117
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الرابع
المدارس النظامية في عهد السلاجقة
المبحث الثاني :الإمام الشافعي وأثره في المدارس النظامية :
أولاً : اسمه ونسبه وشيء من سيرته :
1-اسمه ونسبه : هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قص بن كلاب مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب أبو عبد الله القرشي الشافعي المكي : نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه . قال النووي رحمه الله : الشافعي رضي الله عنه قرشي مطلبي بإجماع أهل النقل من جميع الطوائف وأمه أزدية :وينسب إلى جده شافع بن السائب صحابي صغير لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب مترعرع ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم في فسطاط إذ جاءه السائب بن عبيد ومعه ابنه – يعني شافع بن السائب – فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقال : من سعادة المرء أن يشبه أباه .
2-لقبه : يلقب رحمه الله بناصر الحديث وذلك لما اشتهر عنه من نصرته للحديث وحرصه على إتباعه .
3-مولده ونشأته : اتفق المؤرخون على أنه ولد عام 150ه وهو العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله .
4-مكان ولادته : اختلفت الروايات في مكان ولادته فأشهرها أنه ولد بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن .
وقد قال ابن حجر في ذلك : إنه لا مخالفة بين الأقوال لأن عسقلان هي الأصل في قديم الزمان وهي وغزة متقاربتان وعسقلان هي المدينة، فحيث قال الشافعي غزة أراد القرية وحيث قال عسقلان أراد المدينة. والذي يجمع بين الأقوال أنه ولد بغزة عسقلان ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن لأنها كانت أزدية فنزلت عندهم، فلما بلغ عشراً خافت على نسبة الشريف أن ينسى ويضيع فحولته إلى مكة ، وبهذا الجمع يذهب اللبس في اختلاف الروايات والله أعلم .
5-نشأته وطلبه للعلم : قال الشافعي : كنت يتيماً في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي المعلم قد رضي من أن أخلفه إذا قام فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث أو المسألة وكانت دارنا في شعب الخيف فكنت أكتب في العظم، فإذا كثر طرحته في جرة عظيمة .
وقد واظب الإمام الشافعي على طلب العلم، فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ الموطأ وهو ابن عشر، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة وقيل ابن ثمان عشرة أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي وعنى بالشعر واللغة وحفظ شعر الهذليين وأقام عندهم نحو من عشر سنين وقيل عشرين سنة فتعلم منهم لغات العرب وفصاحتها وسمع الحديث الكثير على جماعة المشايخ والأئمة وقرأ بنفسه الموطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته وهمته وأخذ عنه علم الحجازيين بعد أخذه عن مسلم بن خالد الزنجي وروى عن خلق كثير وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين عن شبل عن ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما اهتمامه بالفقه فيروى أن الذي أشار عليه بتعلم الفقه هو شيخه مسلم بن خالد الزنجي، فقد قال الشافعي خرجت أطلب النحو والأدب فلقيني مسلم بن خالد فقال : يا فتى من أين أنت قلت من أهل مكة قال : وأين منزلك بها قلت : بشعب الخيف قال : من أي قبيلة أنت قلت : من ولد عبد مناف قال : بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة ألا جعلت فهمك هذا في الفقه فكان احسن بك . فالشافعي بعد أن حفظ القرآن رحل إلى هذيل ومنازلها في أطراف مكة ثم بعد أن حفظ أشعارهم ولغتهم حول همته إلى الفقه وتتلمذ على مفتي مكة مسلم بن خالد الزنجي، فلما أتقن ما عنده رحل رحلته الأولى إلى المدينة .
6-رحلته إلى المدينة ولقاؤه بالإمام مالك : يحكي الشافعي قصة ذهابه إلى مالك فيقول : خرجت من مكة فلزمت هُذيلاً في البادية أتعلم كلامها وآخذ بلغتها وكانت أفصح العرب، فأقمت معهم أرحل برحيلهم وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر أيام الناس فمر بي رجل من الزهريين فقال لي : يا أبا عبد الله عز علي أن لا تكون في العلم والفقه هذه الفصاحة والبلاغة. قلت : من بقي ممن يقصد ؟ فقال : مالك بن أنس سيد المسلمين قال : فوقع ذلك في قلبي عمدت إلى الموطأ فاستعرته من رجل بمكة وحفظته ثم دخلت على والي مكة فأخذت كتابه إلى والي المدينة وإلى مالك بن أنس فقدمت المدينة فبلغت الكتاب، فلما قرأ وإلى المدينة الكتاب قال : يا بني إن مشيي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون علي من المشي إلى باب مالك فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه. فقلت : إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر فقال : هيهات. ليت أني إن ركبت أنا ومن معي وأصابنا تراب العقيق يقضي حاجتنا.
فواعدته العصر وقصدناه فتقدم رجل وقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير : قولي لمولاك إنني بالباب فدخلت فأبطأن ثم خرجت فقالت : إن مولاي يقول : إن كانت مسألة فارفعها إلى في رقعة حتى يخرج إليك الجواب وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف. فقال لها : قولي له إن معي كتاب وإلي مكة في مهم فدخلت ثم خرجت وفي يدها كرسي فوضعته فإذا بمالك شيخ طوال قد خرج وعليه المهابة وهو متطليس فدفع إليه الوالي الكتاب فبلغ إلى قوله : إن هذا الرجل شريف من أمره وحاله فتحدثه. فرمى الكتاب من يده وقال : يا سبحان الله قد صار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بالوسائل قال فرأيت الوالي وهو يهابه أن يكلمه فتقدمت إليه فقلت أصلحك الله إني رجل مطلبي من حالي وقصتي فلما أن سمع كلامي نظر إليّ ساعة وكانت لمالك فراسة فقال لي ما أسمك ؟ فقال محمد قال : يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن من الشأن. فقلت نعم وكرامة. فقال إذا كان غدا تجيء من يقرأ لك الموطأ. فقلت : إني أقرأه ظاهراً. قال فغدوت إليه وابتدأت فكلما تهيبت مالكاً وأردت أن أقطع أعجبه حسن قراءتي وإعرابي. يقول يا فتى زد حتى قرأته عليه في أيام يسيرة ثم قمت بالمدينة إلى توفي مالك بن أنس رضي الله عنه ثم ذكر خروجه إلى اليمن . وفي نصيحة الرجل الزهري للإمام الشافعي دروس وعبر منها : أهمية النصيحة في تغيير مسار الإنسان نحو الأفضل وكم كان لأثر هذه النصيحة على الشافعي والأمة الإسلامية.
7-رحلته إلى اليمن : لما ولي بعض الطالبين اليمن مشت أمه إلى بني عمه ليكلموه ليصحبه معه إلى اليمن فوافق ولم يكن عندها ما تعطيه فرهنت دارها بستة عشر ديناراً وأعطته إياها ، يقول الشافعي عن ذهابه إلى اليمن. فتحملت بها معه فلما قدمنا اليمن استعملني على عمل فَحُمِدت فيه فزاد في عملي وقدم العمال مكة في رجب فأثنوا علي وصار لي بذلك ذكر فقدمت من اليمن فلقيت ابن أبي يحي وقد كنت أجالسه فسلمت عليه فوبخني وقال : تجالسوننا وتضعون فإذا شرع لأحدكم شيء دخل فيه أو نحو هذا من الكلام. قال فتركته. ثم لقيت سفيان بن عيينه فسلمت عليه فرحب بي وقال : قد بلغني ولا يتك فما أحسن ما انتشر عنك وما أديت كل الذي لله تعالى عليك ولا تعد قال : فجاءت موعظة سفيان إياي أبلغ مما ضع ابن أبي يحي ثم ذكر رجوعه إلى اليمن وذكر بعض أعماله وحرصه على إشاعة العدل وحرصه على طلب العلم حتى شاع ذكره بين الناس وربما حسده لذلك أهل الدنيا أو خافوا من ميل الناس له أن يحدث انقسام في الدولة ولذلك كتب بعض قواد هارون الرشيد إلى هارون كتابا يخوفونه فيه من شأن العلويين وأن عندهم رجلاً يقال له محمد بن إدريس يعمل بلسانه مالاً يعمل المقاتل بسيفه فإن كانت لك بالحجاز حاجة فاحملهم منها، فحمل مقيداً إلى العراق مع بعض العلويين .
8-محنته : جاء في بعض الروايات عند ابن عبد البرقال : دخل الشافعي ومن معه من العلويين على الرشيد وكان دخولهم واحداً واحداً يكلم أحدهم وهم يسمعون من خلف الستر. قال الشافعي إلى أن بقي حدث علوي من أهل المدينة وأنا فقال للعلوي أأنت الخارج علينا والزاعم أني لا أصلح للخلافة فقال العلوي : أعوذ بالله أن أدعي ذلك أو أقوله قال فأمر بضرب عنقه فقال له العلوي إن كان لابد من قبلي فأنظرني أكتب إلى أمي بالمدينة فهي عجوز لم تعلم بخبري فأمر بقتله فقتل ثم قدمت : ومحمد بن الحسن جالس معه فقال لي مثل ما قال للفتى فقلت يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي وإنما دخلت في القوم بغياً علي وإنما أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف من قصي ولي مع ذلك حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فقال لي أنت محمد بن إدريس قلت نعم يا أمير المؤمنين قال : ما ذكرك لي محمد بن الحسن. ثم عطف على محمد بن الحسن فقال يا محمد : ما يقول هذا هو كما يقوله قال : بلى وله من العلم محل كبير وليس الذي رفع عليه من شأنه. قال فخذه إليك حتى أنظر في أمره . قال ابن كثير : فحمل الشافعي – على بغل في قيد إلى بغداد فدخلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره أربع ثلاثون سنة فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد وأحسن القول فيه محمد بن الحسن وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه وأنزله محمد بن الحسن عنده وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة أو سنتين وأكرمه محمد بن الحسن وكتب الشافعي عنه وقر بعير . وكان الإمام الشافعي معظماً لمحمد بن الحسن تمام التعظيم مع ما يجري بينهما من مناظرات وخلافات مشهورة بين المذهبين فالشافعي رحمه الله على مذهب أهل الحديث ومحمد بن الحسن رحمه الله على مذهب أهل الرأي ومعلوم ما بين المذهبين من اختلاف ومع هذا يقول الشافعي عن محمد بن الحسن : ما رأيت أحد يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه إلا محمد بن الحسن .
9-رجوعه إلى مكة وحضور الإمام أحمد إلى مجالسه : بعدما حصل الشافعي على ما استطاع من علم العراق وعلم الحجاز شعر أن الوقت حان لنشر ما عنده من علم فقرر العودة إلى مكة بعد أن ذاع ذكره واشتهر أمره وعلا قدره وبدأ يلقي دروسه في الحرم المكي وكان الحجاج من ديار الإسلام قد سمعوا عن فتى قريش قد بهر الناس علمه وفقهه فكانوا يحرصون على السماع منه فشاع بذلك ذكره في البلاد والتقى به في هذه المدة كثير من العلماء وكانوا يعجبون بسعة إطلاعه واستحضاره للدليل وحرصه على متابعة السنة وعظم فقهه واستنباطه وكانوا يعجبون من أصوله التي أصلها وقواعده التي قعدها وكلها مأخوذة من الكتاب والسنة وأكثرها لم يسمع به من قبل ومن أشهر من سمع منه هذه المرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي وفد حاجاً إلى مكة ودخل المسجد الحرام للالتقاء بكبار العلماء والمحدثين وكان أشهرهم سفيان بن عينه شيخ الإمام الشافعي لكنه وجد شيئاً في حلقة الشافعي لم يجده عند غيره لذلك بدأ الإمام بالاقتراب من حلقة الإمام الشافعي فرأى منه شيئاً جديداً غير رواية الأحاديث رأى فيه فقها وفهما ثاقبين وقواعد لم يكن سمعها من قبل فبدأ بحضور حلقته وترك من أجل ذلك حلقات كبار المشايخ قال محمد بن الفضل الفراء : سمعت أبي يقول : حججت مع أحمد بن حنبل، فنزلت في مكان واحد معه فخرج باكراً وخرجت معه فدرت المسجد فلم أره في مجلس ابن عيينة ولا غيره حتى وجدته جالساً مع
أعرابي . فقلت يا أبا عبد الله تركت ابن عيينه وجئت إلى هذا فقال لي : أسكت إنك إن فاتك حديث يعلو وجدته بنزول وإن فاتك عقل هذا أخاف ألا تجده ما رأيت أحد أفقه في كتاب الله من هذا الفتى قلت : من هذا قال : محمد بن إدريس ، وعن إسحاق بن راهوية قال : كنت مع أحمد بمكة فقال لي : تعالى حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله : فأراني الشافعي . وتواثقت العلاقة بين الفقيهين العظيمين الكبيرين ومدح الإمام أحمد الشافعي فقد روى البيهقي بسنده عن أبي إسماعيل الترمذي قال : سمعت أحمد بن حنبل وذكر الشافعي فقال : لقد كان يذب عن
الآثار ، وبسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : قال أبي قال لنا الشافعي إذا صح عندكم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقولوا حتى أذهب إليه ، وبسنده عن أحمد بن أبي عثمان قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول كان أحسن أمر الشافعي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله .
10-رحلته الثانية إلى العراق : رحل الشافعي إلى العراق عام 195ه فقد روى البيهقي بسنده عن أبي ثور قال : لما ورد الشافعي رضي الله عنه العراق جاءني حسين الكرابيسي وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي فقال : قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه قم بنا نسخر منه، فقام وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة فلم يزل الشافعي يقول : قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظلم علينا البيت فتركنا بدعتنا واتبعناه وهناك التقي به أحمد بن حنبل وكان قد التقى به قبل ذلك وأخذ عنه وأثنى عليه وقال : كانت أقضيتنا أصحاب الحديث في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع حتى رأينا الشافعي وكان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم ما كن يكفيه قليل الطلب في الحديث وعن الحسن بن محمد الزعفراني قال : كان أصحاب الحديث رقوداً حتى أيقظهم الشافعي رضي الله عنه ، وقال إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى : قدم الشافعي بغداد وفي المسجد الجامع الغربي عشرون حلقة لأصحاب الرأي فلما كان في الجمعة الثانية لم يثبت منها إلا ثلاث حلقات أو أربع حلقات، ولم تكن إقامته في العراق مستمرة بل كان يتردد بينها وبين مكة قال الحسن بن محمد الزعفراني : قدم علينا الشافعي سنة خمس وتسعين ومائة فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام عندنا أشهراً ثم خرج إلى مصر .
11-رحلته إلى مصر : كانت نفسه تتوق إلى مصر رغماً عنها وكان لا يدري حقيقة هذا الرغبة ولكنه استسلم أخيراً لقضاء الله وخرج من العراق إلى مصر وفي ذلك يقول :
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر
ومن دونها أرض المهامة والقفر
فوالله ما أدري أ للفوز والغنى
أساق إليها أم أساق إلى القبر
وحين قدم الشافعي رحمه الله مصر ذهب إلى جامع عمرو بن العاص وتحدث به لأول مرة أحبه الناس وتّعلقوا به . قال هارون بن سعيد الأيلي : ما رأيت مثل الشافعي قدم علينا مصر فقيل قدم رجل من قريش فجئناه وهو يصلي فما رأينا أحسن صلاة منه ولا أحسن وجهاً منه فلما تكلم ما رأينا أحسن كلاماً منه فافتتنا به ، وهناك برز للناس علم الشافعي وسعة إطلاعه واستفاد هو من رحلاته وعمد إلى كتبه التي كتبها من قبل يراجعها ويصحح ما أخطأ فيه ورجع عن كثير من أقواله وأظهر مذهبه الجديد وأعاد تأليف كتبه ولازمه كثير من العلماء الذين أثر فيهم علم الشافعي ومنهجه وحرصه على متابعة السنة . ومما مضى من سيرة الشافعي نستفيد الدروس الآتية :
?في نصيحة الرجل الزهري خير عظيم ترتب عليه للشافعي والأمة، فتظهر أهمية النصح الصادق لخير الأمة، وأهمية الاستجابة لهذا النصح الكريم.
?في والدة الشافعي نموذج للأم الصالحة التي يستحق الاقتداء بها وتقديرها، فرغم فقرها وحاجتها فإننا نرها كيف تبذل وتضحي في سبيل تعليم ابنها وقد أقّر الله عينها، فرأت ثمار تعبها في هذا الإمام العظيم.
?التلطف وحسن الخلق في النصح وحسن المدخل عندما قال الرجل الزهري يا أبا عبد الله يعز علي ألا تكون في العلم والفقه هذه الفصاحة.
12-وفاته : مكث الشافعي آخر عمره مشتغلاً بنشر العلم والتصنيف في مصر حتى أضر ذلك بجسده، فأصيب بالبواسير التي كانت تسبب له خروج الدم ولكنه حبه للعلم جعله يؤثر طلبه ونشره والتصنيف فيه على نفسه واستمر هكذا حتى وافته منية الموت في آخر شهر رجب سنة 204ه رحمه الله رحمةً واسعة . وقال المزني : دخلت على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فقلت له : كيف أصبحت يا أستاذ ؟ فقال : أصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولسوء عملي ملاقياً ما أدري أروحي إلى الجنة فأهنيها ؟ أم إلى النار فأعزيها ؟ ثم رمى بطرفه إلى السماء واستعبر وأنشد :
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
وإن كنت ياذا المن والجود مجرماً
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زالتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منه وتكرماً
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد
فكيف وقد أغوى صفيك آدماً
فإن تعف عني تعف عن متمرد
ظلوم غشوم ما يزايل ما ثما
وإن تنتقم مني فلست بآيس
ولو أدخلت نفسي بجرمي جهنما
فجرمي عظيم من قديم وحادث
وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق