202
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :
ثالثاً : العلاقات النورية - البيزنطية :
عاصر عهد الدين محمود في بلاد الشام عهد الإمبراطور البيزنطي مانويل كومنين 540 - 575ه/1145-1180( ) ، الذي تولى عرش الإمبراطورية خلفاً لحنا كومتين، وقد كان مانويل إمبراطوراً يؤمن بفكرة السيادة العالمية وساعده على تحقيق ذلك أنه كان دبلوماسياً ماهراً ورجل دولة قديراً، وقد كانت له سياسته في الشرق والغرب معاً، ورغب مثل أسلافه في فرض سلطته على روما سواء إذا كان ذلك عن طريق القوة أو بالاتفاق والتعاون مع البابوية ( ) ، وأراد القضاء على الإمبراطورية الغربية التي نظر إليها البيزنطيون على أنها مغتصبة لحقوقهم، ولذا فقد اتخذ موقفاً عدائياً من الإمبراطور الألماني فردريك بارباروسيا وقد توجهت سياسة الدولة النورية نحو الإمبراطورية البيزنطية من خلال دوافع اقتصادية وسياسية واستراتيجية عسكرية ( ) .
- أما الدوافع الاقتصادية :
فتمثلت في رغبة نور الدين محمود في استمرار الصلات التجارية بين الطرفين، فمعلوم أن الإمبراطورية البيزنطية عدت سوقاً رائجة لمنتجات الشرق التي دخلت الدولة النورية طرفاً هَاماً في عملية استيرادها وتصديرها من بعد ذلك للقوى الأوروبية ومنها الإمبراطورية البيزنطية وقد دعم الصلات التجارية بين الجانبين مرور أحد الطرق التجارية الدولية المهمة بمناطقها ونعني به طريق الشرق الأقصى - الخليج العربي - الشام، وقد بدأ من رأس الخليج العربي إلى البصرة ثم بغداد واتخذ اتجاهين صوب الشمال نحو ديار بكر والثاني باتجاه غربي نحو دمشق ومنها إلى موانئ شرق البحر المتوسط مثل اللاذقية، وطرطوس، وعكا، وغيرها، ومن تلك المواني شرق البحر المتوسط مثلت دور الوسيط التجاري بين الدولة النورية والإمبراطورية البيزنطية ( ) .
- وأما الدوافع السياسية :
حاول نور الدين محمود استثمار الخلافات القائمة بين الجانبين من أجل محاولة إيجاد توازن في علاقات الإمبراطورية البيزنطية بدولته وبالكيان الصليبي في بلاد الشام، وساعده على ذلك أن تلك الإمبراطورية احتاجت إلى قوته من أجل استمرار الصراع مع الصليبيين وإلحاق الخسائر بهم، على نحو يجعلهم يطلبون عون البيزنطيين ولا تغيب سطوتهم عن بلاد الشام وهذا ما هدفوا إليه. ومن أجل تحقيق سياسة توازن القوى في المنطقة، وعدم إرتماء بيزنطة بثقلها في دعم الصليبيين، نجد أن نور الدين عمل على تبادل السفارات مع الإمبراطور البيزنطي، وكذلك الهدايا، ثم لم يجهر بالعداء تجاه تلك الإمبراطوريةن بل حاول أن يكسب صداقتها بقدر الإمكان، ونجد ذلك واضحاً بالنسبة للغة المصادر الرسمية، فعلى حين أشارت بالعداء الكامل تجاه الصليبيين فإنها كانت أقل حدة عندما أشارت إلى الروم أي البيزنطيين ( ) ، ولامراء في أن الدولة النورية نجحت في تحقيق تلك السياسة التي مارستها أيضاً الإمبراطورية البيزنطية، وهي التي رأت أن دبلوماسيتها ينبغي أن تقوم على أساس شغل القوى السياسية المجاورة بصراعاتها لإضعافها، من أجل أن تقوى الإمبراطورية نفسها، ولا شك في أنها هدفت إلى استمرا صراع الدولة النورية مع الصليبيين ( ) .
- وأما الدوافع الاستراتيجية العسكرية :
فيمكن ملاحظاتها من خلال أن الإمبراطورية البيزنطية شكلت قوة عسكرية كبيرة في المنطقة وقد فاقت قوة الدولة النورية بصورة كبيرة ويمكن إدراك ذلك من خلال إشارات المصادر عن حجم الهلع الذي انتشر في الأعمال الإسلامية الشامية ( ) خلال مقدم مانويل كومنين بقواته مشاركاً الصليبيين، لقد حرصت الدولة النورية على تجنب الصدام العسكري مع البيزنطيين بمفردهم أو من خلال تحالفهم مع الصليبيين فمختصر سياسة نور الدين تجاه الدولة البيزنطية يهدف إلى تحيدها وعزلها عن بقية القوى الصليبية في المنطقة في بلاد الشام وفي الاتجاه الجنوبي الغربي صوب الدولة الفاطمية ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق