إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

393 تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة الفصل الخامس : مؤسسة الولاية في عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه المبحث الأول : أقاليم الدولة ثامنًا: ولاية البصرة:


393

تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة

الفصل الخامس : مؤسسة الولاية في عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه

المبحث الأول : أقاليم الدولة

ثامنًا: ولاية البصرة:

أرسل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه عثمان بن حنيف الأنصاري أميرًا على البصرة بدلاً من عبد الله بن عامر واليها السابق الذي تركها واتجه إلى مكة المكرمة، وقد كان عثمان بن حنيف الأنصاري صاحب خبرة في المنطقة؛ إذ سبق أن عينه عمر على مسح (السواد) وتقدير الخراج فيه( ), وقد سار عثمان بن حنيف إلى البصرة ودخلها بسلام، إلا أن أهل البصرة انقسموا ثلاث فرق، فرقة بايعت ودخلت في الجماعة، وفرقة اعتزلت وقالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنعه، وفرقة رفضت الدخول في البيعة( ).ولم يلبث عثمان بن حنيف طويلاً في الولاية، فقد قدم إلى البصرة جيش طلحة والزبير وعائشة قبل معركة الجمل ومعهم ممن خرج للمطالبة بدم عثمان، وتطورت الأمور وحدث قتال، وخرج عثمان بن حنيف إلى بن أبى طالب رضي الله عنه فلقيه في طريقه إلى البصرة قبيل وقعة الجمل، وبذلك انتهت ولاية عثمان بن حنيف، وقد وصل على بن أبى طالب إلى البصرة ومكث فيها بعضًا من الوقت حدثت في أثنائه وقعة الجمل- التي سيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى – وعندما أراد على بن أبى طالب الخروج من البصرة ولى عبد الله ابن عباس، رضي الله عنه، وقد ولى علىٌّ مع عبد الله بن عباس زياد بن أبيه على الخراج، وأمر ابن عباس أن يستشيره ويأخذ برأيه نظرًا لما وجد على عنده من خبرة في العمل وفطانة في السياسة( ). وقدم على بعض النصائح لابن عباس منها قوله: «أوصيك بتقوى الله عز وجل والعدل على من ولاك الله أمره، اتسع للناس بوجهك وعلمك وحكمك، وإياك والإحن( ), فإنها تميت القلب والحق، واعلم أن ما قربك من الله بعدك من النار، وما قربك من النار بعدك من الله، واذكر الله كثيرًا ولا تكن من الغافلين( ). وقد بدأ ابن عباس يمارس عمله في ولايته وهو صحابي عرف بعلمه الواسع في الفقه والتفسير، وقد أثبت مهارة إدارية بتوطيد الأمن في سجستان وهي تابعة لولاية البصرة، وفي إقليم فارس حيث عين زياد بن أبى سفيان واليًا عليه، كما أنابه حين خرج من البصرة فتمكن من ضبط الأمن فيها، ويعتبر عبد الله بن عباس من أهم رجالات أمير المؤمنين على، وكان يرافقه في الأحداث الخطيرة، وينصح له ويجادل عنه، وكان أمير المؤمنين على يعتمد عليه ويستشيره، وقد استمرت ولاية ابن عباس على البصرة حتى 39هـ، وكان يعاونه صاحب الشرطة وصاحب الخراج، وقد استمر ابن عباس في بعض الروايات على البصرة حتى مقتل على، قال الطبري في حوادث سنة 40هـ: فيها خرج
عبد الله بن عباس من البصرة، ولحق بمكة في قول عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل بالبصرة عاملاً عليها من قبل أمير المؤمنين على رضي الله عنه حتى قتل، وبعد مقتل على صالح الحسن معاوية، ثم خرج إلى مكة( ).

إن شخصية ابن عباس كانت شخصية قيادية جمعت صفات القائد الرباني، من العلم والفطنة والذكاء والصبر، والحزم، وغيرها من الصفات إلا أنه أشتهر بالفقه والعلم بسبب دعاء رسول الله × له بالفقه في الدين والعلم بالتأويل، وأخذه عن كبار الصحابة، وقوة اجتهاده وقدرته على الاستنباط، واهتمامه بالتفسير، ومنهجه المتميز في تعليم أصحابه، وحرصه على نشر العلم، ورحلاته وأسفاره، وتأخر وفاته وقرب منزلته من عمر، رضي الله عنه( ), فقد حظي بعناية خاصة من الفاروق عندما لمس فيه مخايل النجابة والذكاء والفطنة، فكان يدنيه من مجلسه، ويقربه إليه، ويشاوره، ويأخذ برأيه فيما أشكل من الآيات، وابن عباس مازال شابًا غلامًا، فكان لذلك الأثر البالغ في دفعه وحثه على التحصيل والتقدم، بل والإكثار في باب التفسير وغيره من أبواب العلم، فعن عامر الشعبي عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: قال لي أبى: يا بنى إني أرى أمير المؤمنين يقربك، ويخلو بك، ويستشيرك مع أناس من أصحاب رسول الله، فاحفظ عنى ثلاثًا: اتق الله ولا تفشين له سرًا، ولا يجربن عليك كذبة، ولا تغتابن عنده أحدًا( ), وكان عمر يدخله مع أكابر الصحابة، وما ذلك إلا لأنه وجد فيه قوة الفهم وجودة الفكر، ودقة الاستنباط، وقد قال ابن عباس، رضي الله عنهما: كان عمر يسألني مع أصحاب محمد ×، فكان يقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا، فإذا تكلمت قال: غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه( ), وكان ابن عباس لشدة أدبه، إذا جلس في مجلس فيه من هو أسن منه لا يتحدث إلا إذا أُذن له، فكان عمر يلمس ذلك منه فيحثه، ويحرضه على الحديث تنشيطًا لنفسه، وتشجيعًا له في العلم( ). وكان لعمر، رضي الله عنه، مجلس يسمع فيه الشباب ويعلمهم، وكان ابن عباس من المقدمين عند عمر، فعن عبد الرحمن بن زيد قال: كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا صلى السبحة وفرغ دخل مربدًا له( ), فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن منهم ابن عباس، قال: فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرفنا، قال: فمروا بهذه الآية:+وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ? وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [البقرة:206، 207]، فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جانبه: اقتتل الرجلان: فسمع عمر ما قال، فقال: وأي شيء قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال: فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله فإذا لم يقبل، وأخذته العزة بالإثم قال هذا: وأنا أشرى نفسي، فاقتتل الرجلان، فقال عمر: لله تلادك يا ابن عباس( )، وكان عمر، رضي الله عنه، يسأل ابن عباس عن الشيء من القرآن ثم يقول: غص غواص( ), بل كان إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس: يا ابن عباس قد طرأت علينا أقضية عضل، وأنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ برأيه، وما كان يدعو لذلك أحدًا سواه إذا كانت العضل( ), وعن سعد بن أبى وقاص قال: ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألب لبًا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار( ), وكان عمر يصفه بقوله: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانًا سؤولاً، وقلبًا عقولاً( ), يقول طلحة بن عبيد الله: ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم على ابن عباس أحدًا( ), وكان ابن عباس، رضي الله عنه، كثير الملازمة لعمر، حريصًا على سؤاله والأخذ عنه، ولذا كان رضي الله عنه من أكثر الصحابة نقلاً ورواية لتفسير عمر وعلمه- رضي الله عنه -، وقد أشار بعض أهل العلم إلى أن عامة علم ابن عباس أخذه عن عمر، رضي الله عن الجميع( ), لقد كان اهتمام عمر به مساعدًا له على المضي قدما في طريق العلم عامة والتفسير خاصة( ), ولذلك تشرفت المدرسة المكية في عهد التابعين بحبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما( ), وكان ابن عباس في عهد عثمان من المقربين إلى الخليفة، وقد كلفه بالحج بالناس في العام الذي قتل فيه( ), هذا وقد عمل بعض المتأثرين بمدرسة الاستشراق بتشويه صورة حبر الأمة ونسبوا إليه أباطيل وأكاذيب ألصقوها بسيرته، علمًا بأن مدرسة الاستشراق فيما يتعلق بالعهد الراشدى وتاريخ صدر الإسلام امتداد لمؤرخي الرفض والشيعة الغلاة الذين اختلقوا الروايات والأخبار، ولطخوا بها سيرة الصحابة الكرام، فجاء مؤرخو الاستشراق وأحيوا تلك الأخبار الكاذبة، والروايات الموضوعة، وصاغوها بأسلوب حديث ويرفعون شعار الموضوعية والبحث العلمي، وكل هذا كذب وزور، وقد تأثر به الكثير من الباحثين والأدباء والمؤرخين، ولذلك تجد في كتب التاريخ والأدب المعاصر البعيدة عن منهج أهل السنة والموغلة في مناهج المستشرقين، تشويهًا عجيبًا للصحابة، فمثلا: زعمت تلك الكتب أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه نهب أموال المسلمين بالبصرة، وغدر بابن عمه على رضي الله عنه، وهرب بالأموال المسروقة إلى مكة، وتطلع للانضمام إلى معاوية( ) بعد أن كان مع على، ذكر ذلك دون حياء صاحب كتاب الفتنة الكبرى (على وبنوه) الدكتور طه حسين والعبارات التي وردت على لسان طه حسين في كتابه (على وبنوه):

1- قال: وكان لابن عباس من العلم بأمور الدين والدنيا، ومن المكانة في بنى هاشم خاصة وفي قريش عامة، وفي نفوس المسلمين جميعًا، ما كان خليقًا أن يعصمه من الانحراف عن ابن عمه( ).
2- قال: رأى ابن عباس نجم ابن عمه في أفوال، ونجم معاوية في صعود، فأقام في البصرة يفكر في نفسه أكثر مما يفكر في ابن عمه( ).
3- قال: ولو نسي ابن عباس نفسه قليلاً! ولكنه لم يضعها بحيث كان يجب عليه أن يضعها منذ قليل، أن يكون واليًا لعلى على مصر من أمصار المسلمين( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق