104
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية:
أراد الصديق t أن ينفذ السياسة التي رسمها لدولته واتخذ من الصحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة (وزير المالية) فأسند إليه شؤون بيت المال، وتولى عمر بن الخطاب القضاء (وزارة العدل) وباشر الصديق القضاء بنفسه أيضاً، وتولى زيد بن ثابت الكتابة (وزير البريد والمواصلات)([60]) وأحياناً يكتب له من يكون حاضر من الصحابة كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان رضي الله عنهم، وأطلق المسلمون على الصديق لقب خليفة رسول الله ورأى الصحابة ضرورة تفريغ الصديق للخلافة، فقد كان أبو بكر t رجلاً تاجراً يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما استُخلف أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا: أين تريد ياخليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمور المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقالا:(انطلق معنا حتى نفرض لك شيئاً. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاه([61])، وجاء في الرياض النضرة أن رزقه الذي فرضوه له خمسون ومائتا دينار في السنة وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعها، فلم يكن يكفيه ذلك ولاعياله، قالوا وقد كان قد ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين، فخرج إلى البقيع فتصافق (بايع) فجاء عمر t فإذا هو بنسوة جلوس، فقال:(ماشأنكن؟) قلن: نريد خليفة رسول الله e يقضي بيننا، فانطلق فوجده في السوق فأخذه بيده فقال:(تعالى هاهنا). فقال: لاحاجة لي في إمارتكم([62])، رزقتموني مالايكفيني ولاعيالي قال:( فإنّا نزيدك). قال أبو بكر:(ثلاثمائة دينار والشاة كلها) قال عمر: أما هذا فلا، فجاء علي t وهما على حالهما تلك، قال:(أكملها له) قال:(ترى ذلك؟) قال: نعم، قال:(قد فعلنا)([63]) وانطلق أبوبكر t فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فقال: (أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعُها وإن عمر وعلياً كمّلا لي ثلاثمائة دينار والشاة أفرضيتم؟ قال المهاجرون:(اللهم نعم قد رضينا)([64]).
وهكذا وقف الصحابة في فهمهم الراقي لولاية الدين وأمانة الحكم يفرضون لإمامهم رزقاً يغتني به عن التجارة بعد إذ صار عاملاً للأمة تملك منه الوقت والجهد والفكر .. ومن ثم يقررون معنى في الإسلام بديعاً يفصل الذمة المالية للأمة عن ذمة الحاكم.
هذا المعنى الذي لم يعرفه الغرب إلا في عهوده القريبة، إذ ظلت راية مالقيصر لقيصر مشرعة خفاقة يقاتل الناس دونها أزماناً طويلة، إن أصدق تعبير نقف به على دخول الذمة المالية للدولة بأسرها في ذمة الحاكم لهو مقالة لويس الخامس عشر (أنا الدولة والدولة أنا) لقد كان لويس تاجر غلال معروفاً يتجر في قوت أمته وهي تتضور جوعاً ثم لايرى أحد في ذلك شيئاً من العار .. أليس هو الأصل والأمة فرع عنه؟([65]).
اين البشرية اليوم من أولئك الصحابة رضوان الله عليهم؟ فإن الخزينة قد أضحت بعدهم بيد أشخاص ينفقون كيف يشاءون، ويتصرفون كما يريدون، كما أصبحت لهم نفقات مستورة لاحصر لها، وفوق هذا فقد تكدست لهم الأموال في المصارف خارج البلاد، حتى غدت دول أجنبية تعيش على هذه الأموال لكثرتها وأكثرها يعود إلى الحكام وأمراء الشعوب المستضعفة، مع أنه قد ظهر أن هذه الأموال مهما بلغت، والعقارات مهما كثرت، فإنها لاتكفي شيئاً، ولاتغني صاحبها شيئاً، فإن شاه إيران مع ضخامة ما يملك لم يجد أرضاً تقبله ليأوي إليها هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فالأمر أشد والحساب عظيم([66]).
فعلى حكام المسلمين أن يقتدوا بهذا الصحابي الجليل الذي أدار دولة الإسلام بعد وفاة الرسول e، فما أجمل قوله t: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال وأحترف للمسلمين فيه([67]).
إن الصديق يؤكد معاني بديعة، فولاية الدين ليست في حد ذاتها مغنما، أما مايفرض لها من رزق فلما تقضي إليه من اشتغال عامل الأمة عن أمر نفسه([68]).
لقد سطر الصديق والصحابة الكرام صفحات رائعة في جبين الزمن، حتى أن البشرية تسعى في سلم التطور وتسعى ثم إذا هي قابعة عند أقدامهم([69]).
سار الصديق في بناء دولة الإسلام بجد ونشاط واهتم بالبناء الداخلي، ولم يترك أي ثغرة يمكن أن تؤثر في ذلك البناء الشامخ الذي تركه رسول الله e، فاهتم بالرعية وله مواقف مشرفة في هذا الباب، وأعطى للقضاء اهتماماً خاصاً، وتابع أمر الولاة وسار على المنهج النبوي الكريم في كل خطواته وإليك شيء من التفصيل عن تلك السياسة الرشيدة:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق