107
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية:
1-الصديق في المجتمع:
جـ-اهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كان الصديق t يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبين للناس ما التبس عليهم من الفهم فعن قيس بن أبي حازم قال سمعت أبا بكر الصديق يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم) إني سمعت رسول الله e يقول: إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب. وفي رواية: يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها، وإنا سمعنا النبي e يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب([84]) قال النووي: وأما قوله تعالى{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية. فليس مخالفاً لوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: أنكم إذا فعلتم ماكلفتم به فلايضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإذا فعله، ولم يمتثل المخاطب فلاعتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ماعليه([85]).
وكان t يحث الناس على الصواب، فعن ميمون بن مهران أن رجلاً سلّم على أبي بكر فقال: السلام عليك ياخليفة رسول الله. قال: من بين هؤلاء أجمعين([86])، وكان t يترك السنة مخافة أن يظن مالاعلم له أنها فريضة أو واجبة، فعن حذيفة بن أسيد t أنه قال: رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وما يضحيان مخافة أن يستن بهما وفي رواية: كراهية أن يقتدي بهما([87])، وكان يوصي ابنه عبدالرحمن بحسن المعاملة لجيرانه، فقد قال له ذات يوم وهو يخاصم جاراً له: لاتماظ جارك، فإنّ هذا يبقى ويذهب الناس([88])، وكان باراً بوالده فلما اعتمر في رجب سنة اثنتي عشر من الهجرة، دخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبوه أبو قحافة جالس على باب داره، معه فتيان يحوشهم، فقيل له: هذا ابنك فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ ناقته فنزل عنها وهي قائمة –ليقابل أباه في بر وطاعة، وجاء الناس يسلمون عليه، فقال أبو قحافة ياعتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم فقال أبو بكر: يا أبة لاحول ولاقوة إلا بالله، طوقت أمراً عظيماً لاقدرة لي به ولايدان إلا بالله ..)([89]) وكان يهتم بالصلاة والخشوع فيها ويحرص على حسن العبادة، وكان لايلتفت في صلاته([90])، وكان أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي e، وكان عبدالرزاق يقول: مارأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج([91])، وعن أنس t قال: صلى أبو بكر بالناس الفجر فاقترأ البقرة في ركعتيه، فلما انصرف قال له عمر: ياخليفة رسول الله ماانصرفت حتى رأينا أن الشمس قد طلعت قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين([92])، وكان يحث الناس على الصبر في المصائب ويقول لمن مات له أحد: ليس مع العزاء مصيبة ولامع الجزع فائدة، الموت أهون مما قبله وأشدُّ مما بعده، اذكروا فقد رسول الله تصغر مصيبتكم، وعظم الله أجركم([93])، وعزّى عمر t عن طفل أصيب به فقال: عوَّضك الله منه ماعوضك منك([94])، وكان t يحذر الناس من البغي، والنكث، والمكر ويقول ثلاث من كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البغي، والنكث والمكر([95]) وكان يعظ الناس ويذكرهم بالله ومن مواعظه t: الظلمات خمس والسُّرُج خمس: حب الدنيا ظلمة والسراج له التقوى، والذنب ظلمة والسراج له التوبة، والقبر ظلمة والسراج له لا إله إلا الله محمد رسول الله، والآخرة ظلمة والسراج لها العمل الصالح، والصراط ظلمة والسراج لها اليقين([96])، وكان t من خلال منبر الجمعة يحث على الصدق والحياء ويحث على الاعتبار والاستعداد للقدوم على الله ويحذر من الغرور، فعن أوسط بن اسماعيل رحمه الله قال: سمعت أبا بكر الصديق t يخطب بعد وفاة رسول الله بسنة فقال: قام فينا رسول الله e مقامي هذا عام أول، ثم بكى أبو بكر ثم قال: وفي رواية، ثم ذرفت عيناه، فلم يستطيع من العبرة أن يتكلم، ثم قال: أيها الناس: اسألوا الله العافية، فإنه لم يعط أحد خير من العافية بعد اليقين، وعليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار ولاتقاطعوا ولاتدابروا، ولاتباغضوا، ولاتحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً([97])، وقال الزبير بن العوام t: إن أبا بكر قال وهو يخطب الناس: يامعشر المسلمين: استحيوا من الله عزوجل، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً بثوبي استحياء من ربي عزوجل([98]) وعن عبدالله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر t فقال: أما بعد:
فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، فاشترى القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لاتفنى عجائبه، ولايطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستوضئوا منه ليوم الظلمة، فإنما خلقكم للعبادة، ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ماتفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيّب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم وأنتم في عمل لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فيردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا مثلهم. فالوحا الوحا([99])، ثم النجا النجا، فإن وراءكم طلباً حثيثاً مَرُّهُ([100]) سريع وفي رواية أخرى: أين من تعرفون من إخوانكم؟! ومن أصحابكم؟! قد وردوا على ماقدموا، قدموا ماقدموا في أيام سلفهم، وحلوا فيه بالشقوة والسعادة. أين الجبارون الذين بنوا المدائن، وحففوها بالحوائط، قد صاروا تحت الصخر والآبار. أين الوضاءة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك وأين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر، فأصبحوا في ظلمات القبور. لاخير في قول لايراد به وجه الله، ولاخير في مال لاينفق في سبيل الله، ولاخير فيمن يغلب جهله حلمه، ولاخير فيمن يخاف في الله لومة لائم.
إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولايصرفه عن سوءاً، إلا بطاعته واتباع أمره، وإنه لاخير بخير بعده النار، ولاشر بشر بعده الجنة، واعلموا أنكم ما أخلفتم لله عزوجل فربكم أطعتم، وحقكم حفظتم، وأوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفاراً، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم([101]).
وهكذا كان الصديق يهتم بالمجتمع فيوعظ المسلمين، ويحثهم على الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا غيظ من فيظ، وقليل من كثير.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق