175
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الأول:علاقته مع الخلافة العباسية:
خامساً:تعاون نور الدين محمود مع الخلفاء العباسيين:
4- الصعيد الثقافي والمذهبي :
كان الهدف المشترك الكبير بين نور الدين والدولة العباسية إعادة نشر المذهب السني في بلاد الشام ومصر والوقوف أمام المذهب الشيعي الرافضي الإسماعيلي الذي كانت تتبناه الدولة الفاطمية في مصر، وكذلك الوقوف أمام المذهب الشيعي الإمامي، وكانت نظرة نور الدين محمود الاستراتيجية تعتبر وحدة العقيدة ركناً أساسياً في وحدة المسلمين السياسية ولتحقيق وحدة العقيدة في بلاده سلك طريق العلم والإقناع بالمنطق وإقامة الحجة والبرهان، فأنشأ المدارس التي تدرس الشريعة على حسب مذاهب السنة مركزاً على المذهبين الشافعي والحنفي، واستقدم أشهر العلماء والفقهاء للتدريس فيها ولتتولى الحوار مع علماء الشيعة على أساس الكتاب (القرآن الكريم) والسنة الشريفة ولكنه لم يتردد في اتباع طريق الحزم لوقف التجاوزات والمخالفات التي دأب الشيعة الرافضة على ارتكابها بحق بعض الصحابة، فأمر بمنع شتم أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكان ذلك شائعاً في مجتمع الشيعة الرافضة في حلب، كما أمر بوقف الأذان حسب الصيغة التي استحدثها الشيعة (أضافوا فقرة حي على خير العمل، محمد وعلي خير البشر) ( )، وإعادته حسب الصيغة الصحيحة التي عرفت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما حاول زعماء الشيعة في حلب عدم الامتثال لأوامر نور الدين عاقبهم ونفى بعضهم خارج حلب ( ) . فرضخوا وامتثلوا وتحّول مجتمع حلب مع مرور السنين إلى مجتمع سني بالكامل، وكذلك باقي مدن بلاد الشام وإنما كان التركيز على مدينة حلب لأنها كانت مركزاً للشيعة الرافضة في بلاد الشام أما في مصر فقد بدأت عملية التغيير من خلال الدولة النورية - مباشرة بعد الاستيلاء عليها وكانت توجيهات نور الدين في هذا المجال واضحة لصلاح الدين لتغيير نظام القضاء من المذهب الإسماعيلي الشيعي الرافضي إلى المذهب السني وإنشاء المدارس السنية، وكان التغيير تدريجياً حتى بداية عام 567ه/1172م عندما أعلنت نهاية الدولة الفاطمية وأقيمت الدعوة للخلافة العباسية، فصار التغيير سريعاً وشاملاً، فكانت المصالح المشتركة بين نور الدين والخلافة العباسية قربت بينهما وأثمرت علاقتهما الطيبة بما عاد عليهما وعلى المسلمين بالخير والفائدة العظيمة، فحركة الإحياء السني التي تبناها نور الدين محمود، لقيت الدعم العباسي الكامل، ومن الممكن تصور أن الإنجاز الذي حققته حركة الإحياء السني في عهد الدولة النورية لم يكن من الممكن أن تتحقق بتلك الصورة من النجاح، بدون المساعدة الرسمية الكاملة من العباسيين ومن الصلات التي وجدت بين الجانبين؛ استمرار اتصال المتصوفة العراقيين بالشاميين وقد ارتحل العديد من زعماء التصوف بين الإقليميين لينضم إليهم الاتباع والمريدون ( ) وقد بينا ذلك فيما سبق ولله الحمد. ويتصل بالصلات المذهبية الاهتمام المشترك من جانب الخلافة العباسية والدولة النورية بالحج، والإعداد لموكبه وتأمين خطوط سيره، وقد كان هناك موكب الحجاج الشاميين وآخر للعراقيين اتخذ كل طريقه الخاص إلى الأماكن الإسلامية المقدسة، وحرص نور الدين محمود على أن يظهر أمام خلفاء بغداد بمظهر الراعي لتلك الأماكن، إذ عمل على تأمين طريق الحجاج الشاميين عن طريق تقديم الإقطاعات للقبائل العربية التي سكنت نواحي الأردن وشمال الجزيرة حتى لا تتعرض للحجاح وساهم في تعمير المسجد النبوي وعمل خندقاً حول الحجرة النبوية مملؤاً بالرصاص عام 557ه/1162م وكان هذا الاتجاه هدفاً مشتركاً بين الخلافة العباسية والدولة النورية وقال عنه ابن الجوزي : وكان سيرته، أصلح من كثير من الولاة والطرق في أيامه آمنة والمحامد له كثيرة وكان يتدين بطاعة الخلاقة ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق