157
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السابع:الإمام عبد القادر الجيلاني وجهوده في الدعوة الشعبية والإصلاح العام:
ثامناً :تأسيس الطريقة القادرية :
تنتسب الطريقة القادرية إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي يعتبر المؤسس الأول لها خصوصاً بشكلها الجماعي والمنظم والقائم على جمع المريدين وربطهم بمشايخ الطريقة لتأديبهم وتربيتهم، حيث كان التصوف في السابق يقوم على أساس فردي لا أثر له للتجمع فيه، ولم يظهر في شكل منظم تحت طريقه واحدة إلا في عهد الشيخ عبد القادر الجيلاني والمتتبع لظهور الطرق الأخرى يرى أنها جميعها إنما ظهرت بعد الشيخ عبد القادر الجيلاني ( ) ، والمطلع على سيرة الشيخ عبد القادر يرى في توجيهاته ووصاياه التي وصّى بها أتباعه الحرص على التمسك بالكتاب والسنة والالتزام بالأخلاق الحميدة وفيما يلي عرض لأبرز معالم الجانب النظري لهذه الطريقة :
1- التأكيد على التمسك بالكتاب والسنة يقول رحمه الله وهو يوجَّه وصيته إلى ولده عبد الرزاق :
أوصيك بتقوى الله وطاعته ولزوم الشرع وحفظ حدوده، وتعلم يا ولدي وفقنا الله وإياك والمسلمين أن طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة وسلامة الصدر وسخاء اليد وبذل الندى وكف الجفا وحمل الأذى والصفح عن عثرات الإخوان ( )، ويقول في موضع آخر : أدخل الظلمة بالمصباح وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن خطر خاطر ( )، أوجَّد الهام فأعرضه على الكتاب والسنة، فإن وجدت فيهما تحريم ذلك مثل أن تلهم الزنا والرياء ومخالطة أهل الفسق والفجور وغير ذلك من المعاصي فادفعه عنك وأهجره ولا تقبله ولا تعمل به واقطع بأنه من الشيطان اللعين ( ). ومن تركيز الشيخ الجيلاني على أهمية التمسك بالكتاب والسنة أن جعلهما المقياس في ربط العلاقات الشخصية بالآخرين بقوله : إذا وجدت في نفسك بغض شخص أو حبه فأعرضه على الكتاب والسنة ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ( ).
2- خلو طريقته من الأفكار والفلسفات التي كانت سائدة في عصره نتيجة ترجمه المعارف اليونانية وتأثيرها على العقول والأفهام، حتى وقع في حبائلها كثير من المتصوفة فاستخدموا ألفاظها ومصطلحاتها مثل الهيولي ( ) ، والعرض، والجوهر ( ) .
3- تركيزه على الاهتمام بالجوانب العملية :
وتجنب الإغراق في الأمور النظرية والمقدمات الجدلية العقيمة دليل ذلك ما طبقه في حياته وماربَّى عليه أتباعه وما وضعه من أصول لطريقته التي تعتمد على سبعة أصول هي : المجاهدة، التوكل، حسن الخلق، الشكر، الصدق، الرضا، الصبر ( ) . وقد تحدثنا عن هذه الأصول بالتفصيل في مبحث المقامات والأحوال.
4- وضعه لمجموعة من الأداب والتعاليم التي يجب أن يتعامل بها المنتسب لطريقته سواء مع النفس أو مع الشيخ أو مع الناس، وقد تكلمنا عن ذلك.
5- تأكيده على وجوب تعظيم أوامر الله سبحانه وامتثالها والبعد عن نواهيه واجتنابها والرضا بأقدار الله والاستسلام لها يقول : رحمه الله :
لابد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء أمر يمتثله ونهي يجتنبه وقدر يرضى به، فأقل حالة المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة فينبغي أن يلزم همها قلبه، ويحدث بها نفسه ويؤاخذ الجوارح بها في سائر أحواله ( ) . وقد شرح ابن تيمية - كلام الشيخ عبد القادر واستحسنه بقوله : هذا كلام شريف جامع يحتاج إليه كل أحد، وهو تفصيل لما يحتاج إليه العبد وهي مطابقة لقوله تعالى : " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " (يوسف، آية : 90) ولقوله تعالى : " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " (آل عمران، آية : 120) . ولقوله تعالى : " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور "(آل عمران ، آية : 186) فإن التقوى تتضمن فعل المأمور وترك المحظور والصبر يتضمن الصبر على المقدور فالثلاثة ترجع إلى هذين الأصليين، والثلاثة في الحقيقة ترجع إلى امتثال الأمر وهو طاعة الله ورسوله وهو أن يفعل في ذلك الوقت ما أمر به في ذلك الوقت وطاعة الله ورسوله هي عبادته التي خلق لها الجن والإنس كما قال الله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات ، آية : 56) وقال تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " (البقرة، الآية : 21). والرسل كلهم أمروا قومهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً وقال تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " (النحل، آية : 36).
وقال تعالى : " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون " (الزخرف، آية : 45) ثم مضى - رحمه الله - في توجيه كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني وشرح مراده من تلك العبارات ( ) .
هذه هي أهم الأسس التي أوصى بها الشيخ عبد القادر وأتباعه المنتسبين لطريقته ( ). وقد أثنى ابن تيمية على الشيخ عبد القادر الجيلاني واعتبره من ضمن أئمته فقد قال : .. والذي نختار قول أئمتنا .. ومن متأخريهم الشيخ الإمام أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلاني.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق