إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 3 يوليو 2014

59 دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي الفصل الثالث النظم الحربية عند السلاجقة المبحث الأول:أسس الإدارة العسكرية السلجوقية : أولاً : مقومات الفكر العسكري السلجوقي :



59


دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الفصل الثالث

النظم الحربية عند السلاجقة

المبحث الأول:أسس الإدارة العسكرية السلجوقية :

أولاً : مقومات الفكر العسكري السلجوقي :

كان لدى السلاجقة فكرهم العسكري الخاص بهم والذي ميزهم عن غيرهم وساهم في بروزهم على مسرح الأحداث قوة عسكرية ضاربة سيطرت على مناطق واسعة بقضائها على كثير من القوى التي اصطدمت بها، فقد وصف الراوندي السلاجقة بأنهم : كانوا أناساً يمتازون بالتقوى والدين واليقظة وعدم الإهمال  ، كما وصفهم الحسيني بأنهم : أقوام نفوسهم ربطت بآداب الوغى  فكانت انتصاراتهم ونجاحاتهم التي حققوها في معاركهم نتيجة مقومات وأسس أتخذها السلاجقة، ركائز لفكرهم العسكري وهذا الأمر من سنن الله التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين على الأخذبها فمن أخذ بالأسباب وأحسن التعامل معها بأكبر قدر ممكن وصدق في توكله على الله فإن الله ينصره ويوفقه والتي من أهمها :

1-التنشئة العسكرية للأبناء :

كانت اهتمام سلاطين السلاجقة بالفنون العسكرية كبيراً منُذ بداية أمرهم ولذلك اهتموا بتربية أبنائهم على فنون الحرب والقتال وإتقانها، ولهذا نجد جّدهم الأول سلجوق، يجتهد – قدر طاقته – في تربية وتنشئة حفيديه : طغرل بك، وجغري بك تنشئة عسكرية،آتت أكلها بعد ذلك في نجاح كل منهما من قيادة السلاجقة وإدارة معاركهم ضد أعدائهم، وقد ساهمت إلى حد ما هذه التنشئة بتولي أكثر زعاء السلاجقة للقيادة العامة للجيش بل ويقاتلون بأنفسهم في أرض المعركة نظراً للتدريب المبكر لهم على ذلك، فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بلاد الأتراك وباشر القتال بنفسه حتى استشهد في سبيل الله  ، ووصف البيهقي – وهو شاهد عيان – بلاء جفري بك في أرض المعركة بقوله : يا له من فارس مغوار  ، وكان ألب أرسلان ، يجيد الرمي بالقوس الذي لم يكن يفارقه في أي مكان  ، كما كان ملكشاه : أرمى الناس لم يخطئ قط، وأطعن الناس برمح ، وكان يجيد أيضاً استعمال الأسلحة جميعهاً مع مهارة كبيرة في ركوب الخيل  . فهذه الروح العسكرية المتوثبة عند أمراء السلاجقة انعكست على قوادهم وجندهم وكانت – بدون شك – وراء النجاحات التي حققها السلاجقة في حروبهم وعكست مهارات عسكرية مكنتهم من قيادة الجيوش في أرض المعارك، وخوض غمارها وتحقيق النصر على الأعداء في عدد من الجبهات  .


2-الجهاد في سبيل الله :

أعلن السلاجقة منُذ بدايتهم دفاعهم عن الإسلام والذود عنه، فشكل الجهاد أساساً من الأسس المهمة في فكرهم العسكري، فقد قام جدهم الأول سلجوق – بعد اعتناقه وقبيلته الإسلام – بحماية المسلمين سكان المناطق المجاورة له من غارات بني جلدته من الكفار  ، كما استهشد ابنه ميكائيل في جهاده ضدهم  ، وتنطق رسالة السلاجقة للخليفة العباسي القائم بأمر الله بالتأكيد على ذلك : ولقد اجتهدنا دائماً في غزو الكفار وإعلان الجهاد  . ويذكرون فيها أيضاً " وشكراً لله على ما أفاء علينا من فتح ونصر، فنشرنا عدلنا وإنصافنا على العباد وابتعدنا عن طريق الظلم والجور والفساد ونحن نرجو أن نكون في هذا الأمر قد نهجنا وفقاً لتعاليم الدين ولأمر أمير المؤمنين   وقد قام السلطان طغرل بك – كما مّر معنا – بغزو الروم معلناً بذلك جهاده ضدهم  ، والذي تميزّ بقوة كبيرة زرعت الهلع في قلوبهم حتى أسر بعض ملوكهم وأطلقه دون فداء  ، كما عبر السلطان ألب أرسلان نهر جيحون  ، مجاهداً سنة 465ه، وكان قد أبلى بلاء حسناً – قبل ذلك – في جهاده ضد الروم في ملاذكرد  سنة 463ه، وتؤكد خطبته قبيل نشوب المعركة بسعات روحاً جهادية متوثبة تتوق للاستشهاد في سبيل الله أو النصر، حيث يقول : أنا أحتسب عند الله نفسي، وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبُر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي ويومي خير من أمسي  ، بالإضافة إلى مشاركته السابقة مع عمه طغرل بك في عمليات الجهاد ، واستطاع سليمان بن قتلمش أن يضم مدينة أنطاكية إلى أملاك السلاجقة  ، حيث سار على خطى أبيه الذي كان قد قام بعده بحملات جهادية على كرجستان ، وديار الروم فاستولى على كثير من قلاع الروم هناك  ، وإذا كان السلاجقة قد اعتراهم الضعف بعد وفاة ملكشاه سنة خمس وثمانين وأربعمائة فإن قلج أرسلان، نجح في إحراز انتصارات باهرة على البيزنطيين، كما كان موفقاً في معاركه مع الصليبيين  ، وتابع السلطان محمد بن ملكشاه مسيرة الجهاد ضد الصليبيين وكان مهتماً بتجهيز الجيوش مرات عديدة لهذا الغرض  ، كما اعتبر جهاده ضد الإسماعيلية وصَّدهم جهاداً في سبيل الله  ، ولم يغفل السلطان سنجر، جهاده في الشرق ضد كفار الأتراك، فقام بعدة حملات عسكرية عليهم   وعلى الرغم ما تعرضت له الفكرة الجهادية من بعض الفتور أثناء الصراعات بين أفراد الأسرة السلجوقية على السلطة أو مع غيرهم من الحكام، فقد ظل الجهاد في سبيل الله لدى السلاجقة يشكل ركيزة مهمة في فكرهم العسكري  ، فقد كان مفهوم الجهاد واضحاً في حروب السلاجقة، وعرف ذلك عنهم معاصروهم وعلى رأسهم عدد من الفقهاء وقتذاك، يقول الإمام الجويني في وصفهم : أليس بهم (أي السلاجقة) انحصار الكفار في أقاصي الديار ؟ وبهم يخفق بنود الدين على الخافقين، وبهم أقيمت دعوة الحق في الحرمين  ، فإذا كانوا عصاماً لدين الإسلام ووزراً للشريعة، فما القول في أقوام بذلوا في الذب عن دين الله حشاشات الأرواح وركبوا نهايات الغرر متجردين لله تعالى في الكفاح  .

3-الحرص على كسب ولاء الجيش وقادته :

حرص سلاطين السلاجقة على كسب ولاء جندهم لمن يرشح من أبناء الأسرة السلجوقية لاعتلاء عرش السلطنة واهتموا بهذا الأمر اهتماماً كبيراً إيماناً منهم بأهمية ذلك ودوره في كفاءة السلطان الجديد وتأييد الناس له واستقرار الأحوال في عهده ونجاحه في إدارتها، فقد كان تعين طغرل بك سلطاناً على السلاجقة، وقائداً أعلى لجيوشهم – بالرغم من أنه لم يكن الأبن الأكبر لميكائيل حيث كان أخوه جفري بك أكبر منه سناً – بناءً على قدرته وشخصيته الأمر الذي أدى إلى التفاف الجند والقبائل حوله ودعمهم له  ، فقد كان متسامحاً معهم، وعندما أراد تولية الحكم من بعده لسليمان بن أخيه داود وزّع على الجند سبعمائة ألف دينار وثياباً وأسلحة تساوي مائتي ألف دينار استمالة لهم ولكنهم في النهاية مالوا إلى ألب أرسلان  ، وكلَّف السلطان ألب أرسلان بعد إصابته وإحساسه بدنو أجله الوزير نظام الملك بالقيام بأخذ العهود على الجند بالتأييد والمبالغة لابنه ملكشاه  . وتعطينا هذه الحادثة تصوراً لهذه الأهمية بدليل تكليف الوزير للقيام بها بنفسه، ولم يكتف السلطان بذلك، بل أخذ العهود على نظام الملك، وأوصاه به كما أوصى الجند كذلك  ، تأكيداً منه على ضمان ولائهم لابنه ملكشاه الذي ما إن تولى الحكم سنة 465ه حتى أنفق أموالاً طائلة " استمالة بها قلوب أمراء العسكر والحشم  .

4-الخبرة والتجربة :

يذكر الماوردي (توفى 450ه) أن انعدام الاستفادة من هذين الجانبين من الدلالات الظاهرة على ضعف  الدول  وعبارة الماوردي هذه مهمة وخطيرة جداً تحتاج لتأمل من قيادة الفكر والرأي والاستفادة منها ومن التاريخ بشكل عام ومن دروسه وعبره لمن يريد النهوض بالأمة في هذا العصر وقد مثلت الاستفادة من قِبل السلاجقة من الخبرة والتجربة فكر عصرهم بالفعل، ولهذا استعمل بعض سلاطين السلاجقة المشورة العسكرية في أرض المعركة للاستفادة الكاملة من الخبرات المتواجدة في الجيش السلجوقي، وخاصة ممن لهم خبرة ودراية واسعة في المجال الحربي فقد ذكر البيهقي – وهو شاهد عيان – مدى الخبرة والتدريب الموجودة لدى جند السلاجقة وقادتهم  ، وأظهر السلطان طغرل بك اهتماماً بالنصائح التي قُدَّمت له من ذوي الخبرة والتجربة الواسعة حتى بلغ به الأمر إلى طلبها منهم بنفسه  ، وقد كان للسلطان ألب أرسلان في بعض معاركه مجلس حرب وقد عقد اجتماعاً مع كبار قادته قبيل معركة ملاذكرد وناقش معهم خطة المعركة. ثم بدأ بعد ذلك بخطبته المشهورة ثم عاد مرة أخرى للاجتماع بقادته بعد انتهاء خطبته في الجند، حيث بحث معهم الوسائل لتحقيق النصر على أعدائه ، كما استأنس برأي فقيهة أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري الذي أشار عليه بالقتال يوم الجمعة بعد الزوال والخطباء على منابرهم طلباً للنصر باعتباره يدافع عن دين الله  ، فكانت هذه المعركة خير مثال للاستفادة الكاملة من الخبرة والتجربة العسكرية  . وبلغ من اهتمام الوزير السلجوقي نظام الملك بالخبرة أن عقد فضلاً بها في كتابه يقول فيه : ينبغي تدبر الأمور باستشارة الحكماء المسنين وذوي التجارب والأسفار ، فاستشارة ذوي الخبرة والتجربة سبيل للوصول إلى الرأي الصائب  ، كما يسوق احترام السلاجقة للخبرة ومعرفة قيمتها بقوله : كان من عادة الملوك اليقظين أن يرعوا حرمة المسنين المجربين جواّبي الآفاق ... والعارفين بشؤون الحرب، بأن يجعلوا لكل منهم مقاماً ومنزلة أثيرة لديهم... وكان إذا جدّ طاريء عدواني وحربي يتخذون التدابير كلها مع من مارسوا الحروب، ولهم فيها خبرات وتجارب كثيرة فيأتي الأمر موافقاً للهدف المرسوم، وكانوا إذا ما نشبت الحرب يرسلون إليها من خاض غمار المعارك الكثيرة، وهزم الجيوش العديدة واحتل القلاع، وذاع اسمه في العالم باسم الرجل الشجاع، وكانوا على الرغم من كل هذا يرسلون شخصاً مسناً ممن جابوا البلاد من ذوي الخبرات لتجنب الوقوع في الخطأ  .




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق