145
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السابع:الإمام عبد القادر الجيلاني وجهوده في الدعوة الشعبية والإصلاح العام:
خامساً:مفهوم التصوف عند الشيخ عبد القادر الجيلاني:
3- موقفه من العلم والعمل :
اهتم الشيخ عبد القادر الجيلاني بجانبي العلم النظري والعملي وفي هذا المجال قال في نصيحة وجهها إلى بعض طلاَّبه : إن أردت الفلاح فاصحب شيخاً عالماً بحكم الله عز وجل وعلمه يعلمك ويؤدبك ويعرفك الطريق إلى الله عز وجل. ويقول : إذا لم تتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بها فما تفلح أبداً ( ) وكان الجانب العلمي موضع عناية الشيخ عبد القادر الجيلاني فمن وصاياه التي كان يوجهها إلى طلاَّبه ومريديه قوله يا غلام تحفظ القرآن ولا تعمل به تحفظ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تعمل بها. فلأي شيء تفعل ذلك تأمر الناس وأنت لا تفعل وتنهاهم وأنت لاتنتهي قال عز وجل : " كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " (الصف، آية : 3). لم تقولون وتخالفون أما تستحون لم تدَّعون الإيمان ولا تؤمنون ( ). ويؤكد على التشبيه السيء للعالم الذي لا يعمل بعلمه بقوله : مثَّل الله العالم الذي لا يعمل بعلمه بالحمار فقال : " كمثل الحمار يحمل أسفاراً " (الجمعة ، آية : 5) الأسفار هي كتب العلم هل ينتفع الحمار بكتب العلم ما يقع بيده منها سوى التعب والنصب من ازداد علمه ينبغي أن يزداد خوفه من ربَّه عز وجل وطواعيته له. يا مدعي العلم أين بكاؤك من خوف الله عز وجل ؟ أين حذرك وخوفك ؟ أين اعترافك بذنوبك ؟ أين مواصلتك للضياء بالظلام في طاعة الله عز وجل ؟ أين تأديبك لنفسك ومجاهدتها في جانب الحق وعداوتها فيه ؟ أنت همك القميص والعمامة والأكل والنكاح والدور والدكاكين والقعود مع الخلق والأنس بهم ( ) . وكان الشيخ عبدالقادر الجيلاني اهتمامه بالجوانب التربوية كبيراً إذ أن معظم توصياته لها علاقة مباشرة بالسلوك العملي التربوي ومن الأمثلة على ذلك تلك الخصال الحميدة التي وصَّى بها والتي تحتاج إلى مجاهدة عظيمة حتى يمكن الإنسان الاتصاف ( ) بها وهي :
أ- ألا يحلف بالله عز وجل لا صادقاً ولا كاذباً ولا عامداً ولا ساهياً؛ لأنه إذا أحكم ذلك من نفسه وعَّود لسانه دفعه ذلك إلى ترك الحلف ساهياً وعامداً فإذا اعتاد ذلك فتح الله عليه باباً من أنواره يعرف منفعة ذلك في قلبه ورفعة درجته وقوة في عزمه وفي صبره والثناء عند الإخوان والكرامة عند الجيران حتى يأتم به من يعرفه ويهابه من يراه.
ب- أن يجتنب الكذب لا هازلاً ولا جاداً لأنه إذا فعل ذلك وأحكمه من نفسه واعتاده لسانه شرح الله تعالى به صدره وصفاً به علمه كأنه لا يعرف الكذب وإذا سمعه من غيره عاب ذلك عليه وعيرَّه به في نفسه وإن دعا له بزوال ذلك كان له ثواب.
ث- أن يحذر أن يَعِدَ أحداً شيئاً فيخلفه ويقطع الِعدَةَ البتة فإنه أقوى لأمره وأقصد لطريقه لأن الحلف من الكذب فإذا فعل ذلك فُتح له باب السخاء ودرجة الحياء وأعطى مودة في الصادقين ورفعة عند الله جلَّ ثناؤه.
ج- أن يجتنب أن يلعن شيئاً من الخلق أو يؤذي ذرة فما فوقها لأنها من أخلاق الأبرار والصديقين وله عاقبة حسنة في حفظ الله تعالى في الدنيا مع ما يُدَّخَر له من الدرجات ويُستَنقَذ من مصارع الهلاك ويسلمه من الخلق ويرزقه رحمة العباد ويقربه منه عز وجل.
ج- أن يجتنب الدعاء على أحد من الخلق وإن ظلمه فلا يقطعه بلسانه ولا يكافئه بقول ولا فعل فإن هذه الخصلة ترفع صاحبها إلى الدرجات العلى وإذا تأدب بها ينال منزلة شريفة في الدنيا والآخرة والمحبة والمودة في قلوب الخلق أجمعين من قريب وبعيد وعزَّ في الدنيا في قلوب المؤمنين.
ح- ألاَّ يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة بشرك ولا كفر ولا نفاق فإنه أقرب للرحمة وأعلى في الدرجة وهي تمام السنة وأبعد عن الدخول في علم الله وأبعد من مقت الله وأقرب إلى رضاء الله تعالى ورحمته فإنه باب شريف كريم على الله تعالى يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين ( ).
خ- أن يجتنب النظر إلى المعاصي ويكف عنها جوارحه فإن ذلك من أسرع الأعمال ثواباً في القلب والجوارح في عاجل الدنيا مع يدخره الله له من خير الآخرة.
د- أن يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق مؤنة صغيرة ولا كبيرة بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين مما احتاج إليه واستغنى عنه فإن ذلك تمام عزة العابدين وشرف المتقين وبه يقوى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكون الخلق عنده أجمعين بمنزلة واحدة فإذا كان كذلك نقله الله إلى الغنى واليقين والثقة به عز وجل ولا يرفع أحداً سواه ويكون الخلق عنده في الحق سواء ويقطع بأن هذه أسباب عز المؤمنين وشرف المتقين وهو أقرب باب الإخلاص.
ذ- ينبغي له أن يقطع طمعه من الآدميين ولا يطمع نفسه فيما في أيديهم فإنه العز الأكبر والغني الخاص والملك العظيم والفخر الجليل واليقين الصافي والتوكل الشافي الصريح وهو باب من أبواب الثقة بالله عز وجل وهو باب من أبواب الزهد وبه ينال الورع ويكمل نسكه وهو من علامات المنقطعين إلى الله عز وجل.
ر- التواضع لأن به يُشيَّد محل العابد وتعلو منزلته، ويستكمل العز والرفعة عند الله سبحانه وعند الخلق ويقدر على ما يريد من أمر الدنيا والآخرة وهذه الخصلة أصل الخصال كلها وفرعها وكمالها، وبها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في السراء والضراء وهي كمال التقوى والتواضع هو ألاَّ يلقى العبد أحداً من الناس إلا رأى له الفضل عليه ويقول : عسى أن يكون عند الله خيراً مني وأرفع درجة فإن كان صغيراً قال : هذا لم يعص الله تعالى وأنا قد عصيت فلا شك أنه خير مني وإن كان كبيراً قال : هذا عَبَدَ الله قبلي وإن كان عالماً قال : هذا أعطي مالم أبغل ونال مالم أنل وعلم ما جهلت وهو يعمل بعلمه، وإن كان جاهلاً قال : هذا عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم، ولا أدري بما يختم لي وبما يختم له. وإن كان كافراً ( ) قال : لا أدري عسى أن يُسْلم فيختم له بخير العمل وعسى أن أكفر فيختم لي بسوء العمل ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق