14
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الأول
السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم
المبحث الثالث:ألب أرسلان(محمد)الأسد الشجاع:
رابعاً:حملة السلطان ألب أرسلان على الشام وضم حلب:
وضع السلطان ألب أرسلان نصب عينيه تحقيق هدفي السلاجقة وهما التوسع باتجاه الأراضي البيزنطية وطرد الفاطميين في بلاد الشام والحلول مكانهم ثم استخلاص مصر منهم، وقد آثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين فحرص على أن يحمي نفسه من بيزنطية بفتح أرمينية والاستقرار في ربوعها، قبل أن يمضي في تحقيق الهدف الثاني وهو مهاجمة الفاطميين. والواقع أنه كان من الصعب على السلطان السلجوقي، من الناحية العسكرية والسياسية، أن يتجاوز محور الرها إلى جنوبي بلاد الشام ثم مصر دون تقدير الموقف البيزنطي من جهة، ومواقف أمراء الجزيرة وبلاد الشام من جهة أخرى، إذ أن أي اضطراب في العلاقة مع هذه الأطراف من شأنه أن يهَّدد بقطع خط الرجعة على جيشه الذي سيكون بعيداً عن قواعده الخلفية ، واشتدت في هذه الأثناء غارات الأتراك على أراضي الدولة البيزنطية، وتوغلوا فيها، ففتح هارون بن خان أرتاح عام 460ه بعد أن حاصرها خمسة أشهر ، ونهض الأمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس ليوقف تقدم المغيريين، ومنعهم من التوغل أكثر في عمق الأراضي البيزنطية، وقاد حملتين عسكريتين ضد الأجزاء الشمالية لبلاد الشام بين عام
عام 461ه - 462ه فهاجم منطقة حلب، عقدة المواصلات التجارية والعسكرية بين العراق وأرمينية والأناضول وبلاد الشام، واصطدمت قواته بقوات محمود بن نصر المرداسي وبني كلاب، وابن حسان الطائي ومن معهم من جموع العرب وانتصر عليهم ، إلا أن الأمبراطور انسحب من المنطقة على عجل دون أن يستثمر انتصاره، بعد ورود أخبار عن توغل قوات تركية بقيادة الأفشين في عمق الأراضي البيزنطية، وفتحها مدينة عمورية، وأنها بصدد التوجه نحو القسطنطينية، كما أن نفاد المؤن كان سبباً آخر دفعه إلى العودة إلى بلاده . وكان السلطان ألب أرسلان ينتظر فرصة سانحة ليحقق حلمه بضم بلاد الشام ومصر إلى الأملاك السلجوقية، وأتاح له النزاع الذي حصل بين أركان الحكم في مصر من أجل السيطرة والتسلط على المستنصر الفاطمي هذه الفرصة، كان ناصر الدولة الحسين بن الحسن الحمداني أحد أبرز القادة في القاهرة، وقد انتصر على تحالف ضَّم الوزير ابن أبي كدية وألدكوز قائد عسكر الأتراك وذلك في عام 462ه ، وتمادى في تخطيطه وقرّر القضاء على الدولة الفاطمية وإقامة الدعوة العباسية، فأرسل أبا جعفر محمد بن البخاري قاضي حلب، إلى السلطان السلجوقي يطلب منه أن يرسل جيشاً إلى مصر، يساعده في تحقيق هدفه وفور تسلمه الدعوة، جهَّز ألب أرسلان جيشاً كبيراً وخرج على رأسه من خراسان متوجهاً إلى بلاد الشام لإخضاعها لسيطرة السلاجقة، ومن ثمَّ متابعة زحفه إلى مصر لإسقاط الدولة الفاطمية وضمَّ هذا البلد إلى السلطنة السلجوقية، لكن تحركه كان بطيئاً بسبب ما صادفه من عقبات كانت أولاها في الرها الواقعة تحت الحكم البيزنطي، فحاصرها في عام 463ه وقاوم الرهاويون الحصار ببسالة بقيادة باسيل بن أسار الذي عينَّه الأمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس حاكماً على المدينة، وقطع السلاجقة أشجار الحدائق وطمروا الخنادق بجانب الأسوار الشرقية كي يعبروا عليها، وقذفوا المدينة بالمجانيق، وشرع النقابون في حفر فجوات في السور، ولكن دون جدوى، واستعصت المدينة على السلطان ألب أرسلان واضطر إلى التفاهم مع سكانها بعد نيف وثلاثين يوماً من الحصار المتواصل ثم تابع طريقه إلى حلب ، لضمها حتى يمنع أي محاولة التفاف من جانب البيزنطيين من جهة الجنوب، غير أن قسماً من جيشه تقاعس عن المضي معه بسبب تأخير أرزاقهم، فاضطر أن يتابع زحفه بمن بقي معه من الجيش وعددهم أربعة آلاف مقاتل، فعبر نهرالفرات 463ه ودخل أراضي الإمارة وقدم له جميع أمراء الجزيرة الولاء أمثال شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي أمير الموصل، ونصر بن مروان أمير ميا فارقين، وابن وثاب أمير حرّان، بالإضافة إلى أمراء الترك والديلم .
1-حصار حلب وإخضاعها صلحاً للدولة السلجوقية :
تقاعس محمود بن نصر أمير حلب، ويبدو أن لذلك علاقة بالمدى الذي وصلت إليه معارضة الشيعة في حلب، وربما أدرك أنه سوف يفقد استقلاله إذا تجاوب مع مطالب السلطان السلجوقي ، فأرسل إليه القاضي أبا جعفر محمد بن البخاري يدعوه للقدوم إليه لتقديم الولاء والطاعة ودوس بساطه أسوة بسائر أمراء الجزيرة، وفتح أبواب حلب لاستقباله ، ولكن محموداً رفض الدعوة بتحريض من ابن خان، وآثر الاعتصام بحلب والدفاع عنها، وأستنفر الرجال من جميع أنحاء بلاد الشام، وتأهب لمقاومة الحصار الذي سوف يفرضه الجيش السلجوقي على المدينة، ويبدو أنه اطمأن إلى أن ولاءه للعباسيين، وللسلطان السلجوقي، وارتدا خلع الخليفة التي أرسلت إليه في عام 462ه، كافيان لحمايته من هجوم السلطان، لكنه فوجئ بوصوله إلى حلب في 463ه وضربه الحصار عليها، واتخذ السلطان من الفنيدق ، مركزاً لقيادته: وكانت الخيام والعساكر من حلب إلى نقرة بني أسد، إلى عزاز إلى الأثارب، متقاربة بعضها من بعض، ولم يتعّرض أحد من العسكر بمال أحد، ولاسُبيت حرمة، ولا قاتل،
ولم يأخذ عليقة تبن من فلاح إلا بثمنه واستمر الحصار مدة شهرين ويومين ولم يجر قتال غير يوم واحد، وكان يقول لأتباعه : أخشى أن أفتح هذا الثغر بالسيف فيصير إلى الروم ، ومهما يكن من أمر، فقد فشل السلطان في اقتحام المدينة، ولعل مرد ذلك يعود إلى شدة المقاومة ومتانة الأسوار، وإشراك محمود بن نصر جميع القبائل العربية في الدفاع عنها، بالإضافة إلى طبيعة تكوين الجيش السلجوقي الذي يعتمد على الفرسان الخفاف، والمعروف أن عمليات الحصار تتطلب جنوداً من المشاة وهو ما افتقده الجيش السلجوقي ولم تتوقف المفاوضات خلال أيام الحصار للوصول إلى حل لكن دون جدوى بسبب التصلب في المواقف، واضطر السلطان أخيراً إلى فك الحصار عن المدينة، إلا أنه خشي على سمعته بعد إخفاقه في اقتحام الرها، وأخذ حلب مما سينعكس سلباً على دولته الناشئة وبخاصة بعد ورود أبناء عن ظهور الأمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس في أرمينية وهو عازم على مهاجمة خراسان ، لذلك لجأ إلى السياسة لتفريق الكلابين وإضعاف موقف محمود بن نصر، فأستدعى جميع أمراء بني كلاب ليختر أميراً منهم يعينهَّ على حلب ويفوَّضه السعي للاستيلاء على المدينة وانتزاعها من يد محمود بن نصر، على أن يتفرغ هو لمواجهة الخطر البيزنطي ، فلبَّي الأمراء دعوة السلطان، وامتثلوا لأمره، ويدل هذا على أن التنازع كان متفشياً بين العشائر الكلابية، وأن محموداً لم يمكنَّ من جمع شمل القبيلة تحت رايته وعندما علم محمود بهذا التحول،خشي على سلطانه في حلب وبخاصة " أن البلد قد أشرف على الفتح "، كما أن موقف الب أرسلان في إدارته للأحداث يدل على حنكة سياسية حقق من خلالها أهدافه بأقصر السبل وأقل التكاليف.
2-تحرك محمود بن نصر أمير حلب للمصالحة :
عندما علم محمود بهذا التحول، خشي على سلطته في حلب فتحرك بسرعة باتجاه السلطان، وسعى إلى التوصل إلى مصالحة معه تحفظ ملكه وتفَّوت الفرصة على خصومه من الأمراء الكلابيين ، ومهما يكن من أمر، فقد خرج محمود بن نصر من حلب متخفياً بزي الأتراك في ليلة الأول من شعبان
463ه بصحبة والدته منيعة بنت وثاب النميري، وتوجه إلى معسكر السلطان، فرحَّب به هذا الأخير، وجرت مفاوضات بين الرجلين أسفرت عما يلي :
أ-يخرج محمود بن نصر في اليوم التالي علنا ليزور معسكر السلطان ويدوس بساطه، ويقدم فروض الولاء والطاعة له.
ب-يوافق السلطان على بقاء محمود أمير على حلب، على أن يكون تابعاً له ويدعو للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي وفعلاً خرج محمود في اليوم التالي من حلب، وتوجّه إلى معسكر السلطان وحمل معه مفاتيح البلد، واصطحب معه والدته، فاستقبلها السلطان، ورحب بهما وأكرمهما وأحسن إليهما، وأعلن عن بقاء محمود أميراً على حلب، وكتب له توقيعاً بذلك ، وقد أضحى بموجبه، وتابعا فعلياً ورسمياً للسلطان، ومتولياً من قبله وبتوقيعه، وليس أميراً حاكماً بقوته يستطيع في كل لحظة نقض الولاء .
3-التوغل السلجوقي في جنوبي بلاد الشام :
غادر السلطان ألب أرسلان المنطقة بعد ذلك، وعاد إلى بلاد ما وراء النهر للقتال هناك، وترك بعض عسكره وأتباعه بقيادة أتسز بن أوق الخوارزمي وكان معه إخوته، جاولي والمأمون وفزلو وشكلي، وإذن لهم بالاصطدام بالفاطميين وإخراجهم من بلاد الشام، وكان القاضي أمين الدولة أبو طالب عبد الله بن محمد بن عمار قد استبدَّ بحكم طرابلس وخلع طاعة أمير الجيوش بدر الجمالي، وضَّم مدينة جبيل الواقعة على الساحل اللبناني إلى نفوذه، واضحاً بذلك النواة الأولى لقيام إماة بني عمار المستقلة ، وحتى يدعم موقفه في طرابلس تقرّب من السلاجقة، فأرسل إليه السلطان ألب أرسلان، قبل أن يغادر المنطقة قوة عسكرية بقيادة أحد كتابه هو جابر بن سقلاب الموصلي ، لم يوضَّح المؤرخون ما تقَّرَر بين السلطان ألب أرسلان وأمير طرابلس، لكن يغلب على الظن أن معاهدة عدم اعتداء عقدت بين الطرفين يسمح بموجبها لجماعة من الأتراك بالإقامة في أعمال طرابلس ، وتنفيذاً لأوامر السلطان قاد محمود بن نصر وايتكين السليماني قواتهما وتوجها جنوباً لمهاجمة دمشق وانتزاعها من أيدي الفاطميين وذلك في 464ه وتوقفا في بعلبك ليخططا لحملتيهما، وعلم محمود بن نصر وهو في بعلبك بأن عمه عطيه هاجم حلب بالتعاون مع البيزنطيين في أنطاكية، وأحرق قسماً من معرة مصرين ، فاضطر للعودة إلى مقر إمارته للدفاع عنها، واشتبك مع البيزنطيين في عدة معارك، فانهزم أمامهم، وعندما وجد نفسه عاجزاً عن الوقوف في وجههم استعان بأتسز وإخوته، وكانوا في الجنوب يحاولون انتزاع فلسطين من أيدي الفاطميين، فلبوا دعوته، وقدموا إلى حلب، وتمكّن محمود بن نصر بفضل مساعدتهم من :
?صََّد البيزنطيين، ووقف أعمالهم ضد أراضيه.
?استعاد الرحبة من مسلم بن قريش في عام 465ه.
وبعد أن قضى منهم ما أراد، وأمن جانب البيزنطيين، طلب منهم أن يغادروا حلب، وأغراهم بالمال والخيل، فغادروا إلى الجنوب. ويبدو أنهم تركوا قسماً منهم في خدمته يبلغ ألف فارس بقيادة أحمد شاه، بدليل أنه عندما أغار البيزنطيون على أراضي حلب عام 466ه، صدّهم محمود بن نصر بمساعدة الأتراك الموجودين في حلب كما فتح قلعة السن الواقعة تحت الحكم البيزنطي وضمَّها أملاكه . وتوجه الأتراك بزعامة أتسز، بعد رحيل السلطان ألب أرسلان عن المنطقة إلى دمشق بهدف ضمَّها، فضربوا عليها حصاراً مركزاً، وأغاروا على أعمالها، وقطعوا الميرة عنها، ورعوا زرعها، ومع ذلك فقد فشلوا في اقتحامها ، فغادروها إلى فلسطين، فضُّموا الرملة، وبيت المقدس، بعد حصار، وطردوا منها الحامية الفاطمية وانتزعوا طبرية من أيدي الفاطميين، وحاصروا يافا، فهرب حاكمها رزين الدولة الفاطمي، وألغى أتسز الدعوة للمستنصر الفاطمي، وخطب للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي وأرسل إلى بغداد يخبر بما حقَّقه في بلاد الشام .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق