38
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الأول
السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم
المبحث السادس:عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية:
ثامناً :الخليفة الراشد بالله :
أمير المؤمنين أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن أحمد العباسي، ولد سنة اثنتين وخمس مائة في رمضان، فقيل : ولد بلا مخرج ففتُق له مخرج بآله من ذهب، وأمه أم ولد خطب له بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، واستخلف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين . وقد بايعه الأعيان ببغداد والأمراء، وخطب له على المنابر ببغداد وسائر البلاد .
1-الخلاف بين السلطان مسعود والخليفة الراشد :
وقع الخلاف بين الخليفة والسلطان بسبب أنه أرسل إلى الخليفة يطلب منه ما كان كتب له والده المسترشد حين أسره، التزم به بأربعمائة ألف دينار، فامتنع من أداء ذلك وقال : ليس بيننا وبينكم إلا السيف فوقع بينهما الخلاف، فاستجاش السلطان العساكر، واستنهض الخليفة الأمراء وأرسل إلى عماد الدين زنكي فجاء، والتفَّ عليه خلائق، وجاء في عُيون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه، فخطب له الخليفة في بغداد وخلع عليه وبايعه على الملك، فتأكدت الوحشة بين السلطان والخليفة جدَّا، وبرز الخليفة إلى ظاهر بغداد، ومشى الجيش بين يديه، كما كانوا يعاملون به أباه قبله وخرج السلطان داود من جانب، فلما بلغهم كثرة جيوش السلطان مسعود حسَّن عماد الدين زنكي الخليفة أن يذهب معه إلى بلاد الموصل واتفق دخول السلطان مسعود إلى بغداد في غيبتهم، فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه، ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحُلِىَّ والمصاغ والثياب التي للزَّينة، وغير ذلك ، وهذا ظلم وعسف وجور.
2-عزل الخليفة الراشد :
جمع السلطان مسعود القضاة والفقهاء وأبرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة فأفتى من الفقهاء بخلعه، فخُلع في يوم الاثنين سادس عشر شهر ذي القعدة بحُكم الحاكم وفُتيا أكثر الفقهاء . وجاء في رواية عن خلعه : .. اجتمع الوزير أبا القاسم علي بن طراد الزينبي، وكاتب الإنشاء ابن الأنباري وصاحب المخزن أبو الفتوح طلحة يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وكتبوا محضراً فيه شهادة جماعة من العدول بما جرى من الراشد بالله من الظلم وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر وذكروا فسقه وعّدوا أفعاله وارتكابه المحارم واستفتوا الفقهاء في من فعل ذلك، هل تصح إمامته أم لا ؟ وهل إذا ثبت فسقه بما ذكر عنه يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه، ويستبدل به من أهل بيته من خير منه طريقة وديناً ؟ فأفتى الفقهاء الذين في ذلك الوقت بخلعه، وفسخ عهده، وحل عقده، والاستبدال به غيره إذا كان بهذه الصفة، وعرضت هذه الفتوى والمحضر على السلطان مسعود : فقال : هذا أمر قد قلدتكم إياه وأنا منه برئ عند الله. ثم قال : اختاروا رجلاً من هذا البيت يصلح لهذا الأمر، فوقع الاختيار بواسطة الزينبي أن يولي أبا عبد الله محمد بن المستظهر بالله، فلما كان يوم الثلاثاء السابع عشر من ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة، حضر السلطان مسعود والجماعة الذين حضروا دار الخلافة في الدار التي على دجلة، وتعرف بالمثمنة، وأحضر أبو عبد الله، محمد بن المستظهر بالله ولقب بالمقتفي لأمر الله، وعاد السلطان مسعود إلى داره، ثم فتح باب الدار القائمية، بكرة يوم الأربعاء، ثامن عشر ذي القعدة، فبايعه الفقهاء والقضاء والشهود وأعيان الناس، ثم خلع الراشد وكان مقيماً بالموصل .
وهذه الفتوى لها حظ من سخط السلطان مسعود على الخليفة الراشد ولولا الخلاف الذي وقع بين الخليفة والسلطان لما سمعنا بها أصلاً.
3-تتبع السلطان مسعود للراشد :
كتب السلطان مسعود إلى عماد الدين زنكي أمير الموصل في القبض على الراشد وإرساله إلى بغداد، فمنع من ذلك زين الدين أبو الحسن على بن بكتكين صاحب أربل وقال لعماد الدين : هو ضيف عندنا وفي كرامتنا وقد كان بالأمس خليفتنا والله، ولاسلمناه، ولو أريقت دونه الدماء ما دامت الأرض والسماء، فأعتذر عماد الدين للسلطان مسعود وقال : إني أخرجه من ولايتنا، فأرسل إليه أنت عسكراً يقبض عليه في غير جهتنا، وأعد له زين الدين جماعة من الأكراد، فساروا بين يديه على طريق قريبة لا يعرفهامن الناس إلا آحاد أو بعض آحاد فوصل مراغة أذربيجان .
4-مقتل الراشد :
كان الراشد حسن السيَّرة، مؤثراً للعدل، فصيحاً عذب العبارة، أدبياً شاعراً، جواداً، لم تَطل أيامه حتى خرج إلى الموصل ثم إلى أذربيجان، وعاد إلى أصبهان، فأقام على بابها مع السلطان داود محاصراً لها، فقتلته الملاحدة هناك – الباطنية – وكان بعد خروجه من بغداد مجئُ السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه ، ومن كلامه الجميل : إنا نكره الفتن إشفاقاً على الرعيَّة ونؤثر العدل والأمن في البرية، ويأبى المقدور إلا تصعَّب الأمور واختلاط الجمهور، فنسأل الله العون على لمّ شَعَتِ الناس بإطفاء نائرة البأس ، وقد أعطى الله الراشد مع الخلافة صورة يوسفية وسيرة عمرية . وقد ذكر الذهبي في مقتله؛ بأن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى مراغة وكان معه جماعة فصادروا أهلها، وعاثوا ثم ذهبوا إلى همذان فقتلُوا بها، وحلقوا لحي جماعة من الفقهاء، وعتوا ومضوا إلى نواحي أصبهان، فانتهبوا القُرى، وحاصروا البلد في جمع من أجناد داود بن محمد بن محمد بن ملكشاه، فمرض الراشد مرضاً أشفى منه، بلغنا أن جماعة من العجم فراشين كانوا في خدمته، اتصلوا به هناك، فدخلوا عليه في رمضان سنة اثنتين وثلاثين فقتلوه بالسكاكين، وقُتلُوا بعده كلهم. وقيل : كان قد سقي سُمّاً، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من بناء نظام الملك وجاء الخبر إلى عمَّه المقتفي، فعقدوا له العزاء يوماً واحداً ومع مجيء عهد المقتفي يبدأ عصر جديد للدولة العباسية حيث حرص على إعادة هيبة الخلفاء بذكاء ودهاء ونجح في ذلك إلى حد كبير، كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق