106
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:
ثانياً:سياسة الانفاق في الخدمات الاجتماعية:
9-الإنفاق على الحصون والخانات و"المجال العمراني":
كان نور الدين محباً للبناء والعمران ولكن ليس لبناء القصور وأماكن اللهو والنزف، فقد كان أبعد الناس عن هذا المعنى، إنما العمران الذي يقضي الحاجة، ويخدم مصالح الأمة، كأسوار المدن والقلاع والحصون الضرورية لحماية السكان وصّد هجمات العدو، وإسكان الجند، وحفظ المؤن والأسلحة اللازمة للقتال، الأمر الذي كانت تقتضيه ظروف المواجهة مع الغزاة الفرنجة، ثم المساجد والمدارس ودور الأيتام والغرباء الضرورية لتربية الأجيال على الخير والصلاح، والمستشفيات والأسواق والخانات والحمامات والقنوات والقناطر والجسور لتسهيل العمل بالزراعة، والتجارة، من أجل تحقيق الكفاية وتحسين المعيشة وزيادة موارد الدولة، هذا هو العمران الذي أحبه نور الدين وأنفق القسم الأكبر من خزينة الدولة في سبيل تحقيقه ( ) فقد بنى أسوار مدن بلاد الشام جميعها وأصلح القلاع والحصون بعد الزلازل التي حصلت عام 552ه/ 1157م وكذلك بعد الزلازل التي وقعت عام 566ه/1171م ( ) ، وأنفق على ذلك أموالاً طائلة يقول ابن الأثير في ذلك : فمن ذلك أنه بنى أسوار بنى الشام جميعها وقلاعها فمنها حلب وحماه وحمص ودمشق وبارين وشيزر ومنبج وغيرها من القلاع والحصون وحصنها وأحكم بناءها وأخرج عليها من الأموال مالاً تسمح به النفوس ( ) ، وكنا قد تحدثنا بنوع من التفصيل عن المدارس والمستشفيات ودور الأيتام والمساجد ومن مظاهر العمران اسحدثها نور الدين بناء الأبراج على الطرق بين الإمارات الفرنجية وما جاورها من بلاد الشام حتى المدن الرئيسية (دمشق ، حلب ، حماه ، حمص) ووضع فيها حاميات صغيرة ومعهم الزاجل لينذروا من يليهم من بلاد المسلمين عن حركات الفرنجة، فيستعد المسلمون للقائهم، فكانت هذه الأبراج تعمل كنقاط مراقبة دائمة لتمرير المعلومات عن العدو ( ) وأما ما يتعلق بالمرافق العامة كالخانات والحمامات، والأسواق ودور الوضوء فقد تميزت مدن الشام بكثرتها وترتيبها ونظامها فقد وصف ابن جبير دمشق بقوله : وبهذه البلدة أيضاً قرب مئة حمام فيها وفي أرباضها وفيها نحو أربعين داراً للوضوء يجري الماء فيها كلّها، وليس في هذه البلاد كلها بلدة أحسن منها للغريب لأن المرافق بها كثيرة وأسواق هذه البلدة من أفضل أسواق البلاد وأحسنها انتظاماً، وأبدعها وصفاً ولاسيما قيسارياتها، وهي مرتفعة كأنها الفنادق مثقفة كلها بأبواب حديد كأنها أبواب القصور ( ). ويصف ابن جبير مدينة حلب بقوله : أما البلد فموضوعه ضخم جداً حفيل التركيب بديع الحسن واسع الأسواق كبيرها، متصلة الانتظام مستطيلة تخرج من سماط صنعة أخرى إلى أن تفرع من جميع الصناعات المدنية وكلها مشقف بالخشب فسكانها في ظلال وارفه وأكثر حوانيتها من الخشب البديع الصنعة، قد اتصل السماط خزانة واحدة، وتخللَّتها شُرف خشبية بديعة النقش وتفتحت كلها حوانيت فجاء منظرها أجمل منظر، وكل سماط منها يتصل بباب من أبواب الجامع المكّرم وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأجملها وحسنه أكثر من أن يوصف ويتصل به من الجانب الغربي مدرسة للحنفية تناسب الجامع حسناً وإتقان صنعة ( ) واتسعت مدن بلاد الشام وتضاعف عدد سكانها عدة مرات خلال عهد نور الدين( ). فقد كانت بنايات مدينة دمشق أحيانا – من ثلاثة طبقات "تحتوي من الخلق على ما تحتوي ثلاث مدن. وصار على ظاهر حلب من العمارة والمساكن أكثر من المدينة وصارت تعاني من كثرة العالم وامتدت بساتين دمشق من حولها إلى مسافة خمسة عشر ميلاً : ولم تبق مزرعة في جبل ولا واد إلا وفيها سكان ولها مُغل ومع أن نور الدين كان يركز في البناء والعمران على البساطة والمتانة إلا أنه كان يميل إلى تجميل البناء وتحسينه ليكون البناء متناسقاً حسن الصورة مع عدم المبالغة في الزخرفة والتزيين، فقد أحضر للمدرسة الحلاوية التي بناها في حلب قطعاً من الرّخام الشفاف من مدينة أفامياً، وأمر بتجميل محراب المدرسة العمادية في دمشق بفصوص من الذهب وبنى في قلعة دمشق داراً عامّة سمّاها دار المسّرة وأوقف بعض البساتين في دمشق على تطييب جوامعها ومدارسها ( ) . لقد شكلت الإنجازات الباهر المتعددة التي حققها نور الدين أركان نهضة الأمة. والجدير بالملاحظة والاعتبار أن نور الدين حقق هذه الإنجازات في ظل ظروف بالغة الصعوبة فقد كان في حالة حرب مستمرة مع الغزاة الفرنجة ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق