110
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية:
4-موقف علي والزبير رضي الله عنهما من خلافة الصديق:
وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي عن مبايعة الصديق رضي الله عنهما وكذا تأخر الزبير بن العوام وجُلّ هذه الأخبار ليس بصحيح إلا مارواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن عليا والزبير، ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله e([134])، فقد كان انشغال جماعة من المهاجرين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب بأمر جهاز رسول الله e من تغسيل، وتكفين، ويبدو ذلك واضحاً فيما رواه الصحابي سالم بن عبيد t من أن أبا بكر قال لأهل بيت النبي، وعلى رأسهم علي: عندكم صاحبكم، فأمرهم يغسلونه([135]).
وقد بايع الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أبا بكر في اليوم التالي لوفاة الرسول، وهو يوم الثلاثاء، قال أبو سعيد الخدري: لما صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام فدعا بالزبير فجاء، فقال له أبو بكر: يابن عمة رسول الله e، وحوارّيه، أتريد أن تشقَّ عصا المسلمين؟ فقال الزبير: لاتثريب عليك ياخليفة رسول الله، فقام الزبير، فبايع أبا بكر!، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير علي بن أبي طالب فدعا بعلي، فجاء. فقال له أبو بكر: يا ابن عمّ رسول الله e، وختنه على ابنته، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟
فقال علي: لاتثريب عليك ياخليفة رسول الله e، فقام علي، فبايع أبا بكر([136])!
ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري الصحيح أن الإمام (مسلم بن الحجاج) صاحب الجامع الصحيح الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري- ذهب إلى شيخه الإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة – صاحب صحيح ابن خزيمة – فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن الخزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث لايساوي بَدَنَة([137]) فقط، إنه يساوي بدرة([138]) مال، وعلق على هذا الحديث ابن كثير –رحمه الله- فقال: هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه([139])، وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج عليُّ إلى المسجد في قميص له، ماعليه إزار ولارداء، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة. فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه، فجاؤوه به، فلبسه فوق قميصه([140]) وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد t، فقال له: أشهِدْتَ وفاة رسول الله e؟
قال: نعم.
قال له: متى بويع أبو بكر؟
قال سعيد: يوم مات رسول الله e، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة.
قال: هل خالف أحد أبا بكر؟
قال سعيد: لا. لم يخالفه إلا مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه.
قال: هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟
قال سعيد: لا. لقد تتابع المهاجرون على بيعته([141])!!.
وأما علي t فلم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين([142]).
ويرى ابن كثير وكثير من أهل العلم أن علياً جدّد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة([143]).
وكان علي في خلافة أبي بكر عيبة نصح له، مرجِّحاً لما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين على أي شيء آخر، ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين ماجاء من موقفه من توجه أبي بكر t بنفسه إلى ذي القصة([144])، وعزمه على محاربة المرتدين، وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم بنفسه، وماكان في ذلك من مخاطرة وخطر على الوجود الإسلامي([145])، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما برز أبو بكر إلى ذي القصة، واستوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها، وقال: إلى أين ياخليفة رسول الله e؟ أقول لك ماقال رسول الله e يوم أحد: لمَّ سيفك ولاتفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لايكون للإسلام نظام أبداً فرجع([146]).
فلو كان علي t -أعاذه الله من ذلك- لم ينشرح صدره لأبي بكر وقد بايعه على رغم من نفسه، فقد كانت هذه فرصة ذهبية ينتهزها علي، فيترك أبا بكر وشأنه، لعله يحدث به حدث فيستريح منه ويصفو الجو له، وإذا كان فوق ذلك
-حاشاه عنه- من كراهته له وحرصه على التخلُّص منه، أغرى به أحداً يغتاله، كما يفعله الرجال السياسيون بمنافسيهم وأعدائهم([147]).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق