إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي (المقدمة ) الدكتور علي محمد محمد الصَّلاَّبي المقدمة


دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي (المقدمة )

الدكتور علي محمد محمد الصَّلاَّبي


المقدمة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " يأ أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
(آل عمران : 102).

يأيها الناس اتقَّوا رَبَكّم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " (النساء : 1).

" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً، (الأحزاب : 70،71).

يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى، فلله تعالى الحمد كما ينبغي لجلاله وله الثناء كما يليق بكماله، وله المجد كما تستدعيه عظمته وكبرياؤه أما بعد :

هذا الكتاب امتداد لما سبقه من كتب درست عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة، وقد صدر منها السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، أبو بكر الصديق، وعمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والحسن بن علي رضي الله عنهم جميعاً، والدولة الأموية وقد سميت هذا الكتاب دولة السلاجقة والمشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبين ويعتبر حلقة مهمة من ضمن سلسلة حلقات تاريخ امتنا والمتعلقة بالحروب الصليبية والتي نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لاتمامها وأن تكون خالصة لوجه الكريم ويطرح في كل الكتب القبول والبركة من عنده، وهذا الكتاب يتحدث عن السلاجقة وأصولهم وسلاطينهم ومواطنهم وبداية ظهورهم، وعن اتصال الأتراك بالعالم الإسلامي، وعن المشرق الإسلامي قبيل ظهور السلاجقة وعن الدولة السامانية والغزنوية والصراع الغزنوي السلجوقي، ومعركة دندانقان وقيام السلطنة السلجوقية ويتحدث عن الدولة القراخانية، وعن البويهيين وتشيعهم وإهانتهم للخلفاء العباسيين، وعن صلتهم بالقرامطة، وموقفهم من حماية حدود الدولة الإسلامية، وعن جهودهم في مناصرة حركة التشيع وإثارة التفرقة والنعرات الضيقة وإنشاءهم مراكز شيعية متخصصة في التأليف والتعليم وإشاعة الآراء المنحرفة للفلاسفة مثل حركة إخوان الصفا، وعن نهاية الدولة البويهية، ويتحدث عن اجتماع السلاجقة على زعامة طغرل بك وتوسع دولتهم واعتراف الخليفة العباسي بهم، ويتكلم هذا الكتاب عن النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق وفتنة البساسيري، وعقيدة الدولة الفاطمية العبيدية وصلتها بالقرامطة، وعن حكم العلماء في الفرق الباطنية، وعن جهود هبة الله الشيرازي في نشر الفكر الباطني في العراق وما حولها ودعمه للحركة الإنقلابية التي قام بها القائد العسكري البساسيري للقضاء على الخلافة العباسية وضم العراق للدولة الفاطمية العبيدية، وعن استيلاء البساسيري على بغداد وإقامة الخطبة فيها للفاطميين، وعن رسالة الخليفة القائم بأمر الله من أسره إلى طغرل بك، واستجابته لنداء الخليفة ومقتل البساسيري ومحاربة السلاجقة للدعوة الفاطمية العبيدية، وعن موقف الدولة السلجوقية من الدولة البيزنطية في عهد طغرل بك وعن جهود الوزير السلجوقي عميد الملك الكندري في خدمة الدولة، ويتضمن هذا الكتاب سيرة السلطان السلجوقي ألب أرسلان والذي تولى السلطنة بعد طغرل بك وعن جهاده في سبيل الله، وحملته على الشام وضم حلب وعن انتصاره الشهير الكبير في معركة ملاذكرد سنة 463ه على الروم ووقوع ملكهم في الأسر وما ترتب على تلك المعركة من نتائج، ويتحدث عن وفاة ألب أرسلان وتولى ابنه ملكشاه، من بعده السلطنة وعن سيرة ملكشاه بنوع من التفصيل، وعن سيرة الحسن الصباح والدعوة النزارية الإسماعيلية الحشيشية وسيطرته على قلعة آلموت وعن مراتب ودرجات أعضاء الدعوة النزارية الباطنية، ومهام الدعاة عندهم، ومراحل الدعوة لديهم، ومنطلقات الحركات الباطنية، وأساليبهم في خداع جماهير الناس، وعن المراسلة التي تمت بين الحسن الصباح، والسلطان ملكشاه، ويعطي نبذه مختصرة عن دولة الإسماعيلية في إيران، ويتكلم عن الخليفة القائم بأمر الله العباسي وخلافة ابنه المقتدى بالله، وتدهور العلاقات بين ملكشاه والمقتدى بأمر الله، ويبرز الكتاب المشروع السني الذي قام به الوزير السلجوقي نظام الملك في عهد ألب أرسلان وملكشاه، ويفصل في سيرة هذا السياسي الكبير، فيتحدث عن ضبطه لأمور الدولة، والتصور النظري عنده لها واهتمامه بالتنظيمات الإدارية، والبعد الاقتصادي وعنايته بالمنشآت المدنية، ودوره في النهوض بالحركة العلمية والأدبية، وعن عبادته، وتواضعه ومدح الشعراء له وعن وفاته وتأثر أهل بغداد والمسلمين بوفاته ورثاه الشعراء بقصائد منهم مقاتل بن عطية حيث قال :


كان الوزير نظام الملك لؤلؤة
   
    يتيمة صاغها الرحمن من شرف

عزَّت فلم تعرف الأيام قيمتها
   
    فرّدها غيرة منه إلى الصدف


ويمضي الكتاب مع القارئ إلى عهد التفكك وضعف وإنهيار الدولة السلجوقية، ويشير إلى الصراع بين بركيارق بن ملكشاه، وتركان خاتون زوجة أبيه التي قاتلت من أجل تولى السلطنه ابنها محمود الطفل الصغير ويفصل الكتاب في الصراعات الداخلية والقتال الذي حدث داخل البيت السلجوقي، ووفاة بركيارق بن ملكشاه وتولي محمد بن ملكشاه السلطنة والذي قام بمحاربة الباطنية، وتناول الكتاب سيرة الخليفة المستظهر بالله، وسيرة السلطان السلجوقي سنجر بن ملكشاه، والصراع الداخلي في البيت السلجوقي على السلطنة، وسيرة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، وصراعه مع الخليفة العباسي المسترشد بالله الذي حاول انتزاع حقوق الخليفة من السلاطين السلاجقة وإعادة هيبة الخلافة إلا أنه وقع في الأسر ثم قُتل بواسطة الباطنية ثم تولى الخليفة الراشد بعد والده المسترشد إلا أنه عزل ثم قُتل في عهد السلطان مسعود السلجوقي، وتحدثت عن مظاهر السيطرة السلجوقية على الخلافة العباسية والتي منها؛ نقل مقر الحكومة خارج بغداد، وتفويض السلطة من الخليفة إلى السلطان السلجوقي، وتدخل السلاجقة في ولاية العهد، وحرمان الخلافة العباسية خلال فترة السيطرة السلجوقية من إعادة تشكيل الجيش، وتكلمت عن بداية انتعاش الخلافة العباسية في عهد المقتفي لأمر الله المتوفى 555ه والذي سيأتي الحديث عنه بإذن الله عند حديثنا عن الزنكيين، وأشرت إلى نهاية الدولة السلجوقية وأسباب زوالها وفي الفصل الثاني تطرقت إلى نظام الوزارة العباسية في العهد السلجوقي وعن صفات وزير الخليفة العباسي من العلم، والرأي السديد، والعدل، والكفاية والسياسة والشؤون الدينية، وقوانين الوزارة والبلاغة وحسن الترسل والمحبة لدى العامة والخاصة والمعرفة بقواعد ديوان الخلافة وعن صفات الوزير السلجوقي، من محبة العلم والعلماء والعدل، والصلاح والفقه، وإجادة اللغة العربية والفارسية والكفاية، وتدبير البلاد والجيوش، والشهامة والصبر وعن مراسيم تقليد الوزير العباسي والسلجوقي وألقابهم وامتيازاتهم وصلاحياتهم الإدارية والسياسية والمالية والعسكرية، وعن أساليب العزل والمصادرة، وعن المساومة والمنافسة على منصب الوزارة العباسية والوزارة السلجوقية وترجمت لأشهر وزراء الخلفاء العباسيين في العهد السلجوقي كفخر الدولة بن جهير، وعميد الدولة ابن جهير والوزير أبو شجاع محمد بن الحسين الروذراوري وهو القائل عن الوزارة :

تولاها وليس له عدو
   
    وفارقها وليس له صديق

والوزير الحسن بن علي بن صدقة، وشرف الدين علي بن طراد الزينبي، والوزير الكبير عون الدين بن هبيرة والذي سيأتي بإذن الله ترجمته مفصله في سيرة نور الدين زنكي عند حديثنا عن الزنكيين ودورهم المجيد في دحر الصليبيين، كما أشرت إلى وزراء سلاطين السلاجقة وأهم أعمالهم وفي الفصل الثالث :اهتممت بالمؤسسة العسكرية السلجوقية والتي كانت القوى الضاربة للدولة، ففصلت في أسس الإدارة العسكرية السلجوقية، كتنشئة العسكرية للأبناء، والجهاد في سبيل الله، والحرص على كسب ولاء الجيش وقادته، والخبرة والتجربة، والإخلاص والتضحية، والحيطة والحذر والمتابعة، والعلاقة بين الجند وقادتهم والتدرج في الرتب العسكرية، والجمع بين الرأي والتدبير والقوة العسكرية، والاعتماد على أجناس مختلفة، وزيادة عدد أفراد الفرق العسكرية، والتقسيم العشري كأمراء المئين مقدموا الألوف، وأمراء العشرات، والخمسات، والإقطاع العسكري، وخصائصه، وعوامل التوسع فيه وموقف العلماء منه، ونظام الرهائن، والإعداد المعنوي للجيش، كما تحدثت عن نظم الإدارة العسكرية كالمناصب القيادية، كالأمير الحاجب الكبير، وصفات قائد الجيش ورواتب الجند، والقائد العام وأمير الحرس والمقدم والعميد والأتابك، وقاضي العسكر وديوان عرض الجيش، كتنظيم سجلات أسماء الجند، وعرض الجيش، وتحديد المهام الموكلة إلى الجند والإشراف على النواحي التموينية، والنواحي المالية، والإشراف على التسليح وعلى زي الجند، وثكناتهم، وعن أقسام الجيش السلجوقي من القوة النظامية، والقبائل التركمانية، وفرق الولايات وقوات المدن والمتطوعة والأوباش والطلائع وفرق إعداد المنازل التي سيمر بها الجيش، وعن عناصر الجيش من الأتراك والعرب، والأكراد والديلم والأرمن، وفرق الجيش، كالفرسان والنشابة والنفاطيون والمنجنيقيون، وعن التعليم والتدريب العسكري، وحجم الجيش السلجوقي ونظام العيون والجواسيس، والإسناد العسكري بالجند، والمهندسين، وحمل الأثقال والتموين والإسناد الطبي وعن الخيل ودورها في القتال، وشعار السلاجقة وأعلامهم والموارد المالية لجيوشهم، وتحدثت عن الأسلحة الهجومية وأسلحة الوقاية والدفاع عن النفس، وأسلحة العرض والزينة، ونظام حماية المدن ووسائل الحصار وصناعة الأسلحة وخزائها والخطط والفنون القتالية عند السلاجقة، كالقدرة على التحرك، مثل السرعة، واستخدام الكمائن، والتراجع الزائف، وخطة تطويق العدو، والمباغتة والمفاجأة والرمي بالسهام والألتحام مع العدو والاستنزاف وسياسة الأرض المحروقة والتأثير على جيش العدو، والسيطرة على الطرق وعلى موارد المياه، والتأمين العسكري والمهام الخاصة الطارئة والحربية والحراسة ونظام التعبئة وأفردت مبحثاً عن أثر نظم السلاجقة في الدولة الزنكية، والأيوبية والمماليك، وقد تأثرت كذلك الدولة العثمانية بتلك النظم العسكرية، وقد أشرت إلى دور المرأة في العهد السلجوقي وفي الفصل الرابع كان الحديث عن المدارس النظامية منُذ نشأتها وعن أهدافها التعليمية ووسائل نظام الملك في تحقيق أهداف المدارس، كأختيار الأماكن، والأساتذة والعلماء، وتحديد منهج الدراسة، وتوفير الإمكانات المادية، وتنظيم الهيئة التدريسية، من تعيين الأساتذة وفصلهم وأثر تلك المدارس في العالم الإسلامي فقد أدت رسالتها من تخريج العلماء على المذهب السني الشافعي وزودت الجهاز الحكومي للسلاجقة بالموظفين ردحاً من الزمن وبخاصة دوائر القضاء والحسبة والاستفتاء وهي من أهم وظائف الدولة في ذلك العصر وانتشر هؤلاء في العالم الإسلامي حتى اخترقوا حدود الباطنية في مصر وبلغوا الشمال الأفريقي ودعموا الوجود السني بها وقد ساهمت هذه المدارس في إعادة دور منهج أهل السنة في حياة الأمة بقوة وتقليص نفوذ الفكر الشيعي وخاصة بعد أن خرجت المؤلفات المناهضة له من هذه المدارس وكان الإمام الغزالي صاحب القدح المعلى في الوقوف أمام المد الشيعي الباطني الإسماعيلي وقد مهدت المدارس النظامية بتراثها ورجالها وعلمائها السبيل ويسرته أمام نور الدين زنكي والأيوبيين كي يكملوا المسيرة التي من أجلها أنشئت النظاميات، وتتمثل في سيادة الإسلام الصحيح وخاصة في المناطق التي كانت موطناً للنفوذ الباطني الرافضي في تلك المرحلة، كالشام ومصر وغيرها، كما إنها أمدت الأمة بالعقيدة الصحيحة والفكر الثاقب، والثقافة العميقة، والمناهج التربوية الرائدة التي ساهمت في تخريج قادة الجهاد في العهد الزنكي وامتد تأثيرها الفكري والعقائدي إلى الدولة الأيوبية والمماليك بل تعدى مداها الزمني إلى يومنا هذا.

وقد قامت المدارس النظامية على فقه الإمام الشافعي وتراثه في الأصول والفقه، كما كان لتراثه تأثير كبير في المدارس النظامية ولذلك رأيت من المناسب أن نعَّرف بهذا الإمام الكبير، فذكرت شيئاً من سيرته، وأصوله في إثبات العقيدة، ومنهجه في إثباتها، كحقيقة الإيمان ودخول الأعمال في مسماه وزيادة الإيمان ونقصانه، وحكم مرتكب الكبيرة، وتوحيد الألوهية، وطريقته في الاستدلال على وجود الله، وتوحيد الأسماء والصفات، وعقيدته في الصحابة وعناصر المنهج في فقه الإمام الشافعي وعن توفر شروط المجدد في مجال الفقه وأصوله، كما ترجمت للإمام أبي الحسن الأشعري، فقد ساهم هذا الإمام بتراثه وأفكاره التي وضعها في كتبه في نشاط المدارس النظامية التي اعتمدت ما وصل إليه من بحوث في عقائد أهل السنة والردود على المعتزلة والمخالفين لأصول أهل السنة والجماعة وقد بينت المراحل التي مّر بها وكيف استّقر في المرحلة الثالثة على أصول  منهج أهل السنة والجماعة، وتحدثت عن سّر عظمة الأشعري في التاريخ ووضحت عقيدته التي يدين بها وآخر ما مات عليه من معتقد، وأثر تراثه في المدارس النظامية وكيف امتد ذلك التأثير في عهد والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وتحدثت عن إنصاف ابن تيمية لإعلام الأشاعرة وثناؤه على أبي الحسن الأشعري، وموقفه من الباقلاني والجويني والغزالي وأفردت مبحثاً عن أشهر علماء المدارس النظّامية، كأبي إسحاق الشيرازي، وتكلمت عن مكانته وثناء الناس عليه ومؤلفاته وشيء من شعره، وترجمت لإمام الحرمين عبد الملك الجويني وأشرت إلى ثناء الناس عليه وأهم أخلاقه وصفاته، وذكرت القيمة العلمية لكتاب الإمام الجويني غياث الأمم، وعودته إلى مذهب السلف ورجوعه عن علم الكلام ونهيه أصحابه عنه ومؤلفاته في العقيدة والفقه وأصوله والخلاف والجدل والسياسة، وترجمت للإمام الغزالي الذي كان من كبار الأساتذة في المدارس النظامية، وتحدثت عن اجتهاده في طلب العلم، وملازمته إمام الحرمين، وتعيينه مدرساً على نظامية بغداد، وعن أسباب نبوغ الغزالي وشهرته والتحول الكبير الذي غير مجرى حياته وعودته للتصدي للتعليم، والترتيب الزمني لمؤلفاته، وموقفه من الشيعة الباطنية وموقفه من الفلاسفة والفلسفة وعلم الكلام والتصوف، ومنهجه الإصلاحي وصفات هذا المنهج، وتشخيصه لأمراض المجتمع، وتكلمت عن ميادين الإصلاح عنده، ووضع منهاج جديد للتربية والتعليم وبناء العقيدة الإسلامية وإحياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقد سلاطين الظلمة والدعوة للعدالة الاجتماعية، ومحاربة التيارات الفكرية المنحرفة، وأشرت إلى دوره في إصلاح الفكر، كدور العقل، ورفض التقليد، والدعوة إلى الكتاب والسنة والالتزام بمنهج السلف وعن موقفه من الاحتلال الصليبي، وترجمت للإمام البغوي وبينت جهوده في خدمة الكتاب والسنة في العهد السلجوقي وأثر كتبه في العلماء وطلاب العلم ونشر السنة، وتكلمت عن سيرة أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، وكتابه منازل السائرين، ومكائد خصومه له، ولقد اتضحت من خلال دراست المدارس النظامية أن البعد العقدي والفكري لا بد منه لأي مشروع سياسي أو عسكري أو حضاري يراد له النجاح في أوساط المسلمين وأن من عوامل نهوض الأمةأن تكون القيادة السياسية مبدعة في التفكير، وفي تحديد الأهداف صادقة في الانتماء لعقيدة الأمة ودينها وتاريخها وقادرة على توظيف الطاقات العلمية والفكرية وكافة الأمكانات وتحويلها من أعمال فردية إلى أعمال جماعية، عاملة على وحدة الصف ومحاربة الانشقاق، كما أن قدرة العلماء على النزول بأفكارهم وعلمهم في الجمهور الإسلامي العريض من عوامل نهوض الأمة وفي الفصل الخامس تحدثت عن الحروب الصليبية في العهد السلجوقي فتحدثت عن الجذور التاريخية للحروب الصليبية، وأهم أسباب ودوافع هذا الغزو، كالدافع الديني والسياسي، والاجتماعي والاقتصادي، وتبدل ميزان القوى في حوض البحر المتوسط، واستنجاد أمبراطور بيزنطه بالبابا أوربان الثاني وشخصية البابا أوربان الثاني ومشروعه الشامل للغزو الصليبي، والخطبة التي ألقاها أوربان الثاني، ونتائج مهمة من خطاب البابا، وكتدعيمه خطابه بعدد من النصوص الواردة في الكتاب المقدس، وترتيب الأولويات عنده، وقدرته على تقديم مشروع عام استوعب طاقات غرب أوربا وتحريك لاحتلال بلاد الشام والهيمنة على المشرق، ووصفت بدء الحرب الصليبية الأولى، ابتداءً من حملة العامة الغوغاء ومروراً بحملة الأمراء، وموقف الإمبراطور البيزنطي من ذلك، وسقوط نيقية، ومعركة دوريليوم، وسقوط قونية وهرقلة، وإمارة الرها، وإمارة أنطاكية، وبيت المقدس، وطرابلس، وصيدا وحللت أسباب نجاح الحملة الصليبية الأولى وبينت أهم أسبابها، كإنعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي، والصراع على السلطنة في داخل البيت السلجوقي، ووجود الدولة الفاطمية، وسقوط الخلافة الأموية بالأندلس ودور النصارى الذين كانوا يعيشون في بلاد الشام، وموقف بعض الإمارات العربية من الغزو الصليبي، ودور الباطنية الإسماعيلية في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين، كتعاونهم مع الصليبيين، واغتيال القادة المسلمين، وإشاعة الرعب والخوف في المجتمع الإسلامي، ونقلت فتوى ابن تيمية في الحركات الباطنية، ومن الأسباب التي ذكرتها، انتشار الفكر الشيعي الرافضي الباطني، وتدهور الحياة الاقتصادية قبيل الغزو الصليبي، وضعف الدولة البيزنطية، وتمرس فرسان الإفرنج على الحرب والإمدادات الأوروبية المستمرة لهم، وأثر الاستبداد على الدين والحياة، والمعارك في فقه الفروع، وذكرت استراتيجية الحملة الصليبية بعد الاحتلال وأفردت مبحثاً عن حركة المقاومة الإسلامية في العهد السلجوقي في ما بين الغزو الصليبي وظهور عماد الدين زنكي، وعن دور الفقهاء والقضاة واستجابتهم لمقاومة الغزو، وتحريضهم على الجهاد بالكتابة والتأليف والمشاركة الفعلية في ساحات الجهاد، وتطرقت لجهود الشعراء ودورهم في حركة المقاومة، وأنصفت قادة الجهاد من السلاجقة قبل عماد الدين، كجهاد قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل، وجكرمش صاحب الموصل وسقمان بن ارتق صاحب ماردين وديار بكر، ومعركة البليخ وانتصار المسلمين على الصليبيين، ونتائج تلك المعركة، وتحدثت عن الأعمال الجهادية التي قام بها قلج أرسلان في آسيا الصغرى ومعركة مرسيفان وهرقلة الأولى والثانية ووصفت حملات شرف الدولة مودود بن التونتكين ضد الصليبيين وما ترتب على حملاته من نتائج، وترجمت للمجاهد الكبير نجم الدين ايلغازي صاحب ماردين، وأشرت إلى انتصاره في معركة ساحة الدم، وأثر وفاته على المسلمين وكيف تولى الأمير بلك بن بهرام ابن أخ ايلغازي راية الجهاد وكان خصماً عنيداً للصليبيين وكان يتطلع للقضاء عليهم لا في منطقة الجزيرة فقط، بل وفي بلاد الشام واستطاع أن يأسر بعض ملوك الصليبيين في حروبه، وبعد استشهاده رفع راية الجهاد أمير الموصل آق سُنقُر البرسقي، وتحدثت عن مقتل البرسقي بيد الباطنية وهو في الصف الأول عند صلاة الجمعة وكان تركياً خيراً يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل يفعله وكان من خيرة الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجداً، وحذرت من خطر الباطنية، فقد كانوا من أخطر معوقات حركة الجهاد، فقد أتضح عداءهم الكامل لقادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر وكأن خناجرهم المسمومة كانت تشق للصليبيين طريقاً نحو تثبيت أقدامهم في بلاد الشام والجزيرة على حساب المسلمين ومن فضل الله على هذه الأمة أن قائمة المجاهدين عامرة ومتأهبة للقتال في سبيل الله، ففي عام 521ه/1127م عهد السلطان محمود إمارة الموصل إلى عماد الدين زنكي وبظهوره على مسرح الأحداث بدأت صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين، وقد بدأ عماد الدين بتكوين جبهة إسلامية متحدة ضد الصليبيين ويؤكد ابن الأثير على أهمية ظهور عماد الدين بقوله : ولولا أن الله تعالى منَّ على المسلمين بولاية الشهيد لكن الفرنج استولوا على الشام جميعه وسوف يأتي الحديث بإذن الله تعالى عن عماد الدين والأسرة الزنكية في كتابنا القادم بإذن الله تعالى عن الحروب الصليبية في عهد الزنكيين وسيرة نور الدين محمود الشهيد الملك العادل.

إن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها، وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار، والجدال والدعوة مع الآخر، وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد، والثقافات والمناهج وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد وأفكار وثقافة تدفعه، فالحرف هو الذي يلد السيف، واللسان هو الذي يلد السنان والكتب هي تلد الكتائب.

إن الأمة الإسلامية تمر بأمور عصيبة، فالعلل القديمة تتجمع ونذر العاصفة المدَّمرة من أعداء الإسلام ظهر في الأفق القريب يحاولون السيطرة الفكرية والثقافية والعقائدية والسياسية والاقتصادية على قلب العالم الإسلامي، فالخطط تنفذ حالياً لضرب القلب بعد قص الأجنحة، فقد نجح الصليبيون في تنصير أربعة أخماس الفلبين ثم اتَّجهوا إلى جزر أندونيسيا يحملون الخطة ذاتها، وقد محو المعالم الإسلامية من " سنغافورة " وهم الآن يبعثرون طلائعهم في شرق وجنوب آسيا، والمشروع اليهودي في فلسطين لا يكل ولا يمل، والأمريكي ماضى بقوة السلاح والنفوذ السياسي والإعلامي وقدراته الاقتصادية لغزو الأمة، وموازياً لهما، التغلغل الباطني، ومشروعه السياسي الهادف إلى إضلال الأمة وإبدال دينها الصحيح بالبدع والخرافات والمعتقدات الفاسدة، فالمشاريع الباطنية واليهودية والصليبية تنخر في هذه الأمة العظيمة !! كيف لا يقشعر جلد المؤمن وهو يتابع ويطالع هذه المخططات والأنباء ؟ كيف يطيب له منام أو طعام ؟

إن المسلمين في العالم أجمع ينتظرون من علمائهم ومفكريهم بلورة مشروع إسلامي عقائدي، سياسي، فكري، اجتماعي، اقتصادي، أعلامي .. على أصول أهل السنة للوقوف أمام هذه المشاريع المدمرة، وهاهي الأمة الإسلامية قد أحسَّت الخطر المحدق وهبت لتحيا، وعلائم الصحو تنتشر بسرعة مع اقتراب الفزع واكفهرار الجو وإني لمؤمل الخير من وراء هذه اليقظة الشاملة، بيد أني أحذر من الأمراض القديمة، من فساد السياسة بالفرقة، وفساد الثقافة بالجهل والهوى، فيجب علينا أن نتعاون في المتفق عليه، ونتسامج في المختلف فيه في الحدود التي يسمح به الشرع وفق قواعد السياسة الشرعية وفقه المقاصد، والمصالح والمفاسد، وفقه الخلاف، وعلينا أن نتساند صفاً واحداً في مواجهة الهجمة الجديدة على ديننا وأرضنا حتى نردها على أعقابها وعلى أهل المسؤلية الإسراع في جمع القوى، وسد الثغرات، وحشد كل شيء لاستنقاذ وجودنا المهدَّد، إنّ أي أحد يشغل المسلمين بغير ذلك إمّا منافق يمالئ العدو ويعينه على هزيمتنا، وإمَّا أحمق يمثل دور الصديق الجاهل، ويخذل أمته من حيث لا يدري وكلا الشخصين ينبغي الحذر منه وتنبيه الأمّة إلى شَّره، ولا بد من الالتزام بهدي القرآن الكريم وسيرة سيد المرسلين والأخذ بعوامل النهوض، وأسباب النصر، والتي منها، صفاء العقيدة ووضوح المنهج، وتحكيم شرع الله في الأفراد والأسر والجماعات والمجتماعات والشعوب والدول، ووجود القيادة الربانية التي تنظر بنور الله، ولها القدرة على التعامل مع سنن الله في تربية الأمم، وبناء الدول وسقوطها، ومعرفة علل المجتمعات، وأطوار الأمم، وأسرار التاريخ، ومخططات الأعداء من الصليبيين والملاحدة والفرق الباطنية والمبتدعة، وإعطاء كل عامل حقه الطبيعي في التعامل معه دون إفراط أو تفريط، فقضايا فقه النهوض والمشاريع النهضوية البعيدة المدى متداخلة متشابكة لا يستطيع استعابها إلا من فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن علمائنا الربانيين، فعلم معالمه وخصائصه وأسباب وجوده وعوامل زواله واستفاد من التاريخ الإسلامي وتجارب النهوض، فأيقن بأن هذه الأمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفية لربها ونبيها صلى الله عليه وسلم وعلم بأن الهزائم العسكرية عرض يزول، أما الهزائم الثقافية، فجرح مميت والثقافة الصحيحة تبني الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم والدولة المسلمة، على قواعدها المتينة من كتاب الله وسنة رسوله وهدي الخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد توفيق الله.

أيها الأخوة الكرام يا من تهمهم قضايا الإسلام والمسلمين علينا الابتعاد عن القضايا التي لا تمس الحاضر ولا المستقبل والتي تشغل الفراغ وتقتل الوقت وحسب وإنما نعطي الأولوية للقضايا التي تنهض بالأمة وتعطيها دورها الحضاري من جديد في هداية الناس لدين الله وعلينا أن نقدم نماذج إصلاحية نهضوية ملكت الرؤية النظرية، ونجحت في التطبيق العملي، ونعطي لفقه المصلحين أولوية ونستخرج هذه الفقة العزيزمن سيرهم العطرة، سواء كان في مجال العلم، أو السياسية أو الإدارة أو التنظيم، أو التربية، أو الاقتصاد، أو المقاومة والجهاد ... إلخ.

إن الإسلام يتعرض لمحنة كبرى وأعداؤنا لم يكتموا من نيَّاتهم شيئاً لأنهم لم يروا أمامهم ما يبعث الكتمان أو الحذر فاليهود يقولون : لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل : والمعنى واضح فإن الهيكل المطلوب فوق تراب المسجد الأقصى، والصليبيون الجدد يقولون : خلقت إسرائيل لتبقى .. والباطنيون، يستبيحون الدماء ويهتكون الأعراض، ويصادرون الأموال ويعملون ليل نهار لتصفية رموز أهل السنة، وممارسة التطهير المذهبي ونشر الثقافات المغلوطة والبدع وانحرافات والتي تمس عقيدتنا وتاريخنا ورجالنا وأخلاقنا.

أيها الأخوة الكرام إن المعركة في حقيقتها حول وجود الإسلام كله ويتساءل الأعداء لماذا يبقى الإسلام أكثر مما بقى ؟ أنستسلم للفناء، وندع ديننا ورسالتنا للجزارين الجدد أم ماذا؟

إن العالم الإسلامي لا يبيع دينه، ويؤثر أن يهلك دونه ولا يغض من موقفه نفر شذاذ من الخونة والجبناء، فقدوا الدين والشرف، ونشدوا العيش على أي حاجة، وبأي ثمن !! ولكن نحسن الوقوف أمام عدو الله وعدوَّنا يجب أن تتوفر لجبهتنا عناصر مهمة منها :

‌أ-يعود الولاء للإسلام ويستعلن الانتماء إليه وفي حرب تعلن علينا باسم الدين لا مجال لإطفائها بالتنكر لديننا   ولا بد من أن يكون المنهج الذي كان عليه رسول الله وخلفاؤه الراشدون وأصحابه الكرام واضحاً لا لبس فيه حتى نخرج من أوحال البدع ومستنقعات الخرافة والأوهام التي تنبث في الأمة باسم الإسلام الحبيب العزيز.

 إننا نرى الآن في صراع المسلمين مع خصوم الإسلام في بعض دياره يغيّب الإسلام، ويضخم البعد الوطني القطري على حساب الدين والعقيدة وقد تبنى هذا الطرح بعض المحسوبين على العلماء وطلاب العلم وهذا هو الانتحار وطريق الدمار بل هو قّرة عين الأعداء سواء من الداخل أو الخارج مع عدم اهمالنا لحب الإنسان لوطنه وإخلاصه له ولكن بالتوازن.

‌ب-الولاء الشكلي للإسلام مخادعة محضورة ويجب أن تعود الروح لعقائدنا وشعائرنا وشرائعنا، والمسلم الذي يستحي من عرض عقيدته ومنهجه وتاريخه عليه أن يعتبر بالباطنيين الجدد الذين يعتزون ببدعهم وخرافاتهم، وكذلك اليهود الذينلا يستحيون من عقيدتهم وشعائرهم في أرقى العواصم.

‌ج-يُقص من ميدان التدين الذين يحرقون البخور بين أيدي الساسة المنحرفين، ويزينون لهم مجونهم ونكوصهم وبعض الذين يّدعون العلم فيشغلون الناس بقضايا نظرية عفى عليها الزمن، أو خلافات فرعية لا يجوز أن تصدع الشمل أو تمزق الأهل والعلماء الذين يظلمون الإسلام بسوء الفهم ويرونه في سياسة الحكم والمال ظهيراً للاستبداد والاستغلال وإضاعة الشعوب إن المسلمين في المشارق والمغارب مهيؤون ليقظة عامة تحمي كيانهم والأحوال المعاصرة صورة طبق الأصل لما كان المسلمون عند الهجوم الصليبي في العصور الوسطى إن سنن الله تعالى تقتص من المستضعفين المفَّرطين، كما تقتص من المجرمين المعتدين، إن عوامل الهدم وإبر التنويم الغربية والباطنية تعمل في هذه الأمة المثخنة من الداخل والخارج حتى يتم الإجهاز الكامل عليها، وقد استطاع الاستعمار الثقافي والفكر الباطني خلق جيل مهزوز الإيمان والفقه، ضعيف الثقة بربه ومنهجه ودينه وأمته ونفسه، فهو يعطي الدنية في دينه غير مُبالي بعواقب الأمور، إننا بحاجة إلى يقظة عامة تتناول أوضاعنا كلها حتى نحسن الدفاع عن وجودنا ورسالتنا في عالم لا تسمع فيه إلا أصوات الجبارين من أصحاب المشاريع الشيطانية، ومن ثم نتمكن من تبليغ رسالة الإسلام الخالدة للعالمين ويتحقق فينا قول الله تعالى " كنتم خير أمة أخُرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " (آل عمران ، آية : 110).

وقول الله تعالى " الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا " (الأحزاب، آية : 39).

إن في هذا الكتاب دروس وعبر في ميدان الصراع بين دعوة الله الخالدة وبين التغلغل الباطني والغزو الصليبي، فقد لاحظت بأن العقائد الصحيحة والفكر السليم والتصور الراشد الذي قامت عليه المدارس النظامية في عهد السلاجقة استطاعت أن تكبّد الفكر الباطني خسائر كبيرة في ميدان الفكر، والعقائد والثقافة والدعوة وجعلها تنزوي وتنكمش، كما أن مناهج المدارس النظامية أخرجت علماء وقادة وساسة وقضاة، كان لهم تأثير كبير في الدولة الزنكية واستمر التأثير الفكري والعقائد لعهد الأيوبيين والمماليك والعثمانيين على المستوى العقائدي للدول إن الثمرة الحقيقية من دراسة التاريخ استخراج العبر واستلهام الدروس واستيعاب السنن ومن هذه الدروس والعبر :

?أهمية المبادرة في حركة النهوض : ففي كثير من مراحل التاريخ وفي شتى المذاهب والأديان هناك مبادرات من رجال أخلصوا لمعتقداتهم وأفكارهم فكانت لها آثار كبيرة غيرت مجرى التاريخ، ففي عهد السلاجقة ظهرت مبادرة نظام الملك في تأسيس المدارس النظامية، فكان لهذه المبادرة أثر كبير في الانتصار السني على المد الباطني والمساهمة في تحجيمه وتقليصه، كما ساهمت في امداد الأمه بكوادر علمية وتربوية وسياسية، وقيادية ساهمت في حركة الجهاد ومقاومة الصليبيين في العهد الزنكي والأيوبي وفي المقابل كانت مبادرة أوربان الثاني في تقديمه مشروع صليبي جمع طاقات غرب أوروبا وقذف بها نحو المشرق فنظام الملك كانت له مبادرة مع رؤية نهوض ومشروع حضاري، كما أن البابا كانت له مبادرة ومشروع استعماري استيطاني وتصارع المشروعان حوالي مئتين عام وانتصر المشروع الإسلامي على المشروع الغربي والمغولي والفضل لله تعالى ثم لمبادرة نظام الملك والإمام الغزالي، وقادة حركة الجهاد كالأمير مودود وعماد الدين ونور الدين وصلاح الدين والظاهر بيبرس، وقطز والناصر بن قلاوون والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم كثير والمسلمون الآن لا تنقصهم إمكانات مادية ولا معنوية ولا خيارات وإنما إلى قيادات حكيمة تستوعب فقه المبادرة كي تستطيع أن تفجر طاقات المجتمع وتوجههه نحو التكامل لتحقيق الخير والغايات المنشودة، فمجتمعاتنا غنية بالطاقات المتعددة في المجالات المتنوعة في ساحات الفكر والمال والتخطيط والتنظيم والقوى المادية، ويأتي دور القيادة الربانية التي تحسن فقه المبادرة لتربط بين كل الخيوط والخطوط، والتنسيق بين المواهب والطاقات، وتتجه بها نحو خير الأمة ورفعتها، وفق رؤية نهوض شاملة تتحدى كل العوائق وتسد كل الثغرات التي تحتاجها الأمة في النهوض وتبث روح الأمل والتفاؤل في أوساط الناس، وتحضهم على التمسك بعقيدتهم وقيمهم ومبادئهم والترفع على حطام الدنيا وإحياء معاني التضحية، وشحن الهمم، وتقوية العزائم في نفوس النخب والجمهور العريض في الأمة، وتأخذ بها رويداً نحو الأهداف المرسومة لمشروع النهوض وعلينا أن نتذكر قول الله تعالى : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً" (النساء، آية : 104).

?أهمية العامل الديني في شحن الاتباع : إن أكثر ما يشير حماس الإنسان ويؤثر على أحاسيسه وعواصفه عامل الدين وقد استطاع أوربان الثاني توظيف هذا العامل إلى حد كبير في مشروعه الصليبي، كما أن الباطنيين وعلى رأسهم حسن الصباح استطاعوا تحميس اتباعهم ضد أهل الإسلام الصحيح، وعندما أخذت العقيدة الإسلامية مجراها في نفوس القادة والشعوب وعظمة مكانتها في نفوس المؤمنين، قاموا بجهاد عظيم وتضحيات كبرى، وأخذوا بفقه التمكين، وحققوا شروطه وما رسوا أسبابه واستوعبوا سننه، وقطعوا مراحله وطبقوا أهدافه، فانتصروا على التغلغل الباطني والغزو الصليبي وسوف ترى في هذا الكتاب دور العلماء والفقهاء والقضاة والخطباء في تحميس المسلمين وألهاب عواطفهم، وإحياء عقيدتهم فمطلوب من علماء الأمة وفقهائها وخطبائها أن يقوموا بهذا الدور الكبير وأن يترفعوا عن حظوظ النفس وحطام العاجلة، وأن ينشغلوا بتربية الأمة على معاني الإيمان والتضحية والفداء والإخلاص لهذا الدين، ولا نريد من علماء الأمة أن يكونوا أكادميين علاقتهم بالأمة من خلال الطلاب تنتهي مع درس الجامعة وإنما نريدهم أن يتحقق فيهم قول الله تعالى " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمش به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " (الأنعام ، آية : 122) وقول الله تعالى : " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفُوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فئاتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين " (آل عمران، آية : 148).

?أهمية الاتحاد والوحدة في التصدي للأخطار الداخلية والخارجية : في بداية الزحف الصليبي على بلاد الشام، تمزقت الكيانات السياسية الصغيرة، وحاولت أن تستنجد بالخليفة العباسي والسلطان السلجوقي ولذلك كثرت الوفادات على بغداد بدون فائدة، والمهم في هذا الدرس أن نعطي أولوية للجهات الفاعلة ومحاولة التحالف ثم الاتحاد معها وكان يفترض على الخليفة العباسي أن يقوم بدوره المعنوي والمادي إلا أنه كان منزوع السلطات، ونلاحظ في حصار حلب، كما سوف يمر بنا في هذا الكتاب بإذن الله استطاع المسلمون دحره عندما اتحدوا مع أهل الموصل، كما كان للتحالفات على مستوى الموصل وحلب ودمشق وغيرها من مدن الشام أثر كبير في صد الكثير من الهجمات الصليبية وتكبيدها الخسائر، فقد استطاع أهالي الشام مع أهل الموصل وديار بكر ومناطق الأكراد إيجاد حالة من التنسيق والتعاون والتحالف للحد من حالة التدهور المريع الذي مرت بها بلاد الشام.

هذه بعض الدروس والعبر والقارئ الكريم بإذن الله تعالى سوف يجد الكثير الكثير من هذه العبر، ويلاحظ سنن الله في حركة المجتمعات وطبيعة الصراع بين الإيمان والكفر، والحق والباطل والهدى الضلال، والخير والشر في هذا الكتاب.

هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت الساعة الثانية عشر إلا أربع دقائق ليلاً 18/صفر/1427ه الموافق 18/مارس/2006م والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه أن يتقبل هذا العمل، ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى :

" ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " (فاطر ، آية : 2).

ولايسعني في نهاية هذه المقدمة إلا أن أقف بقلب خاشع منيب بين يدي الله – عز وجل – معترفاً بفضله وكرمه وجوده، فهو المتفضل وهو المكرم وهو المعين وهو الموفَّق فله الحمد على ما منَّ به عليَّ أولاً وآخراً، وأسأله – سبحانه – بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا : أن يجعل عملي لوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، وأرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه، قال تعالى : " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عَلَيَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " (النمل : 19).

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه

علي محمد محمد الصَّلاَّبيَّ
18/صفر/ 1427ه

الإخوة الكرام يسرني أن تصل ملاحظاتكم وانطباعتكم حول هذا الكتاب وغيره من كتبي من خلال دور النشر وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله رب العالمين، والصواب للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا

عنوان المؤلف

Mail: abumohamed2@maktoob.com


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق