إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

400 تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة الفصل الخامس : مؤسسة الولاية في عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه المبحث الثاني : تعيين الولاة في عهد على رضي الله عنه أولاً: موقف على من ولاة عثمان وتعيينه لأقاربه: 1- موقف على من ولاة عثمان:


400

تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة

الفصل الخامس : مؤسسة الولاية في عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه

المبحث الثاني : تعيين الولاة في عهد على رضي الله عنه

أولاً: موقف على من ولاة عثمان وتعيينه لأقاربه:

1- موقف على من ولاة عثمان:

كان أمير المؤمنين على رضي الله عنه يدرك إدراكًا كاملاً، أن من الأسباب الرئيسية للفتنة، عدم رضا مجموعة من الناس عن ولاة عثمان، رضي الله عنه، وذلك بسبب ما أشاعه رؤوس الفتنة ضد عثمان وولاته، وليس لعجزهم أو ظلمهم، ولكن الكثير من الكتاب المعاصرين في حديثهم عن سياسة على في تولية الولاة، يستفتحون بقولهم: إن عليًا لم يكن ليرضى أن يبقى عمال عثمان على ولايتهم ساعة واحدة بعد توليه الخلافة، يمنعه من ذلك دينه وأمانته( ), وما أفظع هذا الاتهام الموجه ضد عثمان، رضي الله عنه، وضد عماله، وقد نسفته في كتابي تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان، وتحدثت عن حقيقة ولاة عثمان في مبحث كامل( ), فمن أراد المزيد فليرجع إليه.

لقد اعتمد من طعن في ولاة عثمان على روايات واهية ومشهورة وهي:

أ- الرواية الأولى:

من طريق الواقدى: أن ابن عباس قال: دعاني عثمان فاستعملني على الحج ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلىّ، فأتيته في داره، فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليًا به فحبسني حتى خرج من  عنده، فقلت: ماذا قال هذا؟ قال: قال لي قبل مرته هذه: أرسل إلى عبد الله بن عامر، وإلى معاوية، وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم، يبايعون لك الناس، فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس، فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى، قال: ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أنه مخطئ ثم عاد إلىّ الآن فقال: إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه، ثم رأيت بعد ذلك رأيًا، وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله، وهم أهون شوكة مما كان، قال ابن عباس: فقلت لعلى: أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الأخيرة فقد غشك، قال لي على: ولو نصحني؟ قال ابن عباس: لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولى الأمر، ومتى تعزلهم يقولون: أخذ هذا الأمر بغير شورى، وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك، فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك، فقال على: أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحهما، وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدًا أبدًا، فإن أقبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف، قال ابن عباس: أطعني وادخل دارك والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدًا، فأبى على، فقال لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها، فقال ابن عباس: ما هذا برأي، معاوية من بنى أمية، وهو ابن عم عثمان رضي الله عنه وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علىّ، فقال له على: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإن كان ما حمل عليك حمل على ولكن اكتب إلى معاوية فمنَّه وعده، فأبى علىّ وقال: والله لا كان هذا أبدًا( ).

ب- الرواية الثانية:

وهي مثل الرواية الأولى في المعنى، وفيها زيادة واختلاف يثير الشك في صحتها، وهو أن ابن عباس قدم مكة بعد مقتل عثمان- رضي الله عنه- فلقي في طريقه الزبير وطلحة ومعهما فئة من قريش بالنواصف( ), يريد مكة، وهذا يخالف الحقيقة، إذ إن عليًا بويع بعد أن وصل ابن عباس من الحج، وأن الزبير وطلحة قد بايعا عليًا، فإذا خرجا في هذا الوقت يكون قد خرجا قبل البيعة وهذا خطأ واضح جلي( ).

جـ- الرواية الثالثة:

 رواية أبى مخنف، رواها بدون إسناد، بأن المغيرة بن شعبة أشار على علىّ أن يثبت معاوية على الشام، وأن يولى طلحة والزبير البصرة والكوفة، فاعترض ابن عباس على رأيه لأن البصرة والكوفة عين المال ومصدره، فإذا ولاهما ضيَّقا على علىًّ، وأن ولاية معاوية الشام لا تنفعه وقد تضره، فاستمع على إلى رأي ابن عباس، ولم يقبل مشورة المغيرة بن شعبة( ).

د- الرواية الرابعة:

وردت رواية الواقدى الأولى بشيء من الاختصار عن ابن عبد البر( ), ولكن بدل ابن عباس، الحسن( ). إن هذه الروايات يأتي خطرها من حيث إنها الأساس الذي بنيت عليه أهم الدارسات المعاصرة وخرجت منها بنتائج خطيرة تطعن في أكابر الصحابة أهل الشورى، في دينهم وفي عدلهم وأمانتهم، وتصورهم أفرادًا ماديين همهم الثروة والسلطان ولو على حساب دماء المسلمين، وما الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان، وما حرب الجمل إلا بسبب هذه الأطماع الشخصية( ), ويظهر الاضطراب والنكارة في متن هذه الروايات في جل فقراتها، فقوله: إن ابن عباس قدم المدينة بعد بيعة علىّ يخالف الروايات الموثوقة في أنه جاء قبل أن يبايع بالخلافة وقد تقدم. وقوله: أشار المغيرة على علىّ بأن يرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى معاوية، وإلى عمال عثمان بعهودهم يقرهم على أعمالهم..يخالف روايات أوثق منها تفيد أن معظم هؤلاء الولاة قد تركوا ولاياتهم واتخذوا سبيلهم إلى مكة، فكيف يرسل إليهم بإثباتهم وهم قد تركوا البلاد؟.

وقوله:

إن عليًا قال في هؤلاء الولاة، والله لو كانت ساعة نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء، ولا مثلهم يولى، يخالفه أن هؤلاء الولاة مؤهلون للإمارة والقيادة، فقد توسعت على أيديهم الدولة الإسلامية، فعبد الله بن عامر وصلت فتوح البصرة في ولايته إلى كابل – عاصمة أفغانستان- أما معاوية فلو أنه لم يكن مؤهلاً ما ولى عشرين عامًا.. وقد بينت أن عدم رضا مجموعة من الناس عن عمال عثمان هو بسبب ما أشاعه أهل الفتنة عنهم، وليس لعجزهم، والواقع التاريخي يثبت ذلك، وتصور الرواية الواهية المغيرة بن شعبة بالمداهنة والغش، وعدم المبالاة بمصلحة المسلمين، وفي هذا الوقت العصيب بالذات، وهذا لا يوافق أخلاقه وسيرته قبل الفتنة وبعدها، كما تصور – عن حسن نية- عليًا رضي الله عنه بالجاهل في هذه الأمور السياسية، وأن المغيرة وابن عباس هما العارفان بهذه الأمور( ), وأما رواية أبى مخنف، فإن ابن عباس يشير على علىّ بعزل معاوية وأن ولايته لا تنفعه «سياسيًا» بخلاف روايات الواقدى- وفيها أن الصحابيين الجليلين طلحة والزبير إذا ولاهما على مِصْرَيْ العراق، فسيستأثران بموارده المالية( ).

إن الروايات السابقة واهية من حيث السند، وهذا كاف في إسقاطها، ومضطربة ومنكرة من حيث المتن، وهي روايات افتراضية إذا حدث كذا فسيحدث كذا، فهي لا تنقل الخبر التاريخي على حقيقته، وللأهواء وتدخل الراوي بشخصه وميوله الرافضة أثر في ذلك( ).

وما قام به أمير المؤمنين على رضي الله عنه من تعيين ولاة جدد أدعى إلى بيعة الناس في تلك البلاد البعيدة، وليجدد بهم عهد الفتوحات، ويفسح المجال أمام العبقريات الجديدة أن تنطلق وتخدم دين الله تعالى( ).

إن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه كان يمتلك موهبة قيادية ومعرفة بالنفوس والأوضاع القائمة، وأنه أقال الولاة ليختار سواهم حسب ما يراه ملائمًا لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه، وقد عزل عمر بعض ولاة أبى بكر، كما عزل عثمان بعض ولاة عمر، وبالتالي من حق على أن يعزل من يرى أن المصلحة متحققة بعزله وتعيين غيره( ), وقد جانب الصواب بعض المؤلفين المعاصرين في قضية عزل على لولاة عثمان، فاشتطت أقلامهم في تفسير هذا الموقف، فمنهم من حمله على صلابة على في الحق وضرورة التغيير، ومنهم من حمله على ضعف خبرة على السياسية، وأن الأولى سياسيًا إبقاء الولاة، وخاصة معاوية حتى تستقر الأوضاع وتؤخذ البيعة لعلي في الأمصار، وهذه التفسيرات مدارها على روايات واهية وأخبار ضعيفة تدور حول إبداء المغيرة بن شعبة رأيين متعارضين حول الموقف من الولاية( ), كما أن عليًا – رضي الله عنه- إمام مجتهد له أن يعزل جميع عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك، وقد ولى رسول الله ×، وهو المعصوم- خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء وعمرو بن العاص على عمان( ), فعزلهما الخليفة الصديق من بعده – رضي الله عنه – عزل خالد وولى مكانه المهاجر بن أبى أمية- له صحبة – وعزل عمرو وولى مكانه حذيفة بن محصن – له صحبة- ( ), وقد ولى أبو بكر – رضي الله عنه – القائدين العظيمين خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة – رضي الله عنهما- فعزلهما عمر- رضي الله عنه – مع كفاءتهما( ), وولى الفاروق – رضي الله عنه – على مصر عمرو بن العاص( ) – رضي الله عنه – وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- ( ), فعزلهما ذو النورين، وولى على مصر ابن أبى سرح( ), وعلى الكوفة سعد بن أبى وقاص( ), فهل ينتقد عاقل الصديق والفاروق وذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء؟ إن لكل وقت أحوالاً وظروفًا تطرأ، فيحمل اللاحق على ما لا يراه السابق من الاجتهاد، ويرى الشاهد ما لا يراه الغائب( ) وأما قول بعض الكتاب المعاصرين بأن أمير المؤمنين على عزل جميع عمال عثمان، فإن العزل لم يتحقق إلا في معاوية بن أبى سفيان في الشام( ), وخالد بن أبى العاص بن هشام في مكة( ), وأما البصرة فخرج منها عبد الله ابن عامر، ولم يول عثمان عليها أحدًا( ), وفي اليمن أخذ أميرها يعلى بن منية- رضي الله عنه – مال جباية اليمن وقدم مكة بعد مقتل عثمان، وانضم إلى طلحة والزبير وحضر معهما موقعة الجمل، ووفد ابن أبى سرح عامل مصر واستناب ابن عمه عليها، فلما رجع إليها وجد ابن أبى حذيفة تغلب عليها فطرده عنها، فذهب إلى الرملة بفلسطين، ومكث بها حتى مات( ), وهكذا فإن أميرى اليمن والبصرة عزلا نفسيهما، وأمير مصر عزله المتغلب عليها ابن أبى حذيفة، وأمير الكوفة أقره علىّ- رضي الله عنه – في منصبه، فلم يرد العزل حقيقة إلا في حق معاوية والى الشام وخالد بن أبى العاص والى مكة، كما أن أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه ولى أخيار الناس على المسلمين، فمن الولاة الذين ولاهم على الأقاليم سهل بن حنيف على الشام وهو صحابي جليل شهد بدرًا وأحدًا، وثبت مع النبي × يوم أحد حين انكشف الناس وبايعه على الموت، وجعل ينضح بالنبل عن رسول الله ×، وشهد أيضًا الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ×( ), وولى عثمان بن حنيف على البصرة، وهو صحابي من الأنصار كان عاملاً لعمر على العراق( ), كما ولى قيس بن سعيد بن عبادة على مصر( ), وكان صاحب شرطة النبي × وكان جوادًا من ذوى الرأي والذكاء( ), وولى عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب على اليمن، له صحبة( ), وهو أصغر من أخيه بسنة، وكان كريمًا ممدوحًا نبيلاً( ), وأما قول بعض الكتاب، إنه عزل العمال قبل أن تصل إليه بيعة أهل الأمصار، فإنه تولية الإمام العمال على الأمصار غير مشروطة بوصول بيعة أهلها له عند جميع المسلمين، فمتى بايع أهل الحل والعقد أي خليفة لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز خلافته شرعًا وعقلاً، ولو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة الصديق- رضي الله عنه – لأنه تصرف بإرسال بعث أسامة ومحاربة المرتدين ومانعي الزكاة قبل وصول بيعة أهل مكة والطائف وجواثى في البحرين، وكذلك الفاروق، رضي الله عنه، فإنه استهل خلافته بعزل خالد بن الوليد وتولية أبى عبيدة بن الجراح قائدًا عامًا على جيوش المسلمين بالشام قبل وصول بيعة أهل اليمن وجيوش المسلمين بالشام والعراق إليه، وتصرف ذو النورين- رضي الله عنه – في أمور المسلمين أيضًا قبل بيعة الأمصار إليه( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق