118
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السادس:أهمية التربية والتعليم في النهوض الحضاري:
ثالثاً :ميادين العلوم في العهد الزنكي:
4- علوم الطب والصيدلة :
- الطب :
علم الطب يبحث فيه عن بدن الإنسان، من جهة يصح ويمرض لحفظ الصحة، وإزالة المرض، وفائدته : بيّنة لا تخفى وكفى بهذا العلم شرفاً وفخراً : قول الإمام الشافعي – رحمه الله - : العلم عِلمان : علم الطب للأبدان، وعلم الفقه للأديان ( ) . وقد تقدم وارتفع شأن الطبّ في العهد الزنكي وتقدمت وسائل دراسته ولعل من انتشار البيمارستانات في المدن الزنكية واهتمام الحكام والأمراء بإنشائها ووقف الكتب الطبية في ذلك العهد والتي كانت من نتائجها بروز عدد كبير من الأطباء الذين أثروا المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات الطبية التي كان لها مع ما سبقها من دراسات أثر كبير في إثراء الدراسات الطبية في العصور التي تلتها، استمراراً حتى العصر الحاضر وممن برز في هذا الميدان : الطبيب أفضل الدولة أبو المجد محمد بن أبي الحكم المتوفى سنة 570ه/1174م ( ) ، الذي اشتهر بالتدريس بالبيمارستان النوري بدمشق زمن الملك العادل نور الدين محمود، وكان نور الدين قد أوكل إليه مهمة التطبيب في ذلك البيمارستان بعد إنشائه، وقد وصف لنا ابن أبي أصيبعة كيف كان ابن أبي الحكم يتفقد المرضى بنفسه، وطريقته في تدريس الطب في ذلك البيمارستان، ومناقشاته مع طلابه، ولكنه لم ينسب إليه أي كتاب ألّفه في الطب ( )، وممن اشتهر بالطب في هذا العهد أبو جعفر عمر بن علي بن البذوخ القلعي المغربي المتوفي سنة خمس أو ست وسبعين وخمس مئة (1179 – 1180م) ( ) ، وكان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المفردة والمركبة، وله حسن نظر في الإطلاع على الأمراض ومداواتها، أقام بدمشق سنين كثيرة، وكانت له دكّان عطر بدمشق يجلس فيها ويعالج من يأتي إليه، أو يستوصف منه، وكان له عناية بالكتب الطبية والنظر فيها، وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها، وكانت له مع ذلك عناية بعلم الحديث وله شعر كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحول وعُمرّ بن البذوخ عمراً طويلاً، وضعف عن الحركة حتى إنه كان لا يأتي إلى دكانه إلا محمولاً، وعمي في آخر عمره حتى توفي ( )، ولابن البذوخ من الكتب الطبية " شرح كتاب الفصول لأبقراط " وشرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط أيضاً، وله كتاب " ذخيرة الألباء" والمفرد في التأليف عن الأشياء " وله حواشي وضعها على كتاب " القانون لابن سينا ( )".
- الصيدلة :
ويقصد بها علم الأدوية وتركيباتها وهي متصلة بعلم الأعشاب " النبات" وبعلمي الحيوان والمعادن وبالكيميا، فإن الأدوية نباتية وحيوانية ومعدنية، ثم هي تحتاج إلى معالجة وإلى نسب في التركيب تقتضي المعرفة بالكيمياء ( )، ونظراً لعدم توفر المعرفة التامّة بطرق التحاليل الكيميائية في تلك العصور، فقد نظم المسلمون مهنة الصيدلة، فجعلوا على الصيادلة نقيباً يسمى رئيس العشّابين، وأخضعوا تلك المهنة لرقابة عريف الحسبة حتى يحولوا دون غش الدواء ( )، وقد برع الأطباء المسلمون في تركيب الأدوية بنسب معينة، وبرز خلال العهد الزنكي عدد من المتخصصين في تركيب الأدوية "الصيدلة" كانوا في الأصل أطباء فقد ذكر ابن أبي أصيبعة على الطبيب بن البُذوخ المغربي المتوفى سنة 575ه أو 576ه (1179م -1180م) ( ) ، كان خبيراً بمعرفة المفردة المركبة، وكانت له دكان عطر بدمشق يجلس فيها، ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه، وأنه كان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركبة يصنعها من سائر المعاجين والأقراص والسفوفات وغير ذلك، يبيع منها وينتفع الناس بها ( ) ، كما ذكر أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي (المتوفى سنة 610ه/1213م) في كتابه المختارات في الطب كثيراً من أنواع المأكولات وأثرها على الصحة وأنواع العلاجات والأدوية وكيفية استخراجها ( ).
لقد ركزت السلطة القائمة في العهد الزنكي على إحياء العلوم الشرعية والعناية بها بالدرجة الأولى لأسباب كثيرة من أبرزها الحرص على الدفاع عن العقيدة الإسلامية أمام الحركات الفكرية والسّرية – الهّامة – والتي كانت تستهدف تشكيك المسلمين في العقيدة الإسلامية توطئة للسيطرة عليهم، وعلى رأس هؤلاء فرقة الباطنية لذا تقلصت الدراسات الفلسفية ودراسة المنطق التي تخدم الفكر الشيعي الباطني، وتحقّق لعلماء الشريعة فرصة الوصول إلى مراكز التوجيه الفكري والثقافي في هذا العهد كما صاحب هذا النشاط في ميدان العلوم الشرعية نشاط آخر في ميدان الدراسات اللغوية والأدبية، والتاريخية والجغرافيا كما قُدمت دراسات علمية راقية في ميدان الرياضيات بفروعها المختلفة، وفي علم الفلك والميقات، إضافة إلى الاهتمام بالدرسات الطبية والصيدلة والتي كان مجالهما داخل البيمارستانات المنتشرة في المدن الزنكية، وبرز من بين العلماء المشتغلين بتلك العلوم علماء كان لهم أثر كبير في إثراء المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات المتخصصّة والتي ظلت مرجعاً للبحوث العلمية حتى الوقت الحاضر ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق