84
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:
أولاً :مصادر دخل دولة نور الدين وسياسته الاقتصادية:
1- نظام القطاع الحربي :
اعتمد الزنكيون نظام الاقطاع الحربي للصرف على جيوشهم خلال جهادهم ضد الصليبيين، فقد نشأ نظام الاقطاع الحربي في الشرق الإسلامي في الدولة السلجوقية التي كانت تسير على أساس صرف مرتبات نقدية للجيش النظامي حتى منتصف القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي حيث أدى اتساع رقعة الدولة وصعوبة السيطرة عليها وإرهاق الإدارة المالية بباهظ المرتبات التي تصرف للجيش، إلى تفكير الوزير نظام الملك في الاستعاضة عن المرتبات النقدية، بالاقطاعات من الأراضي لمختلف عناصر الجيش ( )، وقد انتقل نظام الإقطاع الحربي كاملاً إلى الدولة الزنكية التي نبتت وترعرعت في أحضان السلاجقة ثم ورثتهم بعد ذلك ( ) . وقد ارتبط الإقطاع الحربي في عصر الزنكيين بالخدمة الحربية، إذ كان الأمير المقطع يلزم بتقديم العساكر وقت الحرب مجهزة بكامل عتادها وعدتها، وكان إقطاعاً وراثياً، أي أن إقطاع الأمير أو الجندي يمنح بعد وفاته لأولاده ( ) ، وفي حالة صغر سن الإبن كان السلطان يعين من يدير الإقطاع حتى يبلغ سن الرشد، ومنح الإقطاع بواسطة السلطان لم يكن معناه تمليك الأراضي الرزاعية للمقطع، وليس معناه أيضاً تمتع المقطع بمتحصلات الإقطاع لفترة طويلة، بل كان يعطي المقطع مجرد الحق في أن يجمع لنفسه وأجناده مجموعة من الضرائب في مقابل الواجبات المدنية العسكرية التي كان المقطع ملزماً بها ( )، والملاحظ أن توزيع الإقطاعات الحربية على الأمراء والأجناد في العهد الزنكي شمل كل البلاد التي تمكن عماد الدين وابنه نور الدين من ضمها إلى مشروع الجبهة الإسلامية آنذاك والأدلة على ذلك كثيرة منها أنه عندما لجأ نجم الدين وأخوه أسد الدين شيركوه إلى الموصل، رحب بهما زنكي واقطعهما الإقطاعات في شهرزور بشمال العراق ثم خص أسد الدين بالمؤزر ( ) . وأقطع الأمير جاولى الرحبة وأعمالها ( ) وسار نور الدين محمود على نهج والده في توزيع الاقطاعات الحربية، فعندما استولى على دمشق سنة 549/1154م، اقطع صاحبها مجير الدين ضياعاً بحمص عوضاً عن دمشق، كما أقطع شهاب الدين على بن مالك العقيلي سروج والملاحظة والباب وبزاغة ( ) وأقطع في سنة 563ه/1167م مجد الدين أبا بكر بن الداية حلب وحارم وقلعة جعبر، ثم أقرها بعد وفاته سنة 565ه/1169م في يد أخيه علي ابن الداية، وأقطع نور الدين مسعود بن الزعفران حمص وحماة وقلعة بعرين وسلميه وتل خالد والرها ( )، كما أقطع أمراء العراق الاقطاعات لحفظ طريق الحاج بين الشام والحجاز، ولمثل هذا الهدف اقطع أمير مكة إقطاعاً وافرا ( ) ، وشمل الإقطاع الحربي في عهد نور الدين الأراضي المصرية، من ذلك ما ذكرته بعض المصادر المعاصرة من أن نور الدين عندما سمع بأن بعض أمرائه في مصر تردد في محاربة الفاطميين والصليبيين عند البابين في صعيد مصر، هددهم بأخذ اقطاعاتهم وإعادة الموارد التي أخذوها منها ( ) واتبع عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود أساليب عدة لتوزيع الاقطاعات الحربية على امرائها وأجنادهما. منها ما كان الغرض منه استمالة الحكام المسلمين بهدف توحيد الجبهة الإسلامية، ومن ذلك أن عماد الدين عندما عزم في سنة 540ه/1145م الاستيلاء على قطعة جعبر وضمها لمشروع الجبهة الإسلامية المتحدة، لما رأى حصانتها كتب إلى عز الدين علي بن مالك في معنى تسليمها، وفوض عماد الدين حسان المنبجي أن يضمن لعلي بن مالك الاقطاع الوافر والعطاء الكثير مقابل التسليم ( )، ومن ذلك أيضاً ما ذكر أن نور الدين عندما حاصر دمشق سنة 549ه/1154م وأدرك صاحبها مجير الدين آبق عدم جدوى المقاومة احتمى بقلعة دمشق ساعات ثم استسلم فأطلق نور الدين سراحه وأقطعه عوضاً عن دمشق حمص وأعمالها ( ) . كما منح الاقطاع في العهد الزنكي للأمراء والأجناد كمكافأة لهم على ما قاموا به من أعمال جليلة سواء في مرحلة تكوين الجبهة الإسلامية المتحدة أو أبان مراحل جهادهم ضد الصليبيين، من ذلك ما ذكره ابن الأثير أن عماد الدين عندما ملك بعض ديار بكر سنة 538ه/1143م : رتب أمور الجميع وجعل فيها من الأجناد من يحفظها ( ) .
ومن خصائص الاقطاع الزنكي انتقاله من مقطع إلى آخر عن طريق الوراثة أو غيرها، فتشير المصادر إلى أن عماد الدين زنكي قام بنقل طائفة من التركمان مع أميرهم الياروق واسكنهم بحلب وأعمالها وأمرهم بجهاد الصليبيين، وأعطاهم كل ما استنقذوه منهم : ولم يزل جميع ما فتحوه بأيديهم إلى نحو سنة ستمائة ( ) وقد سار نور الدين على نهج أبيه يدلنا على ذلك قول ابن واصل أن نور الدين كان : من آرائه الحسنة ما يعتمده من أمر اجناده، فإنه كان إذا توفي أحدهم وخلف ولداً ذكراً أقر عليه اقطاعه ( ) ومن ذلك أيضاً ما حدث سنة 558ه/1162 عندما هزم جيش نور الدين في هذه السنة أمام الصليبيين بالقرب من حصن الأكراد في المعركة المعروفة بالوقيعة، حيث أصدر نور الدين أوامره باحضار الأموال والدواب والأسلحة والخيام من دمشق وفرق ذلك على من سلم من عسكره ومن قتل أعطى اقطاعه لأولاده ( ) . وأما انتقال الاقطاع من مقطع إلى آخر من غير وراثه والذي يحدث غالباً إذا تقاعس المقطع عن أداء واجبه أو متى بدر منه ما يخل بالتزاماته الحربية، يدلنا على ذلك ماحدث سنة 562ه/1117م عندما اختبر أسد الدين شيركوه رجاله لمعرفة ما يمكن أن يقدموه إذا اشتبكوا مع الصليبيين والفاطميين في مصر، فأبدى بعضهم تخوفه من ذلك حيث صاح فيهم أحد أمراء نور الدين والذي كان مرافقاً لشيركوه قائلاً : من يخاف القتل والأسر فلا يخدم الملوك بل يكون في بيته مع أمرأته، والله لئن عندنا إلى نور الدين من غير غلبة ولا بلاء نعذر فيه ليأخذن مالنا من اقطاع وجامكيه، وليعودن علينا بجميع ما أخذناه منُذ خدمناه إلى يومنا هذا ويقول : تأخذون أموال المسلمين وتفرون عن عدوهم وتسلمون مثل مصر إلى الكفار ( ) . ويظهر من خلال هذا العرض أنه كان على المقطع في مقابل الموارد المتحصلة من الاقطاع مجموعة من الالتزامات كان يؤديها للسلطان وهي في المرتبة الأولى التزامات حربية املتها ظروف الجهاد الذي اتصف به عصر الأسرة الزنكية – شملت تقديم العساكر وقت الحرب، فكان المقطع مسؤولاً مسؤولية كاملة عن نفقات عساكره، إذ كان عليه أن يخرج بهم إلى ساحات القتال مزودين بكل مستلزماته من مؤمن وعتاد ودواب وغيرها فضلاً عما يتبع ذلك من تدريبات عسكرية فردية وجماعية لجيشه من أساليب القتال المعروفة آنذاك ( ) ، وإلى جانب ذلك كان على المقطع الاضطلاع بحماية اقطاعه من أي اعتداء خارجي، وفي ذات الوقت القيام بمراقبة تحركات الأعداء وتنفيذ بعض الأعمال الحربية ضد مراكزهم ( ) ، وصفوة القول فإن نظام الاقطاع الحربي بما اشتمل عليه من واجبات يعاقب عليها المقطع متى قصر في شيء منها كان كفيلاً بإخلاص الأمراء والجند واستماتتهم في أداء واجب الجهاد في سبيل الله وتحقيق المزيد من الانتصارات ضد أعداء الإسلام والتوسع في الفتوحات لجعل كلمة الله هي العليا، خاصة وأن الزنكيين كانو حريصين على تحري الدقة في توزيع الاقطاعات على امرائهم وأجنادهم يخصون بها المخلصين منهم، يدلنا على هذا ما ذكرته ( ) ، بعض المصادر من أن عماد الدين زنكي كان يقطع بلاده : لجند يختبرهم ويعرف نصحهم وشجاعتهم ( ). وعلى هذا النهج سار الملك العادل نور الدين محمود الشهيد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق