينه وأن الدعوة واحدة، وأن القرامطة إنما كانت دعوتهم إليه وإلى آبائه من قبله  ، ويقول الإمام الشاطبي : أما الدجالون فمنهم معد من العبيدية الذين ملكوا إفريقية، فقد حكي عنه أنه جعل المؤذن يقول : أشهد أن معداً رسول الله، فهّم المسلمون بقتله " أي المؤذن " ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره، فلما انتهى كلامهم إليه قال : أردد عليهم أذانهم لعنهم الله  ، وعندما أقدم أبو طاهر القرمطي على شناعاته وإجرامه وأعماله الكفرية في مكة وبلغ ذلك عبيد الله المهدي كتب إليه ينكر عليه ذلك ويلومه يقول : قد حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت  ، وعندما قُبض على الباطنين في بغداد وكانوا يكاتبون القرامطة قال أحدهم : وإمامنا المهدي محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق المقيم في بلاد المغرب   وفي حوادث 414ه قام رجل من المصريين (العبيديين) لضرب الحجر الأسود بآلة ثقيلة والسيف في يده الأخرى وهو يقول : إلى متى يعبد الحجر الأسود ومحمد وعلي، فتمكن منه أحد الحجاج من اليمن فضربه بخنجر فقتله  ، وكل الإرهاب الذي زرعه الحشاشون في أنحاء العالم الإسلامي إنما هو ثمرة من ثمار الدعوة الإسماعيلية العبيدية الفاطمية في مصر فإن حسن الصباح زعيم قلعة الموت الذي أرسل رجاله يقتلون العلماء والأمراء المجاهدين إنما تلقي الدعوة على أيدي أصحابها في مصر  ، وقد ناقش مجموعة من العلماء وطلاب العلم عقائدهم مثل الدكتور سليمان السَّلومي في كتابه أصول الإسماعيلية، وأستاذي وشيخي الدكتور أحمد محمد جلي في كتابة دراسة الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة، والأستاذ علوي طه الجبل، الشيعة الإسماعيلية رؤية من الداخل، والدكتور محمد أحمد الخطيب في كتابة الحركات الباطنية والدكتور غالب العواجي في كتابه فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، والأستاذ محمد بن أحمد الجوير في كتابه الإسماعيلية المعاصرة، فمن أراد التواسع فليرجع إليها وإن مد الله في العمر وبارك في الوقت، فلنا لقاء موسع لدراسة الدولة الفاطمة العبيدية، فنسأل الله التوفيق والسداد.

‌ب-حكم العلماء في الفرق الباطنية :

?يقول الإمام محمد محمد الغزالي في كتابه فضائح الباطنية وهو من مشاهير أهل العلم الذين خبروهم وعرفوا أسرارهم : أن مذهب الباطنية – مذهب ظاهره الرفض وباطنة الكفر المحض  .

?وحينما تحدث البغدادي في الباب الرابع من كتابة الفرق بين الفرق وضع عنواناً لهذا الباب قائلاً : بيان الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منه ثم ذكر من هذه الفرق الباطنية وقال : إن ضررها على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أضاف الكفرة عليهم بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان، لأن الذين ضلوا بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره، لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يوماً وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر.. إلى أن قال : الذي يصبح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع وفي آخر الباب قال : وقد بينا خروج فرق الباطنية عن جميع فرق الإسلام بما فيه كفاية والحمد لله على ذلك ، وفي كتابة أصول الدين ذكر أن طائفة الباطنية خارجة عن فرق الأهواء وداخلة في فرق الكفر الصريح، لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام في أصوله ولا في فروعه وأن دعاتهم خالفوا المسلمين في التوحيد والنبوات وفي تأويل الآثار والآيات وأنهم كانوا دعاة المجوس بالتمويه إلى دين الثنوية وبعد أن يستعرض عقائدهم يقول : واختلف أصحابنا في حكمهم. فمنهم من قال هم مجوس، وأجاز أخذ الجزية منهم وحرم ذبائحهم ونكاحهم ومنهم من قال حكمهم حكم المرتدين إن تابوا وإلا قتلوا وهذا هو الصحيح عندنا. ثم ساق البغدادي بعد ذلك فتوى الإمام مالك في الباطني، والزنديق  وأنه قال عنهما : إن جاءا تابين ابتداء قبلنا التوبة منهما وإن أظهر التوبة بعد العثور عليهما لم تقبل التوبة منهما وأن هذا هو الأحوط فيهم .

?وتحدث ابن حزم : عن دار الإسلام ودار الحرب واعتبر أن الأراضي التي حكمها بعض الفرق الباطنية تعتبر دار كفر وذلك لصريح كفرهم وذلك كالقرامطة مثلاً وهم من فرق الإسماعيلية .

وأما ديار العبيديين لظهور الإسلام فيها فإنها وإن حكمها العبيديون تعتبر دار إسلام وإن كان حكامها في حقيقة أمرهم كفاراً يقول ابن حزم عن ذلك : إن من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية كالعبيدين ومن جرى مجراهم لا يعتبر كافراً لأن أرض مصر والقيروان وغيرهما الإسلام فيها هو الظاهر وولائهم على كل ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الإسلام بل إلى الإسلام ينتمون وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفاراً، وأما من سكن في أرض القرامطة مختاراً، فكافر بلا شك لأنهم معلنون بالكفر وترك الإسلام . فابن حزم يجزم بكفر القرامطة والعبيديين وهما من الإسماعيلية حيث الأولى فرقة من فرقهم وأما العبيديون فإنهم أئمة الإسماعيلية في فترة الظهور وعددهم اثنا عشر حاكماً  .

ويصف الشاطبي الباطنية، بأنهم ثنوية دهرية إباحية ينكرون النبوة والشرائع وأمور المعاد، بل إنهم ينكرون الربوبية   وأما ابن تيميه رحمه الله فقال لما سئل عنهم : إن جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين ذكروا بطلان نسبهم حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ومن ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ألف كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم وذكر أنهم من ذرية المجوس وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون ألوهية علي أو نبوته فهم أكفر من هؤلاء، وكذلك القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد ذكر فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم وكذلك أبو حامد الغزالي ذكر في كتابه الذي سماه " فضائل المستظهرية وفضائح الباطنية، بأن ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض، وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد وأمثاله من المعتزلة المتشيعة يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالةً أهل السنة والجماعة والرافضة الإمامية يعلمون مقالة هؤلاء مقالة الزنادقة المنافقين ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شر من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية علي رضي الله عنه إلى أن قال : ... وبالجملة فعلم الباطن الذي يدعون مضمونه الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،

وأما ابن القيم فقال فيهم : ومن أشر طوائف المجوس الذين لا يقرون بصانع ولا معاد ولا نبوة ولا حلال ولا حرام الخرمية أصحاب بإبك الخرمي وعلى مذهبهم طوائف القرامطة والإسماعيلية والنصيرية والدرزية وسائر العبيدية يسمون أنفسهم الفاطمية وهم من أكفر الكفار فكل هؤلاء يجمعهم هذا المذهب ويتفاوتون في التفصيل، فالمجوس شيوخ هؤلاء كلهم وأئمتهم وقدوتهم، وإن كان المجوس قد يتقيدون بأصل دينهم وشرائعهم وهؤلاء لا يتقيدون بدين من ديانات العالم ولا بشريعة من الشرائع .

ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إجماع أهل العلم على كفر أئمة الإسماعيلية " العبيدية " وقال : إن بني عبيد لما أظهروا الشرك ومخالفة الشريعة وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم أجمع أهل العلم على أنهم كفار يجب قتالهم وأن دارهم دار حرب ولذلك غزاهم المسلمون واستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين .

هذه هي نماذج من أقوال أهل العلم قديماً وحديثاً وحكمهم .

2-المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي داعية الفاطمية العبيدية :

كانت الدولة الفاطمية تسعى للسيطرة على العراق والمشرق ولذلك قامت بإرسال الدعوة إليها، فقد واصل الخلفاء الفاطميون جهودهم في نشر دعوتهم مستغلين الاضطراب الذي ساد بلاد العراق بسبب النزاع بين أمراء بني بويه على السلطة وثورات الجند، وتدخل قادتهم في تولية الأمراء وعزلهم فأرسل الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي الدعاة إلى بغداد سنة 425ه، فاستجاب لهم كثير من الناس ، كما سير المستنصر بالله الفاطمي إلى قرواش بن المقلد – أمير الموصل – إعلاماً وخلعاً في عام 436ه، فأرسل إليه الخليفة القائم يعاتبه فاعتذر له، ولبس السواد- شعار العباسيين – مرة أخرى ورجع عن دعوة المستنصر ، وازداد نشاط الدعاة في بلاد المشرق الإسلامي على عهد المستنصر بالله الفاطمي، فعهد إلى دعاته بالرحيل إلى فارس وخراسان وما وراء النهر وقد أشار المقريزي إلى ذلك بقوله : وكان المستنصر قد بث دعاته سراً إلى الآفاق يدعون إليه ويستميلون من تصل القدرة إلى استمالته. فدفع بجماعة من دعاته في خرسان إلى ما وراء النهر فلقيت الدعوة الفاطمية في بلاد الفرس تأييداً كبيراً فاستجاب لهم كثير من الناس، ولما وصل الخبر إلى بغراخان  ، صاحب بلاد ما وراء النهر احتال على الدعاة حتى أوقع بهم وأنفذ برسالة إلى الخليفة القائم بأمر الله بالأمر، فأجيب بالشكر والثناء  ومن أشهر دعاة وفلاسفة المذهب الإسماعيلي الفاطمي المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي وعرف أحياناً بالمؤيد فقط، ولكن اللقب الذي غلب عليه هو المؤيد في الدين يدل على ذلك أن الملك كاليجار البويهي أرسل إليه يقول : لشيخنا وظهيرنا ومعتمدنا المؤيد في الدين عصمة أمير المؤمنين أبي النصر أطال الله بقاءه وأدام عزه وتأييده   وكان هذا الرجل والده داعياً للمذهب الفاطمي بشيراز .

اتصل المؤيد بالسلطان أبي كاليجار البويهي، واستطاع بدهائه أن يكسب عطفه، وأن يظل في شيراز يتابع نشر المذهب الإسماعيلي ثم لم يلبث أن توثقت صلته بالسلطان البويهي حتى طمع في إدخاله في الدعوة الفاطمية، واستطاع المؤيد أن يؤثر فيه، فكتب إليه يقول : إني أسلمت نفسي وديني إليك، وإني راضي بجملة ما أنت عليه  ، ودخل أبو كاليجار في الدعوة الفاطمية وأخذ يجتمع بالمؤيد مساء كل خميس للاستزاده من فهم المذهب الإسماعيلي، ولم يكتف المؤيد بنشر الدعوة في شيراز، بل سافر إلى الأهواز وأدخل الآذان عبارة " حى على خير العمل " وأمر الناس بإقامة الخطبة للمستنصر الفاطمي ، ولكن لم تدم الخطبة على منابر الأهواز طويلاً للخليفة الفاطمي إذ أرسل قاضيها أبو الحسن عبد الوهاب بن منصور بن المشتري برسالة إلى الخليفة القائم بأمر الله يخبره بالأمر وأشار عليه أن يعمل على إيقاف الدعوة الفاطمية في بلاد فارس فانفد الخليفة وزيره أبا القاسم بن المسلمة- رئيس الرؤساء إلى شيراز حيث التقى بالأمير كاليجار وسلمه رسالة الخليفة التي تضمنت التهديد بالاستعانة بالسلاجقة أن لم يقبض على المؤيد في الدين وإنفاذه مكبلاً بصحبة رئيس الرؤساء  ، إلى بغداد ووقف النشاط الفاطمي في بلاده  .

ولما علم المؤيد في الدين بما تضمنته الاتصالات بين الخليفة العباسي والأمير البويهي الذي كان يؤازره في نشر دعوته في بلاده رأى أن يترك بلاد فارس بعد انصراف أبي كاليجار عن تأييده وسار إلى الحلة ونزل بدار الأمير منصور بن الحسن وظل مقيماً هناك حتى رأى أبو كاليجار الذي كان يطمح في تولي السلطة في بغداد بعد وفاة جلال الدولة، أن يعمل على إبعاد المؤيد في الدين لإرضاء الخليفة العباسي، فكتب إلى صاحب الحلة يخبره أن وجود المؤيد في بلده فيه خطر على دولة بني بويه طالباً إبعاده ويتجلى ذلك فيما جاء في رسالة إلى كاليجار إلى منصور بن الحسن : إنك من الشفقة على ملكنا ودولتنا بحيث لا تعتمد لأحد هوادة فيه وقد عرفت صورة أبي فلان " المؤيد في الدين وهبة الله الشيرازي " ... وإننا كل يوم في صراع من جهة الديلم – الذين اعتنق كثير منهم الدعوة الفاطمية في بلاد فارس والعراق – باحتجاجات باطلة يتشبثون بها ظاهراً وهو مغزاهم وغرضهم منها باطناً، ثم إنه قامت رغبتنا في بغداد وامتلاكها وليس يكاد يتم الغرض فيه إلا بالمجلس الخليفي الإمامي ( مواقعة الخليفة القائم بأمر الله العباسي، إذا استقر به العالم أن هذا الإنسان مقيم بفناء حضرتنا على جملته كان ذلك ردحاً في وجه ما تؤثر بلوغه وحاجزاً بيننا وبينه وقد انتهى إلينا معاودة الأهواز، فالله الله إن توجده سبيلاً إلى ذلك فإنه إن عاود وقعت فتنة نصلى بنارها صليا ً .

اضطر المؤيد في الدين إلى الرحيل عن الحلة وأخذ في التنقل بين مدن العراق فسار إلى الكوفة، ثم اتجه إلى الموصل حيث أقام فترة قصيرة عند قرواش بن المقلد – أمير بني عقيل – وأخيراً رحل إلى مصر سنة 438ه  ، بعد أن أعرض عنه الجميع تحت وطأة المعارضة السنية وخوفاً من غضب الخليفة القائم بأمر الله العباسي   وعلى الرغم من رحيل المؤيد في الدين إلى مصر، إلا أن جهوده في نشر الدعوة الفاطمية ببلاد العراق تركت آثاراً خطيرة على الخلافة العباسية في عهد القائم بأمر الله، إذ انضم إليها كثير من قادة الترك والديلم وهم الذين يمثلون عماد القوة التي تعتمد عليها البلاد في التصدي لأعداء الخلافة فظلوا يشجعون الدعوة الفاطمية ويقربون إليهم اتباعها ومن الدروس والفوائد المهمة من قصة المؤيد الشيرازي :

-على مكانته وقدره في الدعوة الفاطمية إلا أنه قام بالدور التنفيذي لمخططات الدعوة في المشرق بنفسه وتحمل مخاطر ومتاعب ومشاق مع أن دعوته قائمة على الضلال والبدع والخرافات، ومن باب أولى أن يقوم بمثل هذا الجلد والتفاني أصحاب الدعوة الإسلامية الصحيحة السائرة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين.

-تعاون فرق الشيعة فيما بينهم ومساندتهم لبعضهم وإيجاد قواسم مشتركة فيما بينهم تخدم تطلعاتهم وأهدافهم.

-على أهل السنة أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل نشر دعوة الله في المشارق والمغارب ويستعلوا على حظوظ النفس والخلافات الجزئية التي تعرقل مسيرة النهوض.

-أهمية التهديد واستخدام لغة القوة في التضييق على هبة الله الشيرازي ويظهر ذلك عندما هّدد الخليفة العباسي الأمير كاليجار البويهي بالاستعانة بالسلاجقة إذا لم يقبض على هبة الله الشيرازي وإرساله مكبلاً إلى بغداد ووقف النشاط الفاطمي في بلاده.

-خطورة التهاون بالحرب الثقافية والفكرية والعقائدية التي يشنها الباطنيون ضد أهل السنة والجماعة فلا بد من المواجهة المدروسة للقضاء على مشروعهم الخبيث الذي يستهدف إضلال الناس وإخراجهم عن دين الله ومواجهة الفتنة في بدايتها أسهل بكثير من بعدما تتغلغل.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن





 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق