64
دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الثالث
النظم الحربية عند السلاجقة
المبحث الأول:أسس الإدارة العسكرية السلجوقية :
خامساً : الإقطاع العسكري : ينقسم الإقطاع إلى قسمين هما :
1- إقطاع تمليك.
2- إقطاع استغلال ، ومن هذا النوع ما أطلق عليه بعض الباحثين الإقطاع العسكري أو الحربي، وذكر الماوردي في حديثه عن إقطاع الاستغلال أن " أهل الجيش هم أخص الناس بجواز
الإقطاع ، ويُعد قدوم السلاجقة علامة مهمة في تاريخ امتلاك الأرض نظرياً وعملياً، فلم يصبح السلطان مجرد حاكم للناس بل أصبح يتمتع بحقوق الملكية للأراضي التي يحكمها ، فقد جرت العادة أن يقوم السلطان بالصرف على شؤون الدولة من الإيرادات التي ترد من الولايات التابعة لها والخاضعة لسلطانها، وكان على رأس ذلك مصروفات الجيش والإنفاق على شؤونه المختلفة فضلاً عن مرتبات الجند، فلما كان عهد السلطان ملكشاه قام وزيره نظام الملك بتعميم نظام الإقطاع في جميع أنحاء الدولة السلجوقية وذلك بتوزيع ولايات الدولة على شكل إقطاعات للأمراء والجند للاستفادة منها عوضاً عن إعطائهم المرتبات النقدية ، فكان صاحب الإقطاع يستفيد منه مادياً مقابل تجهيزه لجنده الذين يشارك بهم في الجيش السلجوقي عند الاسنفار للحرب ، ولم يكن هذا التنظيم يتعارض مع الملكية الفردية أو يمسها لأنه كان يتعلق بخراج الأرض دون الأرض نفسها . ويعتبر كثير من المؤرخين هذا الوزير السلجوقي أول من قام بتوزيع الإقطاعات ، وقد عارض بعض المؤرخين ذلك ، ويبدو أنه بالإمكان الإطمئنان إلى الرأي القائل أن الإقطاع العسكري قد وجد قبل السلاجقة وأصبح عاماً شاملاً منُذ مطلع العصر السلجوقي، حيث أعطاه الوزير السلجوقي نظام الملك شكله النهائي وأقامه في مناطق لم يوجد بها من قبل ، مستفيداً من تجارب الدول التي سبقته خاصة الدولة البويهية بدليل إدخاله بعض الإصلاحات بهدف تجنب المساوئ التي أسفر عنها تطبيق هذا النظام في العهد البويهي . فكانت المحصلة النهائية لذلك أن تميَّز الإقطاع العسكري عند السلاجقة بخصائص، وضوابط خاصة جعلت له كياناً مستقلاً عن غيره من الأنظمة التي سبقته وسنعرض لدراسة هذه الخصائص فيما يلي :
1- خصائص الإقطاع عند السلاجقة : اهتم الوزير السلجوقي نظام الملك بالإقطاع اهتماماً بالغاً يدل عليه إفراده الفصل الخامس في كتابه في المستقطعين والتحقق من معاملتهم للرعية، حيث وضع فيه القواعد المعتبرة في العلاقة بين صاحب الإقطاع ومن يعملون عنده والعقوبات اللازمة في حقه في حالة قسوته عليهم فيقول في ذلك : ليعلم المستقطعون أن لا شأن لهم على الرعايا سوى تحصيل الأموال المستحقة عليهم بالحسنى على أن يكونوا بعد ذلك آمنين على أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وأبنائهم وضياعهم وما يملكون، دون أن يكون لأصحاب الإقطاعات عليهم من سبيل أو يمنعوهم من الذهاب إلى القصر، لبسط أحوالهم بأنفسهم إذا ما رغبوا في ذلك أما من لا يلتزم بهذا، أو يتقيد، فينبغي الضرب على يده، ونزع إقطاعاته منه، ومجازاته؛ ليكون عبرة للآخرين، على أصحاب الإقطاعات أن يعملوا أيضاً، أن الملك والرعية جميعاً في حقيقية الأمر، للسلطان وعليهم وعلى الولاة، وهم رؤساء ومسؤولون، أن يعاملوا الناس معاملة الملك للرعية ليحظوا بتأييده، وقبوله، ويسلموا من عقابه، وينجوا من عذاب الآخرة ويرى نظام الملك أنه يجب إطلاق أيدي أصحاب الإقطاع في إقطاعاتهم : ولكن بنظام معلوم، والتأكيد عليهم. في حالة غياب أحد الجند بوفاته أو لسبب آخر – الإعلان عن ذلك وعدم كتمانه، وهو إجراء لا يختلف كثيراً عن الأنظمة الحديثة في هذا المجال. ويذكر كذلك وجوب بث العيون والجواسيس على أصحاب الإقطاع للتعرف على أحوالهم مخافة خروجهم عن طاعة السلطان ، ولذلك ينبغي استبدال المستقطعين كل سنتين أو ثلاث قبل أن يثبتوا أقدامهم ويحصّنوا أنفسهم، أو يصبحوا مبعث قلق، وحتى يحسنوا معاملة الناس وتظل الولاية عامرة وفي حالة وصول أخبار عن خراب في ناحية من نواحي يرسل أحد الثقات إليها – دون علم أحد بمهمته – فيقيم فيها الفترة اللازمة لاستطلاع أحوالها والاستماع لما يقال عن صاحب الإقطاع والعودة بحقيقة الحال للتصرف على أساسها ، وذلك نوع من إحكام الرقابة الإدارية على الولاة والقواد وهو إجراء مشهور عند العباسيين من قبل ولا زالت له نظائر في الأنظمة الحديثة . ومن المعروف أن كبار القادة كانوا يمنحون إقطاعات بدلاً من الرواتب بصفة عامة .
2- عوامل التوسع في الإقطاع العسكري : يرى بعض المؤرخين أن الوزير السلجوقي نظام الملك في تطبيقه لنظام الإقطاع أراد توطين القبائل المختلفة العناصر التي تكّون منها الجيش السلجوقي حتى تستقر وترتبط بالأرض المقطعة ، ويمكن تلخيص عوامل التوسع في الإقطاع العسكري فيما يلي :
صعوبة تحصيل الأموال من ولايات الدولة.
كثرة الأعباء المالية على خزانة الدولة والرغبة في تخفيفها.
اتساع الدولة وصعوبة السيطرة عليها.
الرغبة في عمارة الأرض والمحافظة عليها.
توطين قبائل الجيش السلجوقي واستقرارها .
وعندما قام الحكام والموظفين بنهب الأموال من الفلاحين اضطر هؤلاء إلى ترك أراضيهم، ذلك أن المسؤولين كانوا يجمعون الضرائب قبل حصاد المحصول وليس بعده، كما هو معروف، بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي يتعرض لها الفلاحون من قبل الاقطاعيين، وممثليهم وإخضاعهم للسخرة مما اضطر نظام الملك وزير السلطان ملكشاه أن يسعى إلى إيجاد تحديد دقيق لحقوق وواجبات أصحاب
الإقطاع ، ويبدو أن الأمر في الاستفادة من نظام الإقطاع من عدمها يتعلق بمدى المتابعة الدقيقة له من قبل المسؤولين عنه، لأن استعراض القواعد التي حددها الوزير السلجوقي نظام الملك للإقطاع في مختلف الجوانب يدل على مدى كفاءتها في تحقيق الاستفادة من هذا النظام، وهو ما حدث بالفعل في بداية تطبيق السلاجقة نظام الإقطاع بفضل المتابعة له، ثم بدأت عوامل الفساد تدخل فيه، فبرزت سلبياته بشكل واضح حتى أصبح عبئاً على الدولة وسبباً في تفكك أجزائها .
3-موقف العلماء من الإقطاع : أثار الخوف المتزايد على الأرض اهتمام العديد من العلماء، فعبرّ الغزالي عن عدم رضاه عن الفوضى في الريف، لأنه لا يمكن أن يكون تقدم دون أن يكون هناك عدل، وأن الدولة لن تزدهر في ظل الظلم والطغيان، وسيضطر الفلاحون لترك أراضيهم معطياً أمثلة عدة للازدهار الذي وجد في العصر الساساني في ظل الحكام العادلين، وأن الحكام مسئولين عن سوء تصرفات موظفيهم ضد رعاياهم ، ويقول : عمارة البلاد بالعدل في العباد ، يعقد الغزالي فصلاً كاملاً عن كيفية التعامل مع الحكام الظالمين ، ويحذر من الدخول عليهم وأخذ الأموال منهم والتي يعتبرها حراماً لأنها مجموعة من الخراج المضروب على المسلمين ، بالرغم من علاقته بالسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه حيث ألف كتابه : التبر المسبوك وفيه يخاطب السلطان مذكراً إياه بنعم الله مضمناً إياه نصائح من أهمها الالتزام بالعدل ولم يكن الغزالي الوحيد الذي وقف في وجه الظلم ضد الفلاحين بل وافقه مجموعة من العلماء كنجم الدين الرازي والإمام السبكي ممن جاءوا بعده، وبإزاء ذلك كله يذكر الماوردي موقفه من إقطاع الجند بقوله عنهم : أن أهل الجيش هم أخص الناس بجواز الإقطاع، لأن لهم أرزاقاً مقدرة تصرف إليهم مصرف الاستحقاق، لأنها تعويض عما أرصدوا نفوسهم له من حماية البيضة والذب عن الحريم . والفرق بينه وبين آراء الغلماء الآخرين أن موقفه يبدو مؤيداً للإقطاع العسكري بينما يعارض بعض العلماء السلبيات التي أفرزها تطبيق هذا النظام .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق