103
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الثاني:البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية
أولاً: البيعة العامة:
7-إعلان الحرب على الفواحش:
قال أبو بكر t: ولاتشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء([50])، والصديق هنا يذكر الأمة بقول النبي e:( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...)([51]) إن الفاحشة هي داء المجتمع العضال الذي لادواء له، وهي سبيل تحلله وضعفه حيث لاقداسة لشيء، فالمجتمع الفاحش لايغار ويقر الدنية ويرضاها، إنه مجتمع الضعف والعار والأوجاع والأسقام، وحال الناس أدل شاهد. لقد وقف أبو بكر يحفظ قيم الأمة وأخلاقها([52])، فقد حرص في سياسته على طهر الأمة ونقائها، وبعدها عن الفواحش ماظهر منها ومابطن، وهو t يريد بذلك أمة قوية لاتشغلها شهواتها، ولايضلها شيطانها، لتعيش أمة منتجة تعطي الخير، وتقدم الفضل لكل الناس.
إن علاقة الأخلاق بقيام الدول وظهور الحضارة علاقة ظاهرة، فإن فسدت الأخلاق، وخربت الذمم، ضاعت الأمم، وعمها الفساد والدمار والدارس لحياة الأمم السابقة والحضارات السالفة بعين البصيرة، يدرك كيف قامت حضارات على الأخلاق الكريمة والدين الصحيح كالحضارة التي قامت في زمن داود وسليمان عليه السلام والتي قامت في زمن ذي القرنين وكثير من الأمم التي التزمت بالقيم والأخلاق فظلت قوية طالما حافظت عليها، فلما دب سوس الفواحش إليها استسلمت للشياطين، وبدلت نعمة الله كفراً، وأحلت قومها دار البوار، فزالت قوتها، وتلاشت حضارتها([53]) إن الصديق t استوعب سنن الله في المجتمعات وبناء الدول وزوالها وفهم أن زوال الدول يكون بالترف والفساد والإنغماس في الفواحش والموبقات قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (سورة الإسراء، آية:16). أي أمرناهم بالأمر الشرعي من فعل الطاعات وترك المعاصي فعصوا وفسقوا فحق عليهم العذاب والتدمير جزاء فسقهم وعصيانهم. وفي قراءة {أمّرنا}([54]) بالتشديد أي جعلناهم أمراء. والترف وإن كان كثرة المال والسلطان من أسبابه إلا أنه حالة نفسية ترفض الإستقامة على منهج الله وليس كل ثراء ترف([55]).
إن سياسة الصديق في حربه للفواحش حرى بحكام المسلمين أن يقتدوا به، فالحاكم التقي الذكي العادل هو الذي يربي أمته على الأخلاق القويمة لأنه حينئذ سيقود شعباً أحس طعم الآدمية، وجرى في عروقه دم الإنسانية.. وأما إن سلب الحاكم الذكاء، وصار من الأغبياء.. أشاع الفاحشة في قومه وعمل على حمايتها بالقوة والقانون، وحارب القيم والأخلاق الحميدة ودفع بقومه إلى مستنقعات الرذيلة ليصبحوا كالحيوانات الضالة، والقطعان الهائمة لاهم لها إلا المتاع، والزينة الخادعة، فيصبحوا بعد ذلك أقزاماً، قد ودّعوا الرجولة والشهامة([56]) ويصدق فيهم قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (سورة النحل، آية:112).
هذه بعض التعليقات التي فتح الله بها بما ترى على البيان الذي ألقاه الصديق للأمة والذي رسم فيه سياسة الدولة، فحدد مسؤولية الحاكم ومدى العلاقة بينه وبين المحكومين وغير ذلك من القواعد المهمة في بناء الدولة وتربية الشعوب وهكذا قامت الخلافة الإسلامية، وتحدد مفهوم الحكم تحديداً عملياً وكان حرص الأمة على منصب الخلافة واختيار الخليفة على هذه الصورة ومسارعة الناس إلى الرضا بذلك دليلاً على أنهم كانوا يسلمون بأن النظام الذي أنشأه النبي عليه الصلاة والسلام واجب البقاء، وأن النبي e وإن مات فإنه خلف فيهم دينا وكتابا يسيرون على هديه فرضاء الناس يومئذ يعبر عن إرادة الاستمرار في ظل النظام الذي أنشأه النبي e([57]).
إن حكومة الصديق t تمتع بها المسلمون زمناً ليس بكثير وعيَّن أبو بكر حد السلطة العليا فيها بتلك الخطبة الراقية على مستوى أنظمة الحكم في ذلك العصر وفي هذا الزمن فهي حكومة شورية قل أن يجد طلاب الحرية والعدل في كل عصر أحسن لسياسة الأمم منها([58]) قادها التلميذ الأنجب والأذكى والأعلم والأعظم ايماناً للحبيب المصطفى e أبو بكر t.
وقد بين الإمام مالك بأنه لايكون أحد إماماً أبداً إلا على هذا الشرط([59]) يقصد بالمضامين العظيمة التي ألقاها الصديق في بيانه السياسي الأول.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق