195
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :
أولاً : العلاقات مع مملكة بيت المقدس :
3 - سقوط عسقلان :
حدث تطور كبير على جانب كبير من الأهمية وقع جنوب بلاد الشام لاسيما على الساحل في صورة عسقلان التي تمكن الصليبيون في عهد الملك الطموح بلدوين الثالث من إسقاط عسقلان في عام 548ه/1153م ( ) ، وجاء ذلك في وقت ضعفت فيه الدولة الفاطمية في ظل تغلب الوزراء العظام وحقق الصليبيون بذلك انتصاراً مزدوجاً على نور الدين محمود والفاطميين وانتصارهم على نور الدين تفوق على انتصارهم على الدولة الفاطمية، لأن الأخيرين كانوا قد وهنوا، ولم تعد دولتهم تمثل خطراً بالغاً على الوجود الصليبي، بينما نور الدين مّثل قوة سياسية وحربية مثوثبة في شمال الشام تطمع في دمشق ( )، وتأتي أهمية الانتصار الصليبي من خلال إدراك أهمية عسقلان نفسها فقد مثلت مركزاً تجارياً هاماً على الساحل الفلسطيني، وقاعدة للأسطول الفاطمي، وبسقوطها سقطت آخر المعاقل الفاطمية في الشام، وبذلك امتدت السيادة الصليبية على طول الساحل الشامي من الإسكندرية حتى غزة جنوباً، ومهد بذلك السبيل أمام الصليبيين لغزو مصر ( ) .
وعلى أية حال لم يكن لنور الدين محمود زنكي، أن يقف لا يحرك ساكنا أمام التحرك الصليبي في الجبهة الجنوبية وسرعان ما أتى الرد دون تأخير، فتمكن نور الدين محمود بالفعل من الاستيلاء على دمشق عام 549ه/1154م أي في العام التالي مباشرة وبذلك حقق مكاسب أكبر من أن تحصى، فقد مد حدوده إلى الجنوب، ولم يعد منعزلاً في الشمال، وقد تمكن بذلك الإنجاز من تهديد حدود مملكة بيت المقدس ذاتها، ولم يعد أمامه إلا نطاق جغرافي ضيق محدود لكي يوجه ضرباته إلى الجليل بصورة لم تكن متوافرة له من قبل، وشتان بين توجيه الضربات في الأطراف والوصول إلى قرب القلب الصليبي ( ) ، ولا تغفل أنه بإخضاع دمشق؛ صار نور الدين محمود يسيطر بصورة أو بأخرى على ثلاثة مدن رئيسية يمكن أن توصف بأنها مدن الظهير الإسلامي في الجزيرة وبلاد الشام وهي : الموصل - التي دانت له بالولاء - وحلب ودمشق، وهي مدن ذات كثافة سكانية، فاعلة وأهمية اقتصادية حيوية من خلال وقوعها على خطوط التجارة الدولية، فإذا لم يغب عن ذهننا أننا أمام قائد للجهاد نذر نفسه له، أدركنا كم كانت المكاسب كبيرة للمسلمين بضم عاصمة الأمويين من قبل دمشق، خاصة مع عدم إغفال أنها المرة الأولى التي أتحدت فيها حلب ودمشق منُذ العصر السلجوقي تحت سيطرة سيد واحد ( ) . ومن الزوايا ذات الأهمية البالغة : إدراك أن توجيه ضربات فاعلة للصليبيين تؤثر على قلبهم في بيت المقدس، لن يكون إلا بإخضاع المدن الأربعة المؤثرة في قبضة الدولة النورية، وهي الموصل، حلب، دمشق، القاهرة وهكذا لم تعد هناك إلا مدينة واحدة : هي القاهرة قلب الوجود الفاطمي الذي بلغ من الكبر عتياً، ويلاحظ أن ضمها لشقيقاتها الثلاثة سيتأخر من خلال اعتبارات عديدة ( ) يأتي بيانها وتفصيلها في محله بإذن الله تعالى. على أية حال : من الممكن تناول قضية مهمة وهي أيهما حقق مكاسب سياسية حربية أخطر، بلدوين الثالث باستيلائه على عسقلان عام 1153م/548ه/ أم نور الدين محمود باستيلائه على دمشق عام 549ه/1154م.
إن إسقاط عسقلان كان بمثابة إسقاط إحدى المدن الشامية الساحلية وربما كان له تأثيراته الكبيرة في حالة عدم تمكن ذلك الحاكم المسلم من انتزاع دمشق من قبضة البوريين، إذ أنه اكتسب العديد من المميزات وأدى ذلك إلى نقله لمجال جديد أرحب من ذي قبل، ويلاحظ أنه إذا كان الصليبيون باستيلائهم على عسقلان انفتحت أمامهم الأبواب نحو مصر، على اعتبار أن عسقلان عدت بوابتها، إلا أن الاستيلاء على دمشق فتح الطريق هو الآخر أمام نور الدين محمود نحو ذات الهدف، ومن ثم سيحدث فيما بعد التسابق بينه وبين الصليبيين لإسقاط مصر الفاطمية وهكذا نصل إلى حقيقة مفادها؛ إن استيلاء بلدوين الثالث على عسقلان، كان من الممكن أن يكون على أكبر قدر من المكاسب في حالة استمرار الوضع القائم في صورة ارتباط نور الدين محمود بحلب في شمال الشام، أما الآن بعد الاتجاه جنوباً نحو دمشق، تأكد للصليبيين أن سيد حلب صار سيد حلب ودمشق معا. ويكفي أن نطالع ما سطره مؤرخ الصليبيين البارز وليم الصوري كي ندرك كيف أن إخضاع عاصمة الشام عد أحد مظاهر الخطر الإسلامي القادم في الأفق على نحو ينذر في الأفق على نحو ينذر بأوخم العواقب على الصليبيين والمسلمين إلى مرحلة جديدة اتسمت باحترام الصراع بينهما، والتسابق على مناطق نفوذ جديدة بقوة عسكرية أكبر وكأننا أمام استعراض عسكري للقوة من كل من الطرفين المتنافسين، وواقع الأمر أن التسابق على ضم مصر لأحد الجانبين لم يكن ليبدأ دون تلك الخطوة التكتيكية المحورية في صورة إسقاط الصليبيين لعسقلان والرد من جانب نور الدين بالاستيلاء على دمشق ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق