88
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:
أولاً :مصادر دخل دولة نور الدين وسياسته الاقتصادية:
5- الأمانة العظيمة التي تميز بها نور الدين وحكومته الرشيدة :
تميز بأمانة عظيمة تجاه أموال الأمة والتي سعى إلى إلزام موظفيه بها، وفرض عليهم رقابته اليقظة الدائمة كيلا يجنحوا باتجاه استغلال مناصبهم لحسابهم الخاص، وإن لنا أن نقّدر حجم الخسائر التي كانت ستمنى بها مالية الدولة لو ابتليت بحاكم جشع وموظفين لا يعرفون غير تنمية جيوبهم، أسوة بما كان يفعله الكثيرون من الحكام والموظفين وإن لنا أن نقدر – بالمقابل – ما كسبته خزانة الدولة من جراء الحماية الصارمة التي فرضتها تقوى نور الدين وإيمانه والتزامه واختياره الدقيق لكبار موظفيه وحسابه الشديد معهم ( )، فقد سار على نهج عمر بن عبد العزيز، وعنى بالحيلولة بين الولاة وبين أن يكون همهم الأول من مناصبهم جمع الأموال لأنفسهم. والأغلب أن ذلك عّوض النفقات التي اقتضتها إصلاحاته ضعفين ( ) وما قيل عن عمر ينسحب بالضرورة على نور الدين ( )، كما أن وجود الحكومة الرشيدة التي كان يقودها نور الدين ساهم على تحقيق ما أراد، فقد اعتمد في إدارته لدولته الواسعة على حشد من العلماء والفقهاء المشهورين بالأمانة والاستقامة والكفاية وكان أغلبهم قد مارس العمل مع الحكام والأمراء قبل العمل مع نور الدين، فاكتسب خبرة كبيرة في إدارة شؤون الدولة فكان نور الدين يستشيرهم ويعقد لهم الاجتماعات لبحث الأمور الهامة ( )، وكان نور الدين يعتبر نفسه خازناً لأموال المسلمين يجب عليه أن يصرفها في مصالحهم فقط ( )، وألزم نوّابه ورجال دولته بهذا الفهم الذي يرقى إلى أعلى مستويات الأمانة والأحساس بالمسؤولية، وفرض رقابته الصارمة على بيت المال في مركز الدولة وفي الولايات ولم يتردد في محاسبة نوابه في الأقاليم إذا أحسّ منهم ميلاً للمحافظة في هذا المجال ( )، وأنزل عقوبة شديدة بأحد موظفيه بعد أن ثبت أنه استغل مركزه وأخذ من الأموال العامة فوق ما يستحق من راتبه ( )، قد مّر ذكرها، ويكفي أن نتذكر حادثة المال الذي وجده في الخزينة ولم يكن يعلم عنه من قبل، فأمر برده إلى القاضي كمال الدين الذي كان قد أرسله لبيت المال ليرده إلى أصحابه ( ) . لنعلم كم كان الرجل صارماً، ودقيقاً في مسألة الحلال والحرام فيما يتعلق بالأموال العامة فحفظت وانعدم التسّرب منها إلى حد كبير إلى جيوب الولاة والموظفين( ).
لقد انتصر نور الدين على نفسه قبل أن يواجه أهله ورعيته بسياسته التقشفية، فاستطاع بإيمانه القوي أن يتجّرد من أهواء الدنيا ومغريات الملك ومن مظاهر البذخ والترف التي كان يعيشها غيره من الحكام غير مبالين بما تعانيه خزينة الدولة بسبب ذلك، وألزم نفسه بالعيش المتواضع دون أن يفقد شيئاً من هيبة السلطان وقوة الحكم، بل كان كما قيل : " من شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك مايبهره، فإذا فاوضه رأى من ألطافه وتواضعه ما يحيُّره ( )، فاقتدى به أهله وأمراؤه وقادته والتزموا البساطة في حياتهم، ثم انتقلت خصائله إلى العامة من الناس فكان لهذه السياسة أثرها البعيد في توفير الأموال التي كانت تهدر في مجالات اللهو والبذخ والترف فصارت تصرف في وجوه الخير والمصلحة العامة ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق