116
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الأول : جيش أسـامة
ثالثاً: أهم الدروس والعبر والفوائد من انفاذ الصديق جيش أسامة:
2-المسيرة الدعوية لاترتبط بأحد، ووجوب اتباع النبي:
وفي قصة إنفاذ أبي بكر الصديق جيش أسامة رضي الله عنهما نجد أن الصديق ? بين بقوله وعمله أن مسيرة الدعوة لم ولن تتوقف، حتى بموت سيد الخلق، وإمام الأنبياء وقائد المرسلين ? وأثبت مواصلة العمل الدعوي بالمبادرة إلى تنفيذ هذا الجيش حيث نادى مناديه في اليوم الثالث من وفاة رسول الله بخروج جند أسامة ? إلى عسكره بالجرف. وقد كان الصديق ? قبل ذلك قد بين في خطبته التي ألقاها إثر بيعته عن عزمه على مواصلة بذل الجهود لخدمة هذا الدين( )، وقد جاء في رواية قوله: فاتقوا الله أيها الناس! واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم، وإنَّ كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه. والله! لانبالي من أجلب علينا من خلق الله. إن سيوف الله لمسلولة، ماوضعناها بعد، ولنجاهدنّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله ?، فلايبغينّ أحد إلا على نفسه( ).
ومن الدروس المستفادة من قصة إنفاذ الصديق جيش أسامة رضي الله عنهما أنه يجب على المسلمين اتباع أمر النبي ? في السراء والضراء، فقد بين الصديق من فعله أنه عاض على أوامر النبي ? بالنواجذ ومنفِّذها مهما كثرت المخاوف وشدّت المخاطر، وقد تجلّى هذا أثناء هذه القصة عدة مرات منها:
أ-لما طلب المسلمون إيقاف جيش أسامة ? نظراً لتغير الأحوال وتدهورها أجاب ? بمقولته الخالدة: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ?، ولو لم يبقى في القرى غيري لانفذته( ).
ب-ولما استأذنه أسامة رضي الله عنهما في الرجوع بجيشه من الجرف إلى المدينة خوفاً على الصديق وأهل المدينة، لم يأذن له، بل أبدى عزمه وتصميمه على تنفيذ قضاء النبي الكريم ? بقوله: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاء قضى به رسول الله ?( )، وقدّم ? بموقفه هذا صورة تطبيقية لقول الله عزوجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} (سورة الأحزاب، آية:36).
جـ-وعندما طلب منه تعيين رجل أقدم سناً من أسامة ? أبدى غضبه الشديد على الفاروق ? بسبب جرأته على نقل مثل هذا الاقتراح( )، وقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب! استعمله رسول الله ? وتأمرني أن أنزعه( ).
د-وتجلّى اهتمام أبي بكر الصديق ? باتباع النبي الكريم ? كذلك في خروجه لتشييع الجيش، ومشيه مع أسامة ? الذي كان راكباً( ).ولقد كان الصديق ? في عمله هذا مقتدياً بما فعله سيد الأولين والآخرين رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه مع معاذ بن جبل ? قال: لما بعثه رسول الله ? الى اليمن( )، فقد روى الامام أحمد عن معاذ بن جبل ? قال: لما بعثه رسول الله ? الى اليمن، خرج معه رسول الله ? يوصيه، ومعاذ ? -راكب، ورسول الله ? يمشي تحت راحلته( ). قال الشيخ أحمد البنا تعليقاً على هذا الحديث: وقد فعل ذلك أبوبكر ? بأسامة بن زيد رضي الله عنهما مع صغر سنة، فقد عقد له النبي ? قبل وفاته لواء على جيش، ولم يسافر إلا بعد وفاة النبي ?، فشيعه أبوبكر ? ماشياً، وأسامة ? راكباً، اقتداءً بما فعله النبي بمعاذ ?( ).
س- وظهرت عناية أبي بكر الصديق ? بالاقتداء بالرسول الكريم ? أيضاً في قيامه بتوصيه الجيش عند توديعهم حيث كان رسول الله ? يوصي الجيوش عند توديعهم، ولم يقتصر الصديق على هذا؛ بل إن معظم ماجاء في وصيته لجيش أسامة كان مقتبساً من وصايا النبي ? للجيوش( ).
ولم يقف أبوبكر الصديق ? في الاقتداء بالرسول الكريم ? فيما قاله وفعله فحسب؛ بل أمر أمير الجيش أسامة ? بتنفيذ أمره ?، ونهاه عن التقصير فيه( ) فقد قال له رضي الله عنهما: اضع ماأمرك به نبي الله ?. ابدأ ببلاد قضاعة، ثم ايت آبل، ولا تقصرنَّ شيئاً من أمر رسول الله ?( ) وفي رواية أخرى أنه قال ?: امض ياأسامة للوجه الذي أمرت به ثم اغز حيث أمرك رسول الله ? من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة فإن الله سيكفي ماتركت( )، وفي رواية عند ابن الأثير: وأوصى أسامة ? أن يفعل به ماأمر به رسول الله ?( ).
لقد انقاد الصحابة رضي الله عنهم لرأي الصديق وشرح الله صدورهم لذلك، وتمسكوا بأمر الرسول الكريم، وبذلوا المستطاع لتحقيقه فنصرهم الله تعالى، ورزقهم الغنائم، وألقى في قلوب الناس هيبتهم، وكفّ عنهم كيد الأعداء وشرهم( ).
وقد تحدث توماس آرنولد عن بعث جيش أسامة فقال: بعد وفاة محمد ? أرسل أبوبكر ? الجيش الذي كان النبي ? قد عزم على إرساله الى مشارف الشام، على الرغم من معارضة بعض المسلمين، بسبب الحالة المضطربة في بلاد العرب، إذ ذاك، فأسكت احتجاجهم بقوله: أر قضاءً قضى به رسول الله، ولو ظنتت أن السباع تخطفني لأنفذت جيش أسامة ? كما أمر النبي ?( ).... ثم قال: وكانت هذه هي أولى تلك السلسلة الرائعة من الحملات التي اجتاح العرب فيها سورية وفارس وإفريقية الشمالية، فقوضوا دولة فارس القديمة ، وجردوا الامبراطورية الرومانية من أجمل ولاياتها( ).
وهكذا نرى أن الله تعالى قد ربط نصر الأمة وعزها باتباع النبي الكريم ?، فمن أطاعه فله النصر والتمكين، ومن عصاه فله الذل والهوان، فسر حياة الأمة في طاعتها لربها واقتدائها بسنّة نبيها ?( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق