169
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الرابع : مسيلمة الكذاب وبنو حنيفة
ثالثاً: تحرك خالد بن الوليد بجيشه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة:
أ-مجاعة بن مرارة الحنفي يقع في أسر المسلمين:
مرّت مقدمة جيش خالد بنحو من أربعين -وقيل ستين- فارساً، عليهم مجاعة بن مرارة الحنفي، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له، في بني تميم وبني عامر، وفي طريق عودته إلى قومه أسرهم المسلمون، فلما جيئ بهم إلى خالد قال لهم: ماذا تقولون يابني حنيفة؟ قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي، فقتلهم( )، وفي رواية: سألهم خالد: متى شعرتم بنا؟ قالوا: ماشعرنا بك! إنما خرجنا لنثأر فيمن حولنا من بني عامر وتميم. فلم يصدقهم خالد، بل حسبهم جواسيس عليه، لمسيلمة الكذاب، فأمر بقتلهم جميعاً، فقالوا له: إن تريد بأهل اليمامة غداً شراً أو خيراً، فاستبق هذا، وأشاروا إلى رئيسهم مجّاعة، فاستبقى مجاعة وقتل الآخرين( ).
وكان مجاعة بن مرارة سيداً في بني حنيفة، شريفاً مطاعاً، فكان خالد كلما نزل منزلاً واستقر به، دعا مُجاعة فأكل معه وحدثه، فقال له ذات يوم: أخبرني عن صاحبك -يعني مسيلمة- ماالذي يقرأكم؟ هل تحفظ منه شيئاً؟ قال نعم: فذكر له شيئاً من رجزه، فقام خالد وضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: يامعشر المسلمين، اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن، ثم قال: ويحك يامجاعة، أراك رجلاً سيداً عاقلاً اسمع إلى كتاب الله عزوجل، ثم انظر كيف عارضه عدو الله، فقرأ عليه خالد{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فقال مجاعة: أما إن رجلا من أهل البحرين كان يكتب، أدناه مسيلمة وقرّبه حتى لم يكن يُعدّ له في القُرْب عنده أحد، فكان يخرج إلينا فيقول: ويحكم يا أهل اليمامة، صاحبكم والله كذّاب، وما أظنكم تتهموني عليه، إنكم لترون منزلتي عنده وحالي، هو والله يكذبكم وبايعكم على الباطل، قال خالد: فما فعل ذلك البحراني، قال: هرب منه، كان لايزال يقول هذا القول حتى بلغه فخافه على نفسه، فهرب، فلحق بالبحرين، قال خالد: هات زدنا من كذب الخبيث، فقال مجاعة بعض رجز مسيلمة، فقال خالد: وهذا كان عندكم حقاً، وكنتم تصدقونه؟ قال مجاعة: لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غداً أكثر من عشرة ألف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الأعجل، قال خالد: إذاً يكفيناكم الله ويعز دينه، فإياه يقاتلون، ودينه يريدون( )، فهذا رد يدل على عظمة إيمان خالد وثقته بالله، فقد كان إيمانه بالله وثقته المطلقة في نصر الله لدينه، هما اللذان فجرا في شخصيته كنوز المواهب الحربية وفنون المهارات القيادية، لقد قاتل يوم بزاخة بسيفين حتى قطعهما فقد كان يملأ الإيمان قلبه، ويعتز بالله وحده، وكان ذلك كفيلاً بإسقاط هيبة عدوه من نفسه وغرس هيبته في قلب عدوه، وذلك أول الطريق لإحراز النصر الحاسم عليه، وإلحاق الهزيمة الساحقة به( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق