111
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية:
5-(إنا معشر الأنبياء لانُرَثُ ماتركنا صدقة)([148]):
قالت عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة والعباس رضي الله عنهم: أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله e وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله e يقول: لانورث، ماتركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال([149])، وفي رواية قال أبو بكر t: … لست تاركاً شيئاً كان رسول الله e يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ([150]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أزواج النبي e، حين توفى رسول الله e، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان t إلى أبي بكر، يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال رسول الله e: لانورث ماتركنا صدقة([151])، وعن أبي هريرة t قال رسول الله e: لايقتسم ورثتي ديناراً، ماتركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة([152]).
وهذا مافعله أبو بكر الصديق t مع فاطمة رضي الله عنها إمتثالاً لقوله e لذلك قال الصديق: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلا عملت به([153])، وقال: والله لاأدع أمراً رأيت رسول الله e يصنعه فيه إلا صنعته([154]).
وقد تركت فاطمة رضي الله عنها منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها وفيه دليل على قبولها الحق واذعانها لقوله e: قال ابن قتيبة([155])، وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما في ميراث النبي e فليس بمنكر، لأنها لم تعلم ماقاله رسول الله e وظنت أنها ترثه كما يرث الأولاد آباءهم فلما أخبرها بقوله كفت([156]).
وقال القاضي عياض: وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكر بعد احتجاجه عليها بالحديث التسليم للإجماع على قضية، وأنها لما بلغها الحديث وبين لها التأويل تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب ميراث ثم ولي علي الخلافة فلم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهم([157]).
وقال حماد بن إسحاق: والذي جاءت به الروايات الصحيحة فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها وأزواج النبي e من أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً إنما هو الميراث حتى أخبرهم أبو بكر والأكابر من أصحاب رسول الله e أنه قال: (لانورث ماتركنا صدقة) فقبلوا بذلك وعلموا أنه الحق ولو لم يقل رسول الله e ذلك كان لأبي بكر وعمر فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصة رضي الله عنهما فآثروا أمر الله وأمر رسوله، ومنعوا عائشة وحفصة، ومن سواهما ذلك، ولو كان رسول، يورث، لكان لأبي بكر وعمر أعظم الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد e([158]).
وأما ماذكره من الرواة في كون فاطمة رضي الله عنها غضبت وهجرت الصديق حتى ماتت فبعيد جداً لعدة أدلة منها:
أ-مارواه البيهقي من طريق الشعبي: أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له قال: نعم فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت([159])، وبهذا يزول الإشكال الوارد في تمادي فاطمة رضي الله عنها لهجر أبي بكر الصديق t، كيف وهو القائل: والله لقرابة رسول الله e، أحب إليّ أن أصل من قرابتي([160])، ومافعل t إلا امتثالاً وإتباعاً لأمر رسول الله e([161]).
ب-لقد انشغلت عن كل شيء بحزنها لفقدها أكرم الخلق، وهي مصيبة تزري بكل المصائب، كما أنها انشغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أي مشاركة في أي شأن من الشؤون، فضلاً عن لقاء خليفة المسلمين المشغول -لكل لحظة من لحظاته- بشؤون الأمة، وحروب الردة وغيرها، كما أنها كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها، فقد أخبرها رسول الله e بأنها أول من يلحق به من أهله -ومن كان في مثل علمها لايخطر بباله أمور الدنيا، وما أحسن قول المهلب الذي نقله العيني: ولم يرو أحد، أنهما ألتقيا وامتنعا عن التسليم، وإنما لازمت بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران([162]).
هذا ومن الثابت تاريخياً أن أبابكر دام أيام خلافته يعطي أهل البيت حقهم في فيء رسول الله e في المدينة، ومن أموال فدك وخمس خيبر، إلا أنه لم ينفذ فيها أحكام الميراث، عملاً بما سمعه من رسول الله e وقد روي عن محمد بن علي بن الحسين المشهور بمحمد الباقر، وعن زيد بن علي أنهما قالا: إنه لم يكن من أبي بكر -فيما يختص بآبائهم- شيء من الجور أو الشطط، أو مايشكونه من الحيف أو الظلم([163]).
ولما توفيت فاطمة رضي الله عنها بعد رسول الله e بستة أشهر على الأشهر، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه عهد إليها أنها أول أهله لحوقاً به، وقال لها مع ذلك: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة([164])، وذلك ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين، قال: ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء، فحضرها أبوبكر وعمر وعثمان والزبير وعبدالرحمن بن عوف، فلما وُضِعت ليُصلى عليها، قال علي: تقدم ياأبابكر، قال أبوبكر: وأنت شاهد ياأبا الحسن؟ قال: نعم تقدم، فوالله لا يصلي عليها غيرك؛ فصلى عليها أبوبكر ودفنت ليلاً، وجاء في رواية: صلى أبوبكر الصديق على فاطمة بنت رسول الله e فكبر عليها أربعاً([165]) وفي رواية مسلم صلى عليها علي بن أبي طالب([166]).
هذا وقد كانت صلة سيدنا أبي بكر الصديق خليفة رسول الله e بأعضاء أهل البيت، صلة ودية تقديرية تليق به وبهم، وقد كانت هذه المودة والثقة متبادلتين بين أبي بكر وعلي، فقد سمَّى علي أحد أولاده بأبي بكر([167])، وقد احتضن علي ابن أبي بكر محمداً بعد وفاة الصديق وكفله بالرعاية ورشحه للولاية في خلافته حتى حسب عليه، وانطلقت الألسنة بانتقاده من أجله([168]).
هذا بعض القضايا الداخلية التي عالجها الصديق t والتزم فيها بمتابعة الرسول e بكل دقة وحرص t وعن جميع الصحابة الكرام الطيبين الأبرار.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق