206
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :
ثالثاً : العلاقات النورية - البيزنطية :
4- مانويل في بلاد الشام :
وبدأت الحشود الصليبية والبيزنطية تتحرك باتجاه الطرف الإسلامي، وقد أثارت مخاوف نور الدين، فكتب إلى ولاة الأعمال والمعاقل بإعلامهم ما حدث من الروم، ويبعثهم على استعمال التيقظ والتأهب للجهاد فيهم والاستعداد للنكاية بمن يظفر منهم ( ) . ثم مضى إلى حلب والمناطق الشامية الأخرى يشحذ الهمم ويبعث الطمأنينة في نفوس السكان ( ) ، وبدأت رسل نور الدين تتردد على معسكر الأمبراطور في عمل دبلوماسي سياسي كبير مع استعداده في نفس الوقت للحرب وتواصل قدوم الأمراء وولاة الأعمال بجنودهم ومع هذه الكثرة العددية إلا أن نور الدين استهدف العمل على زعزعة الحلف البيزنطي مع مملكة بيت المقدس وأنطاكية ضده وحتى لا يجعل دولته بين عدوين الصليبيين في الجنوب والبيزنطيين في الشمال واستطاعت دبلوماسية الدولة النورية أن تصل إلى صلح مع الدولة البيزنطية، ومعلوم أن البيزنطيين كان لهم باعهم الطويل في شأن الدبلوماسية وكذلك الحال بالنسبة للدولة النورية التي اتصلت دبلوماسياً بالعباسيين، والفاطميين ومملكة بيت المقدس الصليبية أي بكافة القوى الكبرى في المنطقة سواء الإسلامية أو المسيحية ( ) والملاحظة المهمة في فقه نور الدين زنكي المثابر في المفاوضات مع الاستعداد الكبير لحشد الجيوش والاستعداد للقتال واستنفار الأمة للتصدي وقد تخلل الاتصالات الدبلوماسية تبادل هادياً ومحاولة توطيد الصلات السياسية بين حلب والقسطنطينية ( ) ومهما يكن من أمر، فإن الاتفاق بين الطرفين أحتوى على :
أ - إطلاق نور الدين محمود سراح ستة آلاف من الأسرى النصارى الذين كانوا معتقلين بسجونه منُذ الحرب الصليبية الثانية ( ).
ب- تعهده بمساندة مانويل في حروبه ضد سلاجقة الروم ( ). وقد اتفقت المصادر العربية والبيزنطية والصليبية الشرط الثاني ( ) ، وقد فرح المسلمون بهذا الاتفاق وبراحيل الأمبراطور بعد الصح إلى بلاده، مشكوراً محموداً ولم يؤذ أحداً من المسلمين ( ) وقد ترتب على هذا الصلح نتائج إيجابية منها.
- أنها أنهت التحالف البيزنطي الصليبي وكان على الصليبيين أن يعتمدوا على أنفسهم أو مساعدات أوروبا في صراعهم مع الزنكيين.
- أنها حفظت وحدة الشام والتي تعد الأساس الهام لأي وحدة بينها ونبي مصر.
- أنها أعادت التوازن بين الصليبيين والزنكيين بخروج البيزنطيين البيزنطيين من الساحة ومن ثم عاد النزاع بينهما على مصر متوازناً مرة أخرى ( ) .
لقد أستطاعت المهارة السياسية الزنكية أن تدق أسفين بين التحالف البيزنكي والصليبي وهذا لم يأتي بدون دفع ثمن وإنما لتنازلات غير عادية فقد اتخذ نور الدين خطوة يصعب تقييمها إلا بوصفها من قبيل القرارات الصعبة المصيرية، فلعلم نور الدين محمود بعداء البيزنطيين للروم السلاجقة ولتقديره أن معركته الحالية والمرحلية ضد الصليبيين وليست ضد البيزنطيين، فإنه وازن بين الإطاحة بمشروعاته على يد الحملة الصليبية البيزنطية وبين الوقوف ضد سلاجقة الروم، فاختار الخيار الثاني وتفاهم مع الأمبراطور البيزنطي ضد السلاجقة وغيرها من الأول، فقبل الأمبراطور وأنسحب من الحلف الصليبي فأوقف الحملة وزال الخطر، وكان من أعظم النتائج التي ترتبت على هذه الخطوة أن تم استبعاد السلاجقة الروم من الصراع الدائر في المشرق ذلك أن الأمبراطور البيزنطي سرعان ما قام بحملة ضد السلاجقة وتعرض قلج أرسلان الثاني لضغط ثلاثي من ياغي أرسلان الدشمند والزنكيين والدولة البيزنطية ولما لم يكن باستطاعته أن يحارب على جميع الجبهات جنح إلى السلم وبدأ بالجانب الإسلامي، وتَّم الصلح أولاً بينه وبين نور الدين محمود ( ) .
وقد أحسن نور الدين في الأداء السياسي مع مانويل وقد تمثل دهاء نور الدين محمود السياسي في عدم إثارته للصراع مع الأمبراطورية البيزنطية واتجاهه إلى عقد اتفاق سلمي معها وذلك من أجل تجنب تحالف صليبي - بيزنطي ضد دولته على نحو يؤدي إلى خسائر فادحة تلحق بهما، ولا شك أنه استغل خبرة دولته الدبلوماسية من أجل إجراء تلك المفاوضات، واستطاع تحجيم خطرها من خلال الاتصالات الدبلوماسية وقد ساند النجاح السياسي الكبير قوة عسكرية ضاربة استطاعت مواجهة التحالف العسكري البيزنطي - الصليبي ومعه الأرمن في معركة حارم عام 559ه/1164م ( ) .
إن مقاومة الغزاة تحتاج لمشروع نهضوي إسلام على أصول أهل السنة يستوعب طاقات الأمة ويكون للقيادة القدرة على الاستفادة من إمكانياتها الكبيرة في المجال العسكري والسياسي، والاقتصادي والتربوي والاجتماعي، والعلمي، والأعلامي .. إلخ.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق