143
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية
المبحث السابع:الإمام عبد القادر الجيلاني وجهوده في الدعوة الشعبية والإصلاح العام:
خامساً:مفهوم التصوف عند الشيخ عبد القادر الجيلاني:
رسم الشيخ عبد القادر الجيلاني منهجاً متكاملاً للتصوف يجمع بين العلم الشرعي المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبين التطبيق العملي والالتزام بالشرع ( ) ، فقد قال رحمه الله : انظر لنفسك نظر رحمة وشفقة وأجعل الكتاب والسنة أمامك وانظر فيهما وأعمل بهما ولا تغتر بالقيل والقال والهوس قال تعالى : " وماءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (الحشر، آية : 17) ولا تخالفوه فتتركوا العمل بما جاء به ولا تخترعوا لأنفسكم عملاً وعبادة كما قال الله عز وجل في حق قوم ضلوا سواء السبيل " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " ( ) (الحديد، آية :27) وقال : يا قوم انصحوا القرآن بالعمل به لا بالمجادلة فيه الاعتقاد كلمات يسيرة والأعمال كثيرة عليكم بالإيمان به صدقوا بقلوبكم وأعملوا بجوارحكم واشتغلوا بما ينفعكم ولا تلتفتوا إلى عقول ناقصة دنية ( ).
1- تعريف التصوف عند الشيخ :
قال : التصوف هو الصدق مع الحق وحسن الخُلقُ مع الخَلْق ( ) . وقال : هو تقوى الله وطاعته ولزوم ظاهر الشرع وسلامة الصدر وسخاء النفس وبشاشة الوجه وبذل الندى وكف الأذى وتحمل الأذى والفقر وحفظ حرمات المشايخ والعشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر والأكابر وترك الخصومة والإرفاق وملازمة الإيثار ومجانبة الإدخار وترك صحبة من ليس من طبقتهم والمعاونة في أمر الدين والدنيا. وبين الشيخ عبد القادر الجيلاني أن التصوف يقوم على ثمان خصال :
أ- السخاء :ويجعل القدوة في ذلك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي اشتهر صلوات الله وسلامه عليه بذلك .
ب- الرضا : ويجعل القدوة فيه إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وكأنه بهذا يشير إلى أنه هو الذبيح وأن استسلامه لأمر ربه ورضاه كان أبزر صفاته وهذا القول مرجوح عند أهل السنة والجماعة، فقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - الخلاف في هذه المسألة ورجَّح بالأدلة القاطعة والبراهين القوية أن الذبيح هو إسماعيل عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة وأزكى السلام ( ).
ج- الصبر والقدوة في التخلق بهذا الخلق العظيم أيوب عليه السلام فقد أثنى الله عليه بقوله : " وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب "(ص، آية :44) . وذلك لما تحلى به من الصبر لمواجهة تلك الابتلاءات العظيمة التي لا يكاد يطيقها بشر في جسده وماله وولده ( ) .
ح- الإشارة : ويذكر أن القدوة فيها هو زكريا عليه السلام وكأنه يشير بهذا إلى سرعة بديهته وشدة فهمه وذكائه عليه السلام فإنه لما رأى أن الله يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء أدرك بفطنته مدى قدرة الله عز وجل وعدم ارتباطها بالأسباب وأن الله قادر على أن يرزقه ولداً ولو كان شيخاً كبيراً قد وهن عظمه واشتغل بالشيب رأسه مع كبر أمرأته فدعا الله وناداه وقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " ( ) ( آل عمران ، آية : 38).
خ- التصوف : والقدوة في ذلك موسى بن عمران عليه السلام. ولعله أراد بذلك الإشارة إلى الاصطفاء الذي وقع عليه من الله بقوله عز وجل : " إني اصطفيتك على الناس براسالتي وبكلامي " (الأعراف آية : 144).
ر- السياحة : ويذكر أن القدوة فيها هو عيسى بن مريم عليه السلام.
س- الفقر : ولا شك أن أعظم الناس إتصافاً بهذا الوصف وهو الافتقار إلى الله وصدق اللجوء والاعتماد عليه هو خير البشر وسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم والشواهد على هذا كثيرة جداً في سيرته العظيمة ( ).
والصوفي عند عبدالقادر الجيلاني هو من تحقق من معاني التصوف حتى صار أهلاً لأن يطلق عليه صوفي في وصفه : صوفي مأخوذ من المصافاة يعني عبد صافاه الله عز وجل، أو من كان صافياً من آفات النفس خالياً من مذموماتها سالكاً لحميد مذاهبه ملازماً للحقائق غير ساكن إلى أحد من الخلائق ( ) ويضع ضابطاً دقيقاً للصوفي فيقول : " الصوفي من صفا باطنه وظاهره بمتابعة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( ) ويقول : الصوفي الصادق في تصوفه يصفو قلبه عما سوى مولاه عز وجل وهذا شيء لا يجيء بتغيير الخرق وتعفير الوجوه وجمع الأكتاف ولقلقة اللسان وحكايات الصالحين وتحريك الأصابع بالتسبيح والتهليل وإنما يجيء بالصدق في طلب الحق عز وجل والزهد في الدنيا وإخراج الخلق من القلب وتجرده عما سوى مولاه عز وجل ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق