109
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية:
3-الولاية على البلدان:
كان أبو بكر يستعمل الولاة في البلدان المختلفة ويعهد إليهم بالولاية العامة في الإدارة والحكم والإمامة، وجباية الصدقات، وسائر أنواع الولايات، وكان ينظر إلى حسن اختيار الرسول للأمراء والولاة على البلدان فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا نجده قد أقر جميع عمال الرسول الذين توفي الرسول وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحداً منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهمية من موقعه الأول ويرضاه كما حدث لعمرو بن العاص([121]) وكانت مسؤوليات الولاة في عهد أبي بكر الصديق t بالدرجة الأولى امتداداً لصلاحياتهم في عصر الرسول e خصوصاً الولاة الذين سبق تعيينهم أيام الرسول ويمكن تلخيص أهم مسئوليات الولاة في عصر أبي بكر وهي:
أ-إقامة الصلاة وإمامة الناس وهي المهمة الرئيسية لدى الولاة نظراً لما تحمله من معان دينية ودنيوية سياسية واجتماعية حيث الولاة يؤمون الناس وعلى وجه الخصوص في صلاة الجمعة، والأمراء دائماً كانت توكل إليهم الصلاة سواء كانوا أمراء على البلدان أم أمراء على الأجناد.
ب-الجهاد كان يقوم به أمراء الأجناد في بلاد الفتح، فكانوا يتولون أموره ومافيه من مهام مختلفة بأنفسهم أو ينيبون غيرهم في بعض المهام كتقسيم الغنائم أو المحافظة على الأسرى، أو غير ذلك، وكذلك مايتبع هذا الجهاد من مهام أخرى كمفاوضة الأعداء وعقود المصالحة معهم وغيرها، ويتساوى في المهمات الجهادية أمراء الأجناد في الشام والعراق وكذلك الأمراء في البلاد التي حدثت فيها الردة كاليمن والبحرين وعمان ونجد، نظراً لوجود تشابه في العمليات الجهادية مع اختلاف الأسباب الموجهة لهذه العمليات.
ت-إدارة شؤون البلاد المفتوحة وتعيين القضاة والعمال عليها من قبل الأمراء أنفسهم، وبإقرار من الخليفة أبي بكر، أو تعيين من أبي بكر t، عن طريق هؤلاء العمال([122]).
جـ-أخذ البيعة للخليفة، فقد قام الولاة في اليمن وفي مكة والطائف وغيرها بأخذ البيعة لأبي بكر t من أهل البلاد التي كانوا يتولون عليها.
ح-كانت هناك أمور مالية توكل إلى الولاة إو إلى من يساعدهم ممن يعينهم الخليفة أو الوالي لأخذ الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء أو أخذ الجزية من غير المسلمين وصرفها في محلها الشرعي وهي امتداد لما قام به ولاة الرسول في هذا الخصوص.
خ-تجديد العهود القائمة من أيام الرسول e حيث قام والي نجران بتجديد العهد الذي كان بين أهلها وبين الرسول e بناء على طلب نصارى نجران([123]).
د-كانت من أهم مسؤوليات الولاة إقامة الحدود وتأمين البلاد وهم يجتهدون رأيهم فيما لم يكن فيه نص شرعي، كما فعل المهاجر بن أبي أمية بالمرأتين اللتين تغنتا بذم الرسول وفرحتا بوفاته وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى في جهاد الصديق لأهل الردة.
س-كان للولاة دور رئيسي في تعليم الناس أمور دينهم وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولون عليها وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن والأحكام وذلك عملاً بسنة الرسول e وتعتبر هذه المهمة من أعظم المهام وأجلها في نظر الرسول وخليفته أبي بكر، وقد اشتهر عن ولاة أبي بكر ذلك حيث يتحدث أحد المؤرخين عن عمل زياد والي أبي بكر على حضرموت فيقول: فلما أصبح زياد غداً يقرئ الناس كما كان يفعل قبل ذلك([124]).
وبهذا التعليم كان للولاة دور كبير في نشر الإسلام في ربوع البلاد التي يتولونها، وبهذا التعليم تثبت أقدام الإسلام سواء في البلاد المفتوحة الحديثة عهد بالإسلام أو في البلاد التي كانت مسلمة وارتدت، وهي حديثة عهد بالردة جاهلة بأحكام دينها، إضافة إلى أن البلاد المستقرة كمكة والطائف والمدينة، كان بها من يقرئ الناس بأمر من الولاة أو الخليفة نفسه، أو من يعينه الخليفة على التعليم في هذه البلدان([125]).
وقد كان الوالي هو المسؤل مسئولية مباشرة عن إدارة الأقليم الذي يتولاه وفي حالة سفر هذا الوالي فإنه يتعين عليه أن يستخلف أو ينيب عنه من يقوم بعمله حتى يعود هذا الوالي إلى عمله، ومن ذلك أن المهاجر بن أبي أمية عينه الرسول على كندة ثم أقره أبو بكر بعد وفاة الرسول ولم يصل المهاجر إلى اليمن مباشرة وتأخر نظراً لمرضه فأرسل إلى (زياد بن لبيد) ليقوم عنه بعمله حتى شفائه وقدومه، وقد أقرأ أبو بكر ذلك([126])، كذلك كان خالد أثناء ولايته للعراق ينيب عنه في الحيرة من يقوم بعمله حتى عودته.
وكان أبو بكر t يشاور الكثير من الصحابة قبل إختيار أحد من الأمراء سواء على الجند أو على البلدان، ونجد في مقدمة مستشاري أبي بكر في هذا الأمر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما([127])، كما كان أبو بكر t يشاور الشخص الذي يريد توليته قبل أن يعينه وعلى وجه الخصوص إذا أراد أن ينقل الشخص من ولاية إلى أخرى كما حدث حينما أراد أن ينقل عمرو بن العاص من ولايته التي ولاه عليها الرسول إلى ولاية جند فلسطين، فلم يصدر أبو بكر قراره إلا بعد أن استشاره وأخذ منه موافقة على ذلك([128])، كذلك الحال بالنسبة للمهاجر بن أمية الذي خيّره أبو بكر بين اليمن أو حضرموت فاختار المهاجر اليمن فعينه أبو بكر عليها([129]).
ومن الأمور التي سار عليها أبو بكر t أنه كان يعمل بسنة النبي e في تولية بعض الناس على قومهم إذا وجد فيهم صلحاء، كالطائف وبعض القبائل وكان أبو بكر t عندما يريد أن يعين شخصاً على ولاية يكتب للشخص المعين عهداً له على المنطقة التي ولاه عليها، كما أنه في كثير من الأحيان قد يحدد له طريقه إلى ولايته ومايمر عليه من أماكن خصوصاً إذا كان التعيين مختصاً بمنطقة لم تفتح بعد ولم تدخل ضمن سلطات الدولة ويتضح ذلك في حروب الردة، وفتوح الشام والعراق وقام الصديق أحياناً بضم بعض الولايات إلى بعض، خصوصاً بعد الانتهاء من قتال المرتدين فقد ضم أبو بكر كندة إلى زياد بن لبيد البياضي، وكان والياً على حضرموت واستمر بعد ذلك والياً لحضرموت وكندة([130]).
وكانت معاملة أبي بكر للولاة تتسم بالاحترام المتبادل الذي لم تشبه شائبة، وأما عن الاتصالات بين الولاة وبين الخليفة أبي بكر t فقد كانت تجري بصفة دائمة وكانت هذه الاتصالات تختص بمصالح الولاية ومهام العمل، فقد كان الولاة كثيراً مايكتبون لأبي بكر في مختلف شئونهم يستشيرونه، وكان أبو بكر يكتب لهم الاجابة على استفساراتهم، أو يوجه لهم أوامره وكانت الرسل تأتي بالأخبار من الولاة سواء أخبار الجهاد أو قبل ذلك على جبهات حروب المرتدين كذلك كان الولاة يبعثون بأخبار ولاياتهم من تلقاء أنفسهم([131])، وكان الولاة يتصل بعضهم ببعض عن طريق الرسل أو عن طريق الاتصال المباشر واللقاءات، وتتمثل هذه اللقاءات والاتصالات بالدرجة الأولى بين ولاة اليمن وحضرموت بعضهم مع بعض، وكذلك الحال بالنسبة لولاة الشام، الذين كانوا كثيراً مايجتمعون لتدارس أمورهم العسكرية بالدرجة الأولى، وكانت كثير من مراسلات أبي بكر t تختص بحث الولاة على الزهد في الدنيا وطلب الآخرة، وكانت بعض هذه النصائح تصدر على شكل كتب عامة رسمية من الخليفة نفسه إلى مختلف الولاة وأمراء الأجناد([132]) هذا وقد قسمت الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر إلى عدة ولايات وهذه أسماء الولايات والولاة:
أ-المدينة: عاصمة الدولة وبها الخليفة أبو بكر t.
ب-مكة: وأميرها عتاب بن أسيد وهو الذي ولاّه الرسول e واستمر مدة حكم أبي بكر.
ت-الطائف: وأميرها عثمان بن أبي العاص، ولاّه رسول الله e وأقره أبو بكر عليها.
ث-صنعاء: وأميرها المهاجر بن أبي أمية، وهو الذي فتحها ووليها بعد انتهاء أمر الردة.
جـ-حضرموت: ووليها زياد بن لبيد.
حـ-زبيد ورقع: ووليها أبو موسى الأشعري.
خـ-خولان: ووليها يعلى بن أبي أمية.
ذ-الجند: وأميرها معاذ بن جبل.
س-نجران: ووليها جرير بن عبدالله.
ش-جرش: ووليها عبدالله بن نور.
ك-البحرين: ووليها العلاء بن الحضرمي.
ل-العراق والشام كان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها.
و-عمان: ووليها حذيفة بن محصن.
هـ-اليمامة: ووليها سليط بن قيس([133]).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق