123
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الرابع
المدارس النظامية في عهد السلاجقة
المبحث الثاني :الإمام الشافعي وأثره في المدارس النظامية :
سابعاً : عقيدته في الصحابة :
قال الشافعي رحمه الله : وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل – يشير إلى قوله تعالى : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار – رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزُّرَّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً " (الفتح، آية : 29) وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنّاهم بما آتاهم من ذلك أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين هم أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعملوا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا ومن أدركنا ممن نرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا وما صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم أن اجتمعوا وقول بعضهم أن تفرقوا فهكذا نقول ولم تخرج من أقاويلهم وإن قال واحد منهم ولا يخالفه أحد غيره أخذنا بقوله ، وفي هذا النص تعظيم عظيم للصحابة ومعرفته لحقهم ولعلو منزلتهم في الإسلام وهو ما يعتقده كل أهل السنة والجماعة .
وقال رحمه الله : ما أرى أن الناس ابتلوا بشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليزيدهم لله بذلك ثوابا عند انقطاع عملهم وفي رواية الربيع بمعناه وقال " إلا ليجزي الله عز وجل لهم الحسنات وهم أموات ، ولا شك أن هذا حاصل لهم بإذن الله لأنه الله توعد من اغتاب المسلمين أو سبهم بالأخذ من حسناته إلى من سبهم كما في حديث المفلس وفيه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه عن المفلس فقالوا : المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم فقال صلى الله عليه وسلم المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، كأمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته ثم يلقي في النار ، فإذا كان هذا ثابتاً لعامة المسلمين فثبوته لصفوتهم وخيرهم وأفضلهم من باب أولى .
1-فضل الخلفاء الراشدين ودرجتهم بين الصحابة : قال رحمه الله في فضل الخلفاء الراشدين ودرجتهم بين الصحابة : قال رحمه الله في فضل الخلفاء الراشدين ودرجتهم بين الصحابة أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم ، وقال : التفضيل يبدأ بأبي بكر وعمر، وعثمان وعلي ، وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول في التفضيل : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
2-سكوته عن ما شجر بين الصحابة : ومن اعتقاده رحمه الله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سكوته عن كل ما شجر بينهم رضي الله عنهم وروى رحمه الله بسنده أن عمر بن عبد العزيز سئل عن قتلى صفين فقال : تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب لساني بها. قال الشافعي رحمه الله معلقاً على هذا القول : هذا حسن جميل لأن سكوت الإنسان عم لا يعنيه هو الصواب ، وكان رحمه الله يقول للربيع : أقبل مني ثلاثة أشياء لا تخض في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإن خصمك النبي صلى الله يوم القيامة ولا تشتغل بالكلام فإني أطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم ولا تشتغل بالنجوم فإنه يجر إلى التعطيل .
3-موقفه من أصحاب الفرق البدعية والشيعة الرافضة : قال البويطي سألت الشافعي أصلى خلف الرافضي ؟ قال : لا تصلي خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجئ. قلت صفهم لنا. قال : من قال الإيمان قول فهو مرجئ ومن قال : إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري ، وقال أبو حاتم سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول أجيز شهادة أهل الأهواء كلهم إلا الرافضة فإنهم يشهد بعضهم لبعض ، وكان الشافعي إذا ذكر الرافضة عابهم أشد العيب فيقول شر عصابة ، وقال : لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة وقال في الرافضي يحضرالوقعة : ولا يعطي من الفئ شيئاً لأن الله تعالى ذكر آية الفيء ثم قال : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " ( الحشر، آية : 109)، فمن لم يقل بها لم يستحق قال القرطبي : هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً من الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم وأن من سبهم أو واحداً منهم أو أعتقد فيهم شراً أنه لا حق له في الفيء روي ذلك عن مالك وغيره قال مالك : من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ثم قرأ " والذين جاءوا من بعدهم " . ولعل الإمام الشافعي رحمه الله أخذ هذا القول عن الإمام مالك فهو شيخه كما هو معلوم .
4-الشافعي واتهامه بمذهب الشيعة الرافضة : ومع هذا الوضوح في عقيدة الإمام الشافعي وبعده عن مذهب الشيعة الرافضة وتبديعه لهم ورده لشهادتهم ومنعه من الصلاة خلفهم نجد من يتهم الإمام بالتشيع وهذا من أعجب العجب فمن صدرت منه كل هذه الأقوال في حق الشيعة كيف يتهم بالتشيع وقد مر بنا موقفه من الصحابة عموماً وموقفه من الخلفاء الراشدين وموافقته لأهل السنة في ترتيب الخلفاء فكيف ينسب إلى التشيع . قال البيهقي : ومما حكي عن أبي داود السجستاني أن أحمد بن حنبل أخبر أن يحي بن معين ينسب الشافعي إلى التشيع فقال أحمد : تقول هذا لإمام المسلمين قال يحي : إني نظرت في كتابه في قتال أهل البغي، فإذا قد احتج من أوله إلى آخره بعلي رضي الله عنه فقال أحمد : عجباً لك، فيمن كان يحتج الشافعي في قتال أهل البغي وأول من ابتلى من هذه الأمة بقتال أهل البغي علي بن أبي طالب وهو الذي سن قتالهم وأحكامهم ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء غيره فيه سنة فيمن كان يستن فخجل يحي من ذلك ، وروى البيهقي بسنده عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل وسئل عن محمد بن إدريس الشافعي قال أحمد : لقد من الله علينا به لقد كنا تعلمنا كلام القوم وكتبنا كتبهم حتى قدم علينا الشافعي، فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا معه إلا كل خير رحمة الله عليه فقال له رجل : يا أبا عبد الله فإن يحي بن معين وأبا عبيد لا يرضيانه : يعني في نسبتهما إياه إلى التشيع فقال أحمد لمن حوله : أعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئاً من العلم وحرمه قرناؤه وأشكاله حسدوه فرموه بما ليس فيه. وبئست الخصلة في أهل العلم . وقال ابن كثير بعد ذكر بعض النصوص من عقيدة الإمام الشافعي في الخلفاء وفيها موافقته لأهل السنة في ذلك فهذه أسانيد صحيحة، ونصوص صريحة عن الإمام أبي عبد الله الشافعية في مذهب أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً . فتبين لهذا قول أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي إنه شيعي وهذا القول من العجلي مجازفة بلا علم وإنما غرّه في ذلك ما قدمناه من أن أهل اليمن لما رموه في جملة أولئك القرشيين وحمل معهم إلى الرشيد وكانت فيهم تشيع اعتقد من لا يعلم أن الشافعي إذ ذاك على مذهبهم وإلا فالإمام الشافعي أعظم محلاً وأجل قدراً من أن يرى رأي الشيعة الرافضة وهو ذو الفهم التام والذكاء الزايد
والحفظ الخارق والفكر الصحيح والعقل الرجيح ثم ذكر الأدلة على متابعته لمذهب السلف من الصحابة ... ثم ذكر الأبيات الموهمة لتشيعه وهي :
يا راكبا قف بالمحصب من منى
واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى
فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
ثم قال : قلت : ليس برفض حب آل محمد وكل أهل السنة يحبون آل محمد صلى الله عليه وسلم ويجب عليهم ذلك كما يجب عليهم حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ومع حب الآل يقدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي كل نص عليه الشافعي وأئمة الإسلام . وكما رد ابن كثير هذه التهمة فقد ردها الذهبي حيث يقول : من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر لا يدري ما يقول. وقال : لو كان شيعياً وحاشاه من ذلك لما قال الخلفاء الراشدين خمسة بدأ بالصديق وختم بعمر بن عبد العزيز ، والصحيح أن خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي رضي الله عنه وقد بينت ذلك في كتابي عن الحسن بن علي رضي الله عنه ونقلت أقوال أهل العلم في ذلك. ومما يشهد للشافعي على سلامته من عقيدة الشيعة غير ما سبق رده على زعم الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي رضي الله عنه قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال يعني بذلك ولاء الإسلام وذلك قول الله تعالى : " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم " (محمد ، آية : 11).
وبهذا يتبين لنا براءة الإمام الشافعي مما اتهم به من التشيع وبعده عن ذلك، وموافقته لمذهب أهل السنة والجماعة . قال الإمام سحنون لم يكن في الشافعي بدعة، فصدق والله فرحم الله الشافعي وأين مثل الشافعي والله في صدقه وشرفه ونبله وسعة علمه وفرط ذكائه ونصره للحق وكثرة مناقبه رحمه الله تعالى . إن تراث الإمام الشافعي في العقائد تلقته الأمة بالقبول لموافقته منهج أهل السنة والجماعة، واستفادة منه المدارس النظامية في عهد السلاجقة وساهم في البعث الحضاري للأمة وكان من اللبنات التي أسست البناء الشامخ لأهل السنة والذي ساهم في صدالمد الباطني الرافضي الذي كانت تدعمه الدولة الفاطمية وكان فكر الإمام الشافعي وتراثه الفقهي من الأسس المهمة التي بنى عليها مشروع النهوض والتصدي للصليبين في عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك ومن الدروس المهمة التي نستخرجها أهمية التراث الفكري والعقائدي للعلماء في بناء النهوض الحضاري، فلربما يساهم تراث بعض المصلحين في نهضة الأمة بعد وفاته بقرون، كالذي نراه في دراستنا الحالية لسيرة الإمام الشافعي، ولذلك اعتبره بعض الباحثين من المجددين لكون كتبه وآثاره ذائعة مشهورة، وأحدث نقلة نوعية في حياة الناس، فلعل أحداً من المجددين لم يبلغ الإمام الشافعي في ذلك، فقد ذاع صيته، وطارت شهرته في الآفاق، وتناقل العلماء وطلبة العلم كتبه، ورحل إليه أهل الحديث والفقه من شتى أطراف العالم الإسلامي، ليأخذو عنه العلم وظلت كتبه وآثاره محجة للأجيال التي جاءت من بعده وإلى يوم الناس هذا .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق