165
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السابع:الإمام عبد القادر الجيلاني وجهوده في الدعوة الشعبية والإصلاح العام:
تاسعاً :الخطوط العريضة لدعوته الإصلاحية:
8- صفاته ووفاته :
وصف موفق الدين ابن قدامة المقدسي الشيخ عبد القادر فقال : كان الشيخ عبد القادر نحيف البدن ربع القامة عريض الصدر، عريض اللحية وطويلها، أسمر مقرون الحاجبين أدعج العينين، ذا صوت جهوري وسمت وقدر ( ) ، وكان وافر النشاط دائم الحركة يرى في الشتاء وكأنه في الصيف يتصبب العرق من جسده ( )، وكان يلبس هيئة مخصوصة ويتطليس ويركب البغلة وترفع الغاشية بين يديه ( ) .
وقد أطنب المؤرخون الذين ترحموا لعبد القادر في وصف أخلاقه، فذكروا أن سكوته كان أكثر من كلامه، فإذا تكلم كان كلامه على الخواطر، وكان دائم البشر شديد الحياء، لين الجانب وكانت له عناية بالفقراء والمساكين فقد كان يجالس الفقراء ويغلي لهم ثيابهم ويقف مع الصغير ولكنه يحرص على أن لا يقوم لأحد من العظماء وأعيان الدولة وكان لا يرد سائلاً وكان يكرم جليسه بحيث لا يظن أن أحداً أكرم عليه منه، ويتفقد من غاب من أصحابه ويسأل عن شأنهم ويحفظ ودهم ويعفو عن سيئاتهم ويصدق من حلف له ويخفي علمه فيه وكان يأمر كل ليلة بمد السماط ويأكل مع الأضياف والفقراء، وكان إذا أهديت له هدية فرقها أو بعضها على من حضر ويكافيء عليها مهديها ( ) ، مع أنه لم يكن يخرج من مدرسته إلا للمسجد أو الرباط فقد كان سريع الذهاب لمشاركة الناس أحزانهم، فلو راجعنا ماكتبه ابن الجوزي، وابن رجب، وسبط ابن الجوزي، وابن خلكان، والذهبي، وابن العماد الحنبلي لوجدنا الكثير من المتوفين المشهورين من العلماء وأرباب الخير يقال عن وأحدهم " صلى عليه الشيخ عبد القادر ( ) وكان الإقبال على الطاعة والخضوع إلى الله وكان كثير الذكر دائم الفكر سريع الدمعة ( ) ، وكان له حنطة مرباة من الحلال بيد بعض أصحابه من الرستاق يزرعها له كل سنة وكان بعض أصحابه يطحنها ويخبز له منها ويكون غذاؤه ( ) منها وكان لا يمس الذهب بيده فإذا جاء أحد بذهب قال له : ضعه تحت السجادة، فإذا جاء خادمه قال له : ما تحت السجادة وأعطه الخباز والبقال . ( )
- وفاته: أجمع المؤرخون على أن الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله قد توفي عام
561ه ( ) ، وقد عاش عبد القادر إحدى وتسعين سنة ( ) وقيل : إنه لم يمرض في حياته مرضاً شديداً سوى مرض موته الذي دام يوماً وليلة فقط ( ).
وقد سأله ابنه عن مرضه فقال له : لا يسألني أحد عن شيء، أنا أتقلّب في علم الله عز وجل، إن مرضي لا يعلمه أحد، ولا يعقله أحد، وسأله ابنه الشيخ عبد الجبار ماذا يؤلمك من جسمك؟ فقال رحمه الله : جميع أعضائي إلا قلبي فما به ألم وهو مع الله عز وجل وكان يقول رحمه الله تعالى : أنا لا أخاف من أي إنسان، أنا لا أخاف من الموت، ولا من ملك الموت.
وكان يرفع يديه ويمدهما وهو يقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أتاه الحق وسكرة الموت فجعل يردد : استعنت بلا إله إلا الله سبحانه من تعزَّز بالقدرة، وقهر عباده بالموت، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد تعذر عليه التلفظ بكلمة : تعزز فظل يرددها حتى تلفظ بها، ثم أخذ يردد : الله، الله، الله ، حتى خفي صوته ولسانه ملتصق بسقف حلقه، ثم خرجت روحه الكريمة رحمه الله ( ) .
وقبل وفاته سأله ابنه عبد الوهاب الوصية فقال له : عليك بتقوى الله عز وجل وطاعته ولا تخف أحداً سوى الله، ولا ترج أحداً. سوى الله، وكل الحوائج كلها إلى الله عز وجل، وأطلبها جميعها منه، ولا تثق بأحد سوى الله عز وجل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، وعليك بالتوحيد، التوحيد، جماع الكل التوحيد. ثم قال : مّروا بأخبار الصفات على ما جاءت، الحكم يتغير، والعلم لا يتغير، الحكم ينسخ والعلم لا ينسخ ( ).
وقد تّم دفنه ليلاً في مدرسته ولم يتمكن أهله وأصحابه من دفنه في النهار من كثرة الزحام، إذ خرج أهل بغداد وامتلأت الحلبة والأسواق والدروب، وقد ولد له تسع وأربعون ولدا، سبعة وعشرون ذكراً، والباقي إناثاً وتزوج أربع زوجات، وفيما يتعلق بزواجه قال الشيخ عبد القادر : كنت أريد الزوجة مدة من الزمان ولا أتجرأ على التزوج خوفاً من تكدير الوقت، فلما صبرت إلى أن بلغ الكتاب أجله ساق الله تعالى إليّ أربع زوجات، ما منهن إلا من تنفق على إرادة ورغبة ( ). ومن أقواله : الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربّك ( ) وقال عنه الذهبي : ليس من كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر لكن كثيراً منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة ( ).
وقال عنه ابن كثير : وانتفع به الناس انتفاعاً كثيراً، وله سمت حسن وصمت عن غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه زهد كبير، وله أحوال ومكاشفات ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات ويذكرون عنه أقوالاً وأفعالاً ومكاشفات أكثرها مغالاة وقد كان صالحاً ورعاً وقد صنَّف كتاب "الغنية " " وفتوح الغيب " وفيها أشياء حسنة ولكن ذكر فيهما أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة وبالجملة كان من سادات المشايخ الكبار، قدّس الله روحه ونّور ضريحه ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق