17
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الأول
السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم
المبحث الرابع : السلطان ملكشاه :
أولاً : تربية ملكشاه على إدارة السلطنة وتوطيد الملك له
1-تربيته على إدارة السلطنة :
بعد معركة – سمرقند – التي قام بها السلطان – ألب أرسلان
سنة 465ه وقبل وفاته على أثر جرحه بيد – يوسف الخوارزمي أمر القواد بمبايعة ابنه، ملكشاه، للمرة الثالثة، وعين وزيره النظام وصيَّاً عليه وطلب احترامهما وطاعة أوامرهما ، وكان قد أعدّه إعداداً ملكياً ودربه تدريباً سلطانياً، مثلماً أعده أبوه – جغرى بك – من قبل وقد ساعده على ذلك وزيره النظام حيث رغبّه في دراسة العلوم ومّرنه على المثابرة والجلد في الحروب، وبهذا تعاون الوالد والوزير معاً على تهيئته لعرش آل سلجوق، ولذلك لم يكتف بتدريبه النظري، كما يربي معظم أبناء الملوك وإنما أنزله الميادين وأشركه في القتال حتى مرن على الحرب وعرف خططها وخدعها وكذلك أراد له أن يتعلم أصول الحكم وتدبير شؤون الرعايا بالممارسة وليس عن ظهر قلب فمنحه حكومة – كيلان – وأصدر بذلك منشوراً .
2-تولي السلطنة :
وبناء على توصية السلطان الراحل فقد اجتمع قواد الجيش، وأعيان الدولة في حلف خطير لإجراء مراسم الجلوس، وبايعوا السلطان " ملكشاه " سنة 465ه وعمره – حينذاك – ثمانية عشر عاماً، وقال في خطاب العرش، حينما طلب إليه النظام أن يتكلم . فقال : الأكبر منكم أبي، والأوسط أخي والأصغر ابني، وسأفعل معكم ما لم أسبق إليه، فأمسكوا فأعاد القول، فأجابوه بالسمع والطاعة ، وهي كلمة تدل على نزعته العادلة وامتثاله الآداب الإسلامية وقد تكون من وضع الوصي عليه " نظام الملك "، كما تولى هو وأبو سعد المتولي أخذ البيعة له من الأمراء والوجهاء وأطلق الأموال عليهم ، لذلك أجمعت المصادر التاريخية بأن " النظام " لعب دوراً كبيراً في تنصيب السلطان الجديد، كما كان له الفضل الأكبر في إرساء دعائم الدولة وانتصاراتها الحربية ، والفكرية والعقائدية على الباطنية والفلاسفة وذلك باهتمامه الكبير بعلماء أهل السنة ونشر المدارس النظامية في إرجاء الدولة السلجوقية وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل بإذن الله عند الحديث عن المدارس النظامية ودورها في حفظ منهج أهل السنة ودحر المد الباطني.
وقد أثبت السلطان الجديد مقدرة فائقة في الحرب، ورغبة نادرة في الإصلاح والتعمير حتى عّده أحد المؤرخين المؤسس الحقيقي للأمبراطورية السلجوقية المترامية الأطراف وذلك بنشاطه وحنكة وزيره ، ويعتبر النظام هو الموّجه لسياسة الدولة ، فسواء أكان المؤسس لدولة السلاجقة، طغرل بك، أو ألب أرسلان، أو ملكشاه، فإنهم قد تعاونوا على إنشائها وتوطيد دعائمها ثم اتساع رقعتها حتى كان لثالثهم من أقصى بلاد الترك إلى أقصى بلاد اليمن، وقد خطب له من حدود الصين على آخر
الشام .
3-خروج عمّه والقضاء عليه :
لم يتربع ملكشاه على العرش السلجوقي حتى صدقت طنون أبيه في وصيته، وخرج عليه أعضاء أسرته مطالبين بالعرش، وكان أول هؤلاء وأشدهم بأساً وأقواهم حجة – قاروت ملك كرمان أخو السلطان ألب أرسلان ولم يكن يخفى عليه أن النصر لا يكون له إلاَّ إذا كسب الجيش وربح مؤازرته، فاستمال القواد والجنود بزيادة رواتبهم وتحسين حالتهم إذا أتى إلى الحكم فقامت بذلك مظاهرتهم مطالبين بمجيء " قاروت " إلى العرش وأحقيته بالسلطان، وكتب إلى ابن أخيه في نفس الوقت يقول : إني أحقّ منك بالعرش لأني الأخ الأكبر للسلطان الراحل وأنت أصغر أبنائه وسار بجيشه إلى الري ، وقد أدرك النظام خطورة هذه الفتنة وشدّتها، وأنها تهدد عرش السلطان ومنصب وزيره وأنها ستقضي عليهما وعلى أهدافه إذا كتب لها النصر فقرر الإسراع بجيشهما نحو الري حتى بلغها قبل وصوله، وأجاب على رسالة عم السلطان : إن الابن أحقّ بالعرش من الأخ ، فالتقوا بقرب همذان، فانكسر جمعه، وأتي بعمه أسيراً، فوبّخه، فقال : أمراؤك كاتبوني، وأحضر خريطة فيها كتبهم، فناولها لنظام الملك ليقرأها، فرماها في منقل نار، ففرح الأمراء وبذلوا الطاعة ، وأدخل قاروت السجن ولكن ما أدخله في روع الجنود من زيادة رواتبهم لم يزل يدفعهم إلى التظاهر والعصيان، والتهديد بمبايعة الأمير السجين إذا لم تلب طلباتهم، وأحس النظام بحرج الموقف ودقته وأنه لا بد وأن يتخذ رأيا حاسماً لقطع النزاع، فوافق رؤساء الجيش على مشروعية مطالبهم ووعدهم بأن سيحّدث السلطان ويقنعه بتنفيذها، وهدأت الأحوال، وذهب لمقابلة السلطان وأخبره بما انتهى إليه الحال وأشار عليه، كما يذكر معظم المؤرخين – بقتل عمه في الحال فأصدر السلطان أمره وقتل وما أن عاد رؤساء الجيش ليستفسروا عما تمّ بخصوص مطالبهم حتى فأجاهم " النظام " بأنه ما استطاع مفاتحة السلطان بأمرهم حيث وجده حزيناً على فقد عمه الذي امتص السّم من خاتم في أصبعه ومات في السجن، فعادوا واجمين خائفين، ولم يستطع أحدهم القيام بحركة مناوأة، واستتبّ الأمن في
البلاد ، ولم يتخلص السلطان من عمه حتى زحف نحو – سمرقند – وعبر نهر جيحون سنة 467ه ليأخذ بثأر أبيه من البلاد التي أغتيل فيها، ولكنه لم يصل إليها حتى هرب حاكمها – خاقان البتكين – فتوسط له " النظام " وأجيب لذلك . ثم استمرت شفاعات " النظام " تترى على السلطان في طلب الصفح عن الخارجين بعد اعتذارهم، وإعادتهم إلى مقر وظائفهم وأتخذ وسيلة جديدة هذه المرة في سياسته الحربية كان فيها رسول سلام ابتداءً من سنة 467ه إلى 473ه، حيث خرج على السلطان أخوه – تكش – بعد أن التحق بجيشه الجنود الذين فصلهم من سلك الخدمة العسكرية خلافاً لرأي وزيره " النظام " ، وكان بـ " بوشنج " واستولى على مرو الروز الشاهجلمان، فسار السلطان إلى خراسان ودخل نيسابور قبل أن يصلها أخوه ثم التقيا " بترمذ " واصطلحا أيضاً سنة 473ه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق