111
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السادس:أهمية التربية والتعليم في النهوض الحضاري:
ثانياً :فئات الطلاب:
2- طلاب المرحلة العليا :
يُطلق على هذه الفئة من الطلبة في بعض الأحيان لقب "الفقهاء" وقد غلب إطلاق هذا اللقب في العهد الزنكي على طلاب المدارس ( ) ، ويمكن تصنيف هذا النوع من الطلبة إلى صفين : طلبة عارضين، وآخرين منتظمين، فالصف الأول يشمل أعداداً كبيرة من أصحاب الحرف والعمّال وغيرهم ممن يحضر الدروس بين حين وآخر، ولاسيما مجالس الوعظ والإملاء وحلق التعليم العامة، غير أنهم لا يواصلون دراستهم ولا يواظبون على الحضور، وهؤلاء يمثلون أضعاف أعداد الطلاب المنتظمين، أما الصنف الآخر فهم الطلبة المنتظمون، وكانوا يقضون شطراً كبيراً من حياتهم في طلب العلم وحده، ولكن ذلك لا يمنع اشتغالهم بكسب الرزق ( ) وكانت المساجد تقوم بالتدريس ولا يشترط في من يريد التعلم عدد معين ويختلف الوضع بالنسبة للمدارس، إذ كان يجلس أمام المدرس فيها عدد معين من الطلاب لا يصح تجاوزه في الغالب، ثم إن هذا العدد قليل جداً إذا قيس بأعداد طلاب الحلق في المساجد وكان مما جرت عليه العادة في المدارس أن يعين منشيء المدرسة أو وقفها مدرساً لها، ويُحدد في الوقت نفسه عدد الطلاب الذين يسمح لهم الالتحاق بها كما حصل في المدرسة النورية بالموصل حيث حدد واقفها نور الدين أرسلان شاه عدد الطلاب بستين طالباً من فقهاء الشافعية ( )، وكذلك في المدرسة العصرونية بدمشق والتي شرط فيها واقفها ألا يزيد عدد طلبتها على عشرين طالباً من الشافعية وغيرهم ( ) وكان طلاب العلم يحصلون على مرتبات ونفقات تحصل في الغالب من موارد الوقف المخصص للحلقة أو المدرسة وقد اشتهرت بعض مدارس العهد الزنكي بوفرة ما يناله منسوبوها من الأموال، والمأكولات والملابس، والهدايا في المناسبات، كما كانت عليه المدرسة العُزية بالموصل والحلاوية بحلب والنورية الكبرى في دمشق ( ) وغالباً ما يزدحم الطلبة على مثل هذه هذه المدارس لغني مخصصاتها ( ) . كما حرص واقفوا المدارس في العهد الزنكي على توفير كافة احتياجات الطلبة الدارسين فيها وبالأخص المسكن الملائم لهم كي يجد الطلبة الغرباء، والفقراء المناخ المناسب لتلقي العلم، فكأن من مكملات المدارس إنشاء مرافق تُلحق بها تخصّص لسكني الطلبة الغرباء والفقراء، وقد حدثنا الرحالة الأندلسي ابن جُبير عما شاهده في دمشق من التسهيلات المغرية لطلاب العلم، ومنها هذه المرافق فقال : ومرافق الغرباء بهذه البلدة أكثر من أن يأخذها الإحصاء ولاسيما لحفاظ كتاب الله عز وجل، والمنتمين للطلب ...وهذه البلاد المشرقية كلها على هذا الرسم، لكن الاحتفال بهذه البلدة أكثر والاتساع أوجد. فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل إلى هذه البلاد ويتغرب في طلب العلم، فيجد الأمور المعُينات كثيرة، فأولها فراغ البال من أمر المعيشة، وهو أكبر الأعوان وأهمّها ( ) وقد حرص المربون في العهد الزنكي وبعده أن يسدوا الوصايا والتوجيهات التربوية للطلبة أثناء تلقيهم العلم وكان من أهم تلك الوصايا والتوجيهات ما يأتي :
- أن يخلص الطالب نيته في طلب العلم وذلك بأن يقصد بعلمه وجه الله تعالى والعمل بما يعمل وأن يحذر أن يكون هدفه الأصلي من علمه طلب الرئاسة والمال والجاه ( ) .
_ أن يحرص الطالب على وقته بأن يبادر باغتنام فرصة الشباب لاكتساب العلم، وأن يعلم بأن كل ساعة تمضي من عمره لابد لها، ولا عوض، لذلك يجب على طالب العلم أن يقلل من الانشغال عن الدراسة قدر الإمكان ( ) .
_ كما ينبغي لطالب العلم أن يصبر ويثبت على أستاذ وعلى كتاب، حى لا يتركه أبتر، وعلى فن حتى لا يشتغل بفن آخر قبل أن يتُقن الأول، وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة، فإن ذلك كله، يفرق الأمور، ويشغل القلب، ويُضيع الأوقات ويؤذي المعلم ( ).
_ وعلى الطالب أن يلتزم بالورع في جميع شؤونه، وأن يتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه، وفي جميع ما يحتاج إليه ... وذلك ليستنير قلبه ويصلح لقبول العلم ونوره والنفع به ( ) .
وفيما يتصل بالعلاقة بين الطالب وأستاذه، فإن هناك جملة آداب كفلت للمدرس حق الاحترام والطاعة من طلابه إذ كان على الطالب أن يُوفيه تلك الحقوق كاملة من غير نقص ويمكن اختصارها في الأمور الآتية :
_ من آداب الطالب مع أستاذه إذا دخل عليه أن يكون كامل الهيئة متطهر البدن والثياب، يستأذنه في الدخول وكذلك في الانصراف وأن يكون دخوله لقاعة الدرس قبل حضور المدرس ( ).
_ أن يجلس بين يدي أستاذه بأدب مصغياً إليه بانتباه، وألا يتشاغل أثناء الدرس ولا يكثر حركة يديه، ولا رجليه ولا يعبث بشيء، أو يكثر الكلام بغير حاجة إلى غير ذلك من الأخلاق الذميمة ( ) .
- كما يلزم على الطالب أن يحُسن مخاطبة شيخه، وألا يقاطعه، أو يخالفه، وأن يتلطف في سؤاله، وأن يحذر من تكرار السؤال، وألا يسبق الشيخ إلى شرح مسألة أو جواب سؤال منه أو من غيره ( ) .
وإذا ناول الشيخ شيئاً ناوله باليمين، وإذا ناول الشيخ كتاباً ناوله إياه لفتحه والقراءة فيه ( ).
- وينبغي للطالب أن يدعو لشيخه مدة حياته ويرعى ذريته وأقاربه، بعد وفاته ..ويسغفر له ويتصدق عنه ( ) إلى غير ذلك من الواجبات التي كفلت للأستاذ حق الاحترام والتقدير من طلبته حتى تدوم العلاقة الحسنة بين ركني التعليم المدرس والطالب على الحب والمودة والتقدير من كلا الجانبين لتكتمل الفائدة ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق