إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

168 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الأول:علاقته مع الخلافة العباسية: ثانياً :الوزير يحي بن هبيرة :


168

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الأول:علاقته مع الخلافة العباسية:

ثانياً :الوزير يحي بن هبيرة :

الوزير الكامل، الإمام العالم العادل عون الدين، يمين الخلافة، أبو المظُفَّر يحي بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم، الشيباني الدوريُّ العراقي الحنبلي صاحب التصانيف. ولد عام 499ه ودخل بغداد في صباه، وطلب العلم، وجالس الفقهاء، وتفقه بأبي الحسين بن القاضي أبي يعلي والأدباء، وسمع الحديث، وتلا بالسَّبع وشارك في علوم الإسلام ومهر في اللغة، وكان يعرف المذهب والعربيّة والعروض، سلفياً أثريا، ثم أمضَّه الفقر، فتعرض للكتابة، وتقَّدم وترقَّى، وصار مشارف الخزانة، ثم ولي ديوان الزَّمام للمقتفي لأمر الله ثم ورزر له في سنة 44ه، واستمر ووزر من بعده لابنه المستنجد ( ) وكان ديناً خيراً متعبداً عاقلاً وقور متواضعاً، جِزل الرأي بارّاً بالعلماء، مكباً مع أعباء الوزارة على العلم وتدوينه، كبير الشأن، حسنة الزمان ( ).

1- سعيه لتقوية مؤسسة الخلافة :

كان مبالغاً في تحصيل التعظيم للدولة، قامعاً للمخالفين بأنواع الحيل، وحسم أمور السلاطين السَّلجوقية ( ) وقد أورد المؤرخون عدة أسباب لتولي ابن هبيرة الوزارة منها أن الخليفة المتقفي لأمر الله كان معجباً بكفايته وشهامته وإخلاصه في أداء عمله ( ) ، ومنها أن الخليفة أمر ابن هبيرة - وكان يتولى ديوان الزمام - أن يكتب للسلطان السلجوقي مسعود شكوى في شحنة بغداد الذي لم يكن على وفاق مع الخليفة، فكتب ابن هبيرة رسالة طويلة للسلطان السلجوقي ذكر فيها ما عرف عن سلاطين السلاجقة من حسن الطاعة، والتأدب مع الخلفاء، والحرص على الذب عنهم ممن يحاول النيل منهم، وأشار إلى شكوى الخليفة المقتفي لأمر الله بألا يؤدي أي مبلغ من المال لمحمد شاه بن السلطان محمود، مقابل رفع حصاره عن بغداد، لأن هذا سيكون حافزاً للسلاجقة للمطالبة بالمزيد، وأشار بصرف المبلغ المطلوب، وقدره ثلاثين ألف دينار، في إعداد جيش للخلافة من الترك والأكراد وأهل بغداد وأعمال العراق لصد قوات محمد شاه، فقبل الخليفة رأي ابن هبيرة وفوضه في إعداد هذا الجيش، فلم تمض أيام قليلة حتى اجتمع عسكر كثير، فخرج به ابن هبيرة لقتال محمد شاه وأصحابه، فهزمهم، فلما أيقن الخليفة بحسن رأي ابن هبيرة استدعاه وولاه الوزارة سنة 544ه/1149م ( ) ، قال ابن الجوزي : كان يجتهد في اتباع الصواب، ويحذر من الظلم ولا يلبس الحرير، قال لي : لما رجعت من الحِلَّة، دخلت على المقتفي، فقال لي : أدخل هذا البيت، وَغيرَّ ثيابك، فدخلت فإذا خادم وفرّاش معهم خلع الحرير، فقلت، والله ما ألبَسُها. فخرج الخادم، فأخبر الخليفة، فسمعت صوته يقول : قد والله قلتُ : إنه ما يلبسه. وكان المقتفي معجباً به ( ) ، وقال هذا الوزير بدور كبير في تخلص الخلافة العباسية من النفوذ السلجوقي واستعادة سلطة الخلفاء العباسيين في الدولة، وقد استطاع بمساعدة الجيش الذي أعده تخليص العراق وجميع أعماله من سيطرة السلاجقة ( ).

2- خوفه من ظلم العباد :

وسأل الوزير ابن هبيرة يوماً الشريف مجد الدين أحمد بن علي الحسيني نقيب نقباء الطالبين عرض رقعة له على الخليفة، وأن لايهملها، وأن يراجعه فيها فقال : والله ما أهملت لأحد قط رقعة ولا حاجة حضرني ذكرها منُذ وقفت على ما رواه أبو علي مسكويه أنه رفعت رقعة عن بعض المتظلمين إلى ابي الفضل بن العميد، فوعد رافعها بالنظر في ظلامته فمطله، ثم عاوده، فمطله ثم عاوده فَسَّوفَه، فقال له المتظلم هذا كلام من لا يعرف دبيب الساعات في انخرام الدول فارتاع أبو الفضل بن العميد لذلك واتعظ به ولآن قلبه، وقال : لله درك كيف قلت ؟ فأعاد عليه القول، فوقع له بما أراد وآلى أن يرفع ظلامات المتظلمين، وقال لله درك يا فلان فما نصح لي غيرك، وإنما مثلنا فيما نحن فيه من الأمور السلطانية وما عمر فيها من أهوالها الملهية التي رانت على قلوبنا وأشغلتنا عن حظوظنا مثل مريض ملكته العلة وقسمت قلبه ومنعته عن النظر لنفسه، فيحتاج إلى طبيب حاذق يعنف في موضع العنف ويرفق في موضع الرفق، فقد قالت الحكماء والأطباء : إذا رأيت صاحب الخواطر والهموم وقد استفرغه الهواجس، فصح به صيحة تزعجه وتلهيه عما اجتمع له من المواد السوداوية ( ) وقال : العجب ممن ينظر قبل أن يفعل في النجوم، ويحك انظر وما ترومه فإن كان طلب دنيا فهو فان، وإن كان طلب أخرى فهو باق، وإن كان حسنة فثمرتها السلامة، وإن كان سيئة فثمرتها الندامة ( ). وقال : شدة الغضب إنما تكون لقوة ذكاء الحواس لأن الذكي يدرك الأسباب الموجبة للغضب بسرعة، فيحتاج إلى زيادة قهر لنفسه في الغضب، وعدم الغضب على الإطلاق عيب لأن الإنسان يجب أن يغضب لله عز وجل ( ). قال عنه ابن كثير : كان من خيار الوزراء وأحسنهم سيرة وأبعدهم عن الظلم وكان على مذهب السلف في الاعتقاد ( ) وقال عنه ابن العماد : وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه، وتواضعه ومعرفته ( )، وقال عنه ابن الأثير : كان حنبلي المذهب، ديناً خيراً، عالماً، يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وله في التصانيف الحسنة وكان ذا رأي سديد ( ).

3- جهوده في خدمة العلم والعلماء :

قام الوزير بن هبيرة بعمارة مدرسة بناها بباب البصرة تكاملت في سنة 557ه وأقام فيها الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم أبو الحسن البراندسي ( ) وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء ويبذل لهم الأموال فكانت السنة تدور وعليه ديون، وقال : وما وجبت عليَّ زكاة قط وكان إذا استفاد شيئاً من العلم، قال : أفادينه فُلان فكان ينسب العلم لأهله وهذا من بركة العلم ومن الأمانة العلمية. قال ابن الجوزي : وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول : أفادنيه ابن الجوزي، فكنت استحي، وجعل لي مجلساً في داره كل جمعه، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأُ عنده كثيراً، فأعجبه، وقال لزوجته : أريد أن أزوّجه بابنتي، فغضبت الأُّمُّ. وكان يُقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة فخالف فيها الجمع، وأصَّر، فقال الوزير: أحمار أنت أما ترى الكُلَّ يخالفونك؟ فلما كان من الغد، قال للجماعة إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل مالا يليق، فليقُل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحِدكم فضبَّح المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، قال : أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول : القِصاصَ القِصاصَ فلم يزل حتى قال يوسف الدَّمشقيَّ : إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير : له حكمه. فقال الفقيه : نِعُمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي ؟ قال : لابُدَّ. قال : عليَّ دين مئة دينار. فأعطاه مئتي دينار، وقال لإبراء ذِمَّتِه، ومئة لإبراء ذمَّتي ( ) . قال ابن الجوزي : كان الوزير يتأسَّفُ على ما مضى، ويندم على ما دخل فيه، ولقد قال لي : كان عندنا بالقرية مسجدُ فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدثتُ نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين : أقعُدُ أنا وأنت وحاصلها يكفينا، ثم انظر إلى ما صِرتُ ( ) ، وكانت لابن هبيرة جهود علمية ومن أشهرها، تأليفه كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم ومن شروحه الجميلة في هذا التصنيف شرحه للحديث القدسي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي أحبَّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ( ) . فقد قال في قوله : ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته : لأن التقرب بالنوافل يكون تلو أداء الفرائض، بدليل أنها ذكرت بعد ذكر الفرائض، يعني إذا أدام العبد التقرب بالنوافل أفضى ذلك إلى أن يحبه الله. ثم قال سبحانه : " فإذا أحببته كنت سمعه " وهذا لا أراه إلا أنه علامة، وأنه لمن يكون الله قد أحبه أن يكون هو سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وتصوير ذلك أنه لا يسمع مالم يأذن الشرع في سماعه ولا يبصر مالم يأذن الشرع في إبصاره، ولا يمد يداً إلى مالم يأذن الشرع له في مدها إليه، ولا يسعى برجل إلا فيما أذن الشرع له في السعي بها إليه، فهذا هو الأصل، إلا أنه قد يغلب على عبد ذكر الله حتى يعرف بذلك، فإذ خوطب بغيره لم يكد يسمع لمن خاطبه حتى يتقرب إليه بذكر الله، غير أهل ذكر الله؛ توصلاً إلى أن يسمع لهم، وكذلك المبصرات والمتناولات والسعيَّ إليها وتلك طبقة عالية نسأل الله أن يجعلنا من أهلها ( ).

4- تواصله مع نور الدين زنكي :

كان ابن هبيرة مهتما بدعم نور الدين في جهوده ضد الصليبيين وكان يتابع عن كثب المشروع النوري لفتح مصر وقد حكى ابن المارستانية في سيرة بن هبيرة الوزير قال : إنه من عجيب ما جرى في أمر المصريين أنه رأى إنسان من أهل بغداد في سنة خمس وخمسين وخمس مئة، كأن قمرين أحدهما أَنْوَرُ من الآخر، والأنور منهما مُسامت للقبلة وله لحية سوداء فيها طُول، ويهبُّ أدنى نسيم فيحرَّكُها، وأثر حركتها وظلها في الأرض، وكان الرجل يتعجَّب من ذلك، وكأنه سمع أصوات جماعة يقرؤون بألحان وأصوات لم يسمع قط مثلهان وكأنه سأل بعض من حضر فقال : ما هذا ؟ فقالوا : قد استبدل النّاس بإمامهم. قال الرجل قد استقبل القبلة وهو يدعو الله أن يجعله إماماً بّراً تقيّاً، واستيقظ الرّجل وبلغ هذا المنام ابن هبيرة الوزير إذ ذاك ببغداد، فعبَّر المنام بأنَّ الإمام الذي بمصر يُسْتَّبدُل به، وتكون لبني العباس لمكان اللَّحية السوداء وقوي هذا عنده حتى كاتب نور الدين حين دخل أسد الدَّين إلى مصر في أوَّل مرة بأنه يظفر بمصر وتكون الخطبة لبني العباس بها على يده ( ).

5- وفاته وهو ساجد :

كان ابن هبيرة يسأل الله الشهادة ويتعرض لأسبابها، وفي ليلة ثالث عشرة جُمادي الأولى سنة ستين وخمس مئة استيقظ وقت السَّحَر، فقاء، فحضر طبيُبُه ابن رشادة، فسقاه شيئاً، فيقال: إنه سمَّه فمات، وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سُمّاً، فكان يقول : سَقَيْتُ فُسقيت ( )  قال ابن الجِوزي : .. ورأيتُ أنا وقت الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس، فدخل رجل بيده حربة، فضربه بها، فخرج الدم كالفَّوارة، فالتفتُّ فإذا خاتم ذهب، فأخذته، وقلت : لمن أُعطيه ؟ أنتظر خادماً يخرج فأُسلَّمهُ إليه، فانتبهت فأخبرت من كان معي، فما استتممت الحديث حتى جاء رجل، فقال : الرجل : هذا محال، أنا فارقته في عافية أمس العصر، فنفَّذوا إليَّ، وقال لي ولده لابد أن تغسله فغسلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم، ورأيت آثاراً بجسده ووجهه تدلُّ على أنه مسموم وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البِرَّ والعدل، ورثته الشعراء ( ) وذكر أبو شامة بأنه توفي وهو ساجد في صلاة الصبح ( ) . وقال عنه : وهو الذي محا رسوم سلاطين العجم من العراق وأجلاهم عن خطتها بحسن تدبيره. ومن كلامه لبعض من كان يأمر بالمعروف : اجتهد أن تستر العُصاة فإن ظهور معاصيهم عيب في الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب ( ). وقال ابن كثير في إحداث سنة إحدى وستين وخمسمائة : وفيها أظهر الرّوافض سبَّ الصحابة وتظاهروا بأشياء منكرة ولم يكونوا يتمكَّنون منها في هذه الأعصار المتقَّدمة؛ خوفاً من ابنِ هبيرة ( ) رحم الله ابن هبيرة وكثر الله من أمثاله في عصرنا.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق