161
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
ثانياً: القضاء على فتنة الأسود العنسي وطليحة الأسدي، ومقتل مالك بن نويرة:
4- ردة أهل عُمان والبحرين:
• هزيمة المرتدين:
ثم لما اقترب من جيوش المرتدة -وقد حشدوا وجمعوا خلقاً عظيماً- نزل ونزلوا، وباتوا مجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبدالله بن حذف فدخل فيهم فوجدهم سُكارى لايعقلون من الشراب، فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فورهم والجيش معه فكسوا أولئك فقتلوهم قتلاً عظيماً، وقل من هرب منهم واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمة، عظيمة جسيمة، وكان الحُطَم بن ضُبيعَة أخو بني قيس بن ثعلبة من سادات القوم نائماً، فقام دهشا"ً حين اقتحم المسلمون عليهم، فركب جواده فانقطع ركابه فجعل يقول: من يصلح لي ركابي؟ فجاء رجل من المسلمين في الليل فقال: أنا أصلحها لك، ارفع رجلك، فلما رفعها ضربه بالسيف فقطعها مع قدمه، فقال: أجهز عليّ، فقال: لا أفعل، فوقع صريعاً وكلما مرّ به أحد يسأله أن يقتله فيأبى، حتى مر به قيس بن عاصم فقال له: أنا الحُطم فاقتلنى فقتله، فلما وجد رجله مقطوعة ندم على قتله وقال: واسوأتاه، لو أعلم مابه لم أحركه، ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين، يقتلونهم بكل مرصد وطريق وذهب من فرّ منه أو أكثر الى دارين( )، ركبوا إليها السفن، ثم شرع العلاء الحضرمي في قسمة الغنيمة ونَفَل الأنفال ولما فرغ من ذلك قال للمسلمين: اذهبوا بنا الى دارين لنغزو من بها من الأعداء، فأجابوا الى ذلك سريعاً، فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن، فرأى أن الشُّقة بعيدة لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول: ياارحم الراحمين ياحكيم ياكريم، ياأحد ياصمد، ياحي ياقيوم، ياذا الجلال والاكرام لا إله إلا أنت ياربنا( ). وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا، ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بإذن الله على مثل رملة دمثة فوقها ماء لايغمر أخفاف الإبل، ولا يصل الى رُكب الخيل، ومسيرته للسفن يوم وليلة، فقطعه الى الجانب الآخر فعاد الى موضعه الأول، وذلك كله في يوم، ولم يترك من العدو مخبراً وانساق الذراري والأنعام والأموال، ولم يفقد المسلمون في البحر شيئاً عُليقة فرس لرجل من المسلمين، ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها، ثم قسم غنائم المسلمين فيهم، فاصاب الفارس ستة آلاف والرجل ألفين، مع كثرة الجيشين وكتب الى الصديق فأعلمه بذلك، فبعث الصديق يشكره على ماصنع، وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر وهو عفيف بن المنذر:
ألم تر أن الله ذللَّ بحره
وأنزل بالكفار إحدى الجلائل( )
دعونا الى شقِّ البحار فجاءنا
بأعجب من فلق البحار الأوائل( )
وكان مع المسلمين في هذه المواقف والمشاهد التي رأوها من أمر العلاء، وما أجرى الله على يديه من الكرامات، رجل من أهل هجر راهب فأسلم حينئذ، فقيل له: مادعاك الى الاسلام؟ فقال: خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله، لما شاهدت من الآيات: قال: وقد سمعت في الهواء وقت السِّحَر دعاء، قالو: وماهو؟ قال: اللهم أنت الرحمن الرحيم، لا إله غيرك والبديع ليس قبلك شيء والدائم غير الغافل، والذي لايموت، وخالق مايرى ومالايرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللهم كل شيء علماً، قال: فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله، فحسن إسلامه وكان الصحابه يسمعون منه( ).
وبعد هزيمة المرتدين رجع العلاء بن الحضرمي الى البحرين، وضرب الاسلام بجرانه، وعزّ الاسلام وأهله، وذل الشرك وأهله( )، ولولا تدخل بعض العناصر الأجنبية لصالح المرتدين، ماتجرأ المرتدون على الموقف في وجه المسلمين مدة طويلة، إذ أن الفرس قد أمدو المرتدين بتسعة آلاف من المقاتلين، وكان عدد المرتدين من العرب ثلاثة آلاف، وعدد المسلمين أربعة آلاف( ) وكان للمثنى بن حارثة دور كبير في إخماد فتنة البحرين والوقوف بقواته بجانب العلاء بن الحضرمي، وقد سار بجنوده من البحرين شمالاً ووضع يده على القطيف وهجر حتى بلغ مصب دجلة وقضى في سيره هذا على قوات الفرس وعمالهم ممن عانوا المرتدين بالبحرين وأنه انضم الى العلاء بن الحضرمي في مقاتلة المرتدين على رأس من بقي على الاسلام من أهل هذه النواحي وانه تابع مسيره مع الساحل شمالاً حتى نزل في قبائل العرب الذين يقيمون بدلتا النهرين فتحدث إليهم وتعاهد معهم وعندما سأل الخليفة الصديق ? عن المثنى قال له قيس بن عاصم المنقري: هذا رجل غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا ذليل العماد هذا المثنى بن حارثة الشيباني( ).
وقد أصدر الصديق ? أمره الى المثنى بن حارثة ان يتابع دعوته للعرب في العراق الى الحق وقد اعتبر ان ماقام به المثنى من قبل ماهو إلا الخطوة الأولى في تحرير العراق وأما الخطوة الحاسمة فهي توجيه خالد بن الوليد ليتولى قيادة الجيوش الاسلامية هناك( ).
لقد كان أبوبكر الصديق ? يغتنم الفرص ويستنفذ الطاقات ويستحث الهمم ليصل من الأعمال المقدَّمة الى أعلى النتائج، وكان يسخر الطاقات الكامنة في الرجال ويوجهها لسحق الطغيان الذي عشش في رؤوس زعماء الكفر والطغيان( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق