66
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:
ثالثاً :العدل في دولة نور الدين محمود زنكي:
إن من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم ومن أهم هذه القواعد العدل قال تعالى " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " (النحل : 90). وأمر الله بفعل كما هو معلوم يقتضي وجوبه وقال تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " (النساء، آية : 58).
وقال تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا كونوا قّوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تَتَّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً " (النساء : 135).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشد الناس يوم القيامة عذاباً إمام جائر ( ) والعدل أساس الحكم ( )، وإقامته بين الناس في الدين الإسلامي تعدُّ من أقدس الواجبات، وأهمَّها، وقد اجتمعت الأمة على وجوب العدل ( )، ولقد كان نور الدين محمود زنكي قدوة في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول، فقد كانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحاً منقطع النظير، حتى اقترن اسمه بالعدل وسمي بالملك العادل، وكان من أسباب نصر الله لهذا الملك العادل على الباطنية، والصليبيين إقامته للعدل في الرعية وإيصال الحقوق إلى أهلها، فالعدل في الرعية وانصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة ويولد جيلاً محارباً وأمة تحررت إرادتها بدفع الظلم عنها، رعية تحب حكامها وتطيعهم، لأنهم أقاموا العدل على أنفسهم وأقاموا العدل على غيرهم وأما الظلم فهو ظلمات في الدينا والآخرة وهو يؤذن بزوال الدول وقد حرم الله الظلم على نفسه فقد قال في الحديث القدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ( ). وقال تعالى : " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " (الصافات : 22) وقال تعالى : " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (النمل : 52) وقد سجل التاريخ بأن نور الدين محمود ساد العدل في دولته ( ) وتم إيصال حقوق الناس إليهم فنشطوا في الجهاد والدفاع عن دينهم وعقيدتهم، وأوطانهم وأعراضهم ومن أبرز أعماله الإصلاحية والتجديدية إقامته للعدل في دولته ( ) وقد أولى نور الدين المؤسسة القضائية اهتماماً كبيراً وجعلها في قمة أجهزته الإدارية، وخول القضاة على اختلاف درجاتهم في سلم المناصب القضائية صلاحيات واسعة، إن لم نقل مطلقة ومنحهم استقلالاً تاماً، لكونهم الأداة التنفيذية لا قرار مبادي الحق والعدل، وتحويل قيم الشريعة ومبادئها إلى واقع ملتزم وتوجت جهوده بإنشاء دار العدل التي كانت بمثابة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين وإرغامهم على سلوك المحجة البيضاء أو طردهم واستبدالهم بغيرهم إن اقتضى الأمر ( ). وكان شعاره ما أكده لأصحابه مراراً : حرام على كل من صحبني ولا يرفع إلى قصة مظلوم لا يستطيع الوصول إلي ( ). ويحكي خادمه شاذبخت الطواشي الهندي – الذي كان أحد نوابه في حلب – هذه الحادثة ذات الدلالة الواضحة في هذا المجال : كنت يوماً أنا ورجل واقفين على رأس نور الدين وقد صلى المغرب وجلس وهو مفكر فكراً عظيماً وجعل ينكش باصبعه الأرض، فعجبنا من فكره وقلنا : في أي شيء يفكر ؟ في عائلته أو في وفاء دينه ؟ وكأنه فطن بنا فرفع رأسه وقال ما تقولان ؟ فأجبناه بعد تردد فقال : والله إني أفكر في والٍٍ وليته أمور المسلمين فلم يعدل فيهم، أو فيمن يظلم المسلمين من أصحابي وأعواني وأخاف المطالبة بذلك من الله (أمام الله) : فبالله عليكم .. وإلا فخبزي عليكم حرام – لاتريان قصة مظلوم لا ترفع إلي، أو تعلمان مظلمة، إلا وأعلماني بها وأرفعها إلي ( ) وقد وصف ابن الأثير نور الدين بأنه : كان يتحرى العدل وينصف المظلوم من الظالم كائناً من كان القوي والضعيف عنده في الحق سواء، فكان يسمع شكوى المظلوم ويتولى كشف ذلك بنفسه، ولا يكل ذلك إلى حاجب ولا أمير، فلا جرم أن سار ذكره في شرق الأرض وغربها ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق