إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

177 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الثاني:تصدي نور الدين محمود للحملة الصليبية الثانية وسياسته في ضم دمشق: أولاً : القضاء على تمرد ثورة الرهاويين :


177

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الثاني:تصدي نور الدين محمود للحملة الصليبية الثانية وسياسته في ضم دمشق:

أولاً : القضاء على تمرد ثورة الرهاويين :


أتاحت وفاة عماد الدين زنكي وتقسيم مملكته بين ولديه فرصة طيبة لأعدائها للإقدام على غزوها، ففي الجنوب تطلع معين الدين أنر، صاحب السلطة الفعلية في دمشق إلى السيطرة على بعلبك وحمص وحماة، وفي الشرق، حاول الملك ألب أرسلان السلجوقي فرض سيطرته على الأملاك الزنكية، غير أنه باء بالفشل، واستردَّ الأراتقة المدن التي سبق أن ضمّها عماد الدين زنكي من ديار بكر وفي شمال الشام، مضى ريموند بواتييه، أمير أنطاكية، في غاراته حتى بلغ أسوار حلب، وكان الناس آمنين، فقتل وسبى عدداً كثيراً من المسلمين، وتمادى في غاراته حتى بلغ صلدى ونهبها، ولما وصل الخبر إلى حلب خرج أسد الدين شيركوه على رأس قوة عسكرية للتصدي له، فأدرك فرقة صليبية استاقت بعض الأسرى، فاصطدم بها وحّرر الأسرى، ثم شنَّ الغارة على ارتاح ( )، قبل أن يعود إلى حلب ( ) . وظل جوسلين الثاني أمير الرها قابعاً في تل باشر، إلا أنه أعّد خطة لإعادة احتلال الرها ( ) . ولعل جوسلين الثاني هذا، كان أشد أعداء الدولة الزنكية خطراً عند وفاة عماد الدين زنكي، لأن استرداد الرها من الصليبيين كان أهم ما قام به عماد الدين في حياته وهو العمل الرئيسي الذي أضفى عليه وعلى دولته أهمية خاصة في التاريخ فكان نجاح الصليبيين في استرداد الرها، إذا ما حصل يُعد ضربة قاسية لأبنائه الذين سيفقدون المجد الذي حققَّه والدهم ( ) والأهم من ذلك الأثر المعنوي السلبي الكبير في نفوس المسلمين لم يكن بقلعة الرها سوى حامية قليلة العدد، فاستغل الأرمن هذه الفرصة وكانوا شديدي الميل للصليبيين ودبَّروا مؤامرة للتخلص من الحكم الإسلامي وطرد المسلمين من المدينة ووقف جوسلين الثاني على تلك النزعة فيهم فشجَّعهم على التمرد وتسليم البلد إليه، ووعدهم بتقديم المساعدة ( ) ، وخرج جوسلين الثاني على رأس قوة عسكرية ميمَّماً وجهه شطر الرها وهو عازم على استعادتها وسانده بلدوين حاكم مرعش ( ) ، وكيسوم، في حين رفض ريموند بواتييه، حاكم أنطاكية، تقديم المساعدة ( ) . ويبدو أن رفضه ناتج عن التخطيط غير السليم للحملة( ) وكان جوسلين الثاني يأمل في مباغتة الحامية الإسلامية ويهاجمها على حين غفلة من أمرها، إلا أنها تلقَّت إنذاراً مبكراً بهذا الهجوم، فاستعَّدت لصَّده. وصل جوسلين الثاني إلى أسوار المدينة، شهر ربيع الآخر عام 541ه شهر أيلول عام 1146م ونجح في دخول البلدة، لكن امتنعت عليه القلعة وقد احتمت بها الحامية الإسلامية ( ).

وجد جوسلين الثاني نفسه أسيراً، وهو ورجاله، داخل المدينة ولما كانت قواته قليلة العدد لا يمكنها اقتحام القلعة، استنجد بأميري أنطاكية وطرابلس والوصية على عرض مملكة بيت المقدس وأرسلت الحامية من جهتها تطلب مساعدة نور الدين محمود في حلب، وكان جيشه آنذاك في مهمة جهادية في أنطاكية عّد صاحب نور الدين محاولة جوسلين الثاني هذه تحدياً له، ورأى ضرورة القضاء عليه قبل وصول النجدات الصليبية فخرج من حلب في شهر جمادي الآخرة/شهر تشرين الثاني على رأس جيش كثيف بلغ تعداده عشرة آلاف فارس غير المشاة والطلائع، وظهر أمام أسوار المدينة ( ) ، وقع جوسلين الثاني بين شقي الرحى، الحامية من الداخل وجيش نور الدين محمود من الخارج، فلم يقو على ملاقاة هذه الجموع داخل الرها وخارجها، فأسقط في يده، وأدرك أن لا سبيل إلى النجاة إلا بالهرب، فتسلَّل أثناء الليل إلى خارج المدينة، وأتخذ طريقه صوب الفرات ( ) . لكن هذه العملية لم تتم بسهولة فقد طارده نور الدين محمود واقتفى أثره، واشتبك معه في اليوم التالي وتغَّلب عليه، إلا أنه استطاع الفرار إلى سميساط بصعوبة بالغة بعدما أصيب في رقبته، وكان بلدوين حاكم مرعش من بين القتلى، كما قتل باسيل أسقف اليعاقبة، ووقع يوحنا أسقف الأرمن في الأسر ( ). خرج الأرمن من الرها بعد أن أدركوا ما ينتظرهم إذا ظلوا فيها، وقد أضرموا النيران في كثير من البيوت، لكن أكثرهم لم يتمكن من النجاة ووقعوا تحت ضربات المسلمين ( ) ، وكان من الطبيعي أن يحل العقاب بمن بقي من أهل الرها النصارى الذين غدروا بالمسلمين بعدما تخلىَّ جوسلين الثاني عنهم ( )، فقد أراد نور الدين أن يجعل من عصيان الرها وتمردها درساً للآخرين فأباحها لجيشه وسبى أهلها وأجلى من كان بها الفرنج وكانت الأخبار قد وصلت إلى الموصل بعصيان الرها وعودة جوسلين إليها، فأرسل سيف الدين غازي جيشاً لاستعادتها ولكن هذا الجيش رجع قبل وصوله للرها عندما علم باستعادة نور الدين للمدينة، وأقر سيف الدين غازي أخاه نور الدين في عمله ( ). وكانت حادثة عصيان الرها واسترجاعها من قبل نور الدين محمود مع ما رافق ذلك من نهبها وسبي أهلها وقتل الغالبية من جيش جوسلين أثناء هربه منها، ثم سكوت سيف الدين غازي عن احتلال أخيه نور الدين محمود للمدينة كان كل ذلك بمثابة خيبة أمل كبيرة للفرنجة الطامعين في اندلاع الحرب بين الأمراء المسلمين، الذين فرحوا بوفاة عماد الدين زنكي وزوال خطره، ولكنهم أدركوا أن ابنه نور الدين محمود لا يقل خطورة عن أبيه ثم تعززت خيبة الأمل لدى أولئك الأعداء بعد التقا سيف الدين غازي بأخيه نور الدين محمود واتفاق الأخوين على التعاون فيما بينهم ضد الطامعين بملك أبيهم وملكهم ( ).

وهذا أول فتح لنور الدين، رحمه الله، وفيه يقول ابن منير من قصيدة :

تلك بكُر الفتوح فالشام منها
    ??شامه والعراق بعد عِراقُهُ

وقال ابن القيسراني :

فإن يك فتح الرهُّا لُجّة
    ??فساحلها القدس والساحل

فهل علمت علم تلك الديار
    ??أن المقيم بها راحل( )


- مساندة نور الدين لحاكم دمشق في حوران :

في عام 541ه/ ربيع عام 1147م خرج التونتاش أمير بصرى وصرخد في إقليم حوران، على حكمه، وأعلن استقلاله عن دمشق، وحتى يدعم موقفه التفت إلى مملكة بيت المقدس في محاولة لاستقطاب حكامها. وكان الذي شجعه على ذلك، اعتقاده بأن سياسة المسالمة التي اتبعها الملك فولك نحو دمشق قد انتهت بوفاته في "شهر تشرين الثاني عام 1142م" وأن الحكام الجدد سوف يلتزمون سياسة مغايرة وبخاصة أنه قّدم إليهم في شهر ذي الحجة عام 541ه/ شهر آيار عام 1147م عرضاً سخياً يتضمَّن التنازل لهم عن بصرى وصرخد مقابل مساعدتهم له في الاستقلال بحوران ( )، وتردُّد بارونات بيت المقدس وحكامها في قبول هذا العرض المغري الذي سيتيح لهم استغلال إقليم حوران، كما أن السيطرة على هذا الإقليم تجعل دمشق تحت رحمتهم، ويبدو أنهم أدركوا المخاطر الناتجة عن تفكيك عرى التحالف مع دمشق في ظل تربص نور الدين محمود وللخروج من هذا المأزق تصرفوا على محورين :

الأول : أنهم أمروا بحشد الجيش في طبرية استعداداً لمساعدة التونتاش عند الضرورة ( ).
الثاني : أنهم أرسلوا إلى أنر يطلبون منه إعادة التونتاش إلى حاكمية حوران.

استشاط أنر غضباً من هذا التدخل السافر في شؤونه الداخلية غير أنه أراد أن يتجنَّب نقض التحالف مع الصليبيين خشية من قوة نور الدين محمود، فأرسل يذكر حكام بيت المقدس بالحلف المعقود بينهم وبين حكّام دمشق والذي يعود على الجانبين بالفائدة ويحذَّرهم أن سياستهم هذه ستؤدي به إلى محالفة نور الدين محمود مما يعرَّضهم لخطر جسيم وعرض أن يؤدي نفقات الحملة التي جُهَّزت لمساندة التونتاش. والواقع أن أنر أدرك أن تحالفه مع الصليبيين رغم ما فيه من المهانة لكرامته في أعين المسلمين، أسلم عاقبة من بقائه وحيداً أمام نور الدين محمود ( ) إلا أن الصليبيين لا عهود لهم ولا مواثيق فقد هدد الفرنج دمشق ووصل جيشهم بقيادة ملك القدس إلى أطراف حوران، فاضطر معين الدين أنر مقدم العساكر في دمشق والحاكم الفعلي إلى الاستنجاد بنور الدين الذي بادر بنفسه للمساعدة وتقابل مع أنر بالقرب من بصرى للتصدي للفرنجة الذين فوجئوا بظهور نور الدين محمود مع معين الدين أنر واضطروا للإنسحاب جنوباً ومؤخرات جيشهم تتعرض لغارات المسلمين حتى عبروا نهر الأردن ( )  وتحسنت العلاقات بين نور الدين محمود ومعين الدين أنر بعد ذلك، وتوثقت أكثر بزواج نور الدين محمود من ابنة معين الدين، ورافق هذا الزواج إعادة مدينة حماة التي كان معين الدين أنر احتلها بعد مقتل عماد الدين زنكي إلى نور الدين محمود ( ) . في السنة التالية 542ه/1148م تمكن نور الدين محمود من الاستيلاء على عدة حصون ومواقع تتبع لإمارة أنطاكية منها أرتاح وباراه، وكفر ( ) لاثا وجميع هذه المواقع والحصون كانت من أعمال حلب سابقاً استولى عليها الفرنجة خلال فترة مدينة حلب وتوسع الإمارات الفرنجية في بداية القرن، ويلاحظ أن نور الدين محمود وضع في قمة أولوياته إبعاد الخطر الفرنجي عن مدينة حلب، وهذا يعني التركيز على إمارة أنطاكية وتجريدها من كل ما استولت عليه في الماضي من الحصون والمواقع والبلدان التابعة لحلب حسب منهجه في ترتيب أولوياته فقد أخذت الأخبار تتوارد من القسطنطينية وآسيا الصغرى عن تقدم جيوش فرنجية كبيرة جداً تتجه نحو المشرق الإسلامي لدعم وتعزيز الإمارات الفرنجية القائمة فيه واستعادة مدينة الرها التي كان عماد الدين زنكي استولى عليها عام 539ه/1144م ( ) ، واحتلال ما يقدرون على احتلاله من بلاد المسلمين. وأخذت الدول والإمارات في المنطقة سواء كانت إسلامية أم فرنجية تعد نفسها وتضع في حسابها الصدام الكبير المقبل( ).



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق