إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 أبريل 2014

95 عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة المبحث الأول:وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة رابعاً: أهم الدروس والعبر والفوائد في هذه الحادثة: 9- منصب الخلافة والخليفة:


95

عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره

الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة

المبحث الأول:وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة

رابعاً: أهم الدروس والعبر والفوائد في هذه الحادثة:

9- منصب الخلافة والخليفة:


الخلافة الإسلامية هي المنهج الذي اختارته الأمة الإسلامية وأجمعت عليه طريقةً وأسلوباً للحكم تنظم من خلاله أمورها وترعى مصالحها، وقد ارتبطت نشأة الخلافة بحاجة الأمة لها واقتناعها بها، ومن ثم كان إسراع المسلمين في اختيار خليفة لرسول الله e، يقول الإمام أبو الحسن الماوردي: إن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيماً خلف به النبوة وحاط به الملة، وفوض إليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع، وتجتمع الكلمة على رأي متبوع، فكانت الإمامة أصلاً عليه استقرت قواعد الملة وانتظمت به مصالح العامة حتى استثبتت به الأمور العامة، وصدرت عنه الولايات الخاصة([150]).

لقد كان على الأمة الإسلامية أن تواجه الموقف الصعب الذي نشأ عن انتقال الرسول e إلى الرفيق الأعلى، وأن تحسم أمورها بسرعة وحكمة وألا تدع مجالاً لانقسام قد يتسرب منه الشك إلى نفوس أفرادها أو للضعف أن يتسلل إلى أركان البناء الذي شيده رسول الله e([151]).

ولما كانت الخلافة هي نظام حكم المسلمين فقد استمدت أصولها من دستور المسلمين، من القرآن الكريم ومن سنّة النبي e([152])، وقد تحدث الفقهاء عن أسس الخلافة الاسلامية فقالوا بالشورى والبيعة وهما أصلاً قد أشير إليهما في القرآن الكريم([153])، ومنصب الخلافة أحياناً يطلق عليه لفظ الامامة أو الإمارة وقد أجمع المسلمون على وجوب الخلافة، وأن تعيين الخليفة فرض على المسلمين يرعى شؤون الأمة ويقيم الحدود ويعمل على نشر الدعوة الاسلامية وعلى حماية الدين والأمة بالجهاد وعلى تطبيق الشريعة وحماية حقوق الناس ورفع المظالم وتوفير الحاجات الضرورية لكل فرد. وهذا ثابت بالقرآن والسنّة والإجماع([154]).

وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (سورة النساء، الآية: 59).

وقال تعالى: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (سورة ص، الآية: 26).

وقال e: من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لاحجة له([155]) ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية([156]).

وأما الاجماع فالصحابة رضوان الله عليهم لم ينتظروا حتى يتم دفن الرسول e وتوافدوا للاتفاق على إمام أو خليفة وعلل أبوبكر قبول هذه الأمانة وهو خوفه أن تكون فتنة أي من عدم تعيين خليفة للمسلمين([157]) قال الشهرستاني في ذلك: (مادار في قلبه ولا في قلب أحد أنه يجوز خلو الأرض من إمام) فدل ذلك كله على أن الصحابة وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متفقين على أنه لابد من إمام، فذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الامام([158]).

هذا وليس صحيحاً مايروجه الحاقدون أن الطمع في الرئاسة سبب الانشغال بالخلافة عن دفن النبي e([159]).

هذا وقد عرّف ابن خلدون الخلافة: (هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع الى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة هذا الدين وسياسة الدنيا به)([160]).

وقد تحدث العلامة ابوالحسن الندوي عن شروط خلافة النبي ومتطلباتها، وقد أثبت بالأدلة والحجج من خلال سيرة الصديق بأن أبابكر كانت شروط خلافة النبي متحققة فيه ونذكر هذه الشروط بإيجاز وبدون ذكر الشواهد التي ذكرها الندوي وقد بينتها في هذا الكتاب متناثرة، فأهم هذه الشروط:

أ- يمتاز بأنه ظل طول حياته بعد الاسلام متمتعاً بثقة رسول الله e به وشهادته له، واستخلافه إياه في القيام ببعض أركان الدين الأساسية، وفي مهمات الأمور، والصحبة في مناسبات خطرة دقيقة لايستصحب فيها الإنسان إلا من يثق به كل الثقة، ويعتمد عليه كل الاعتماد.

ب- يمتاز هذا الفرد بالتماسك والصمود في وجه الاعاصير والعواصف التي تكاد تعصف بجوهر الدين ولبه، وتحبط مساعي صاحب رسالته، وتنخلع لها قلوب كثير ممن قوى إيمانهم وطالت صحبتهم، ولكن يثبت هذا لفرد في وجهها ثبوت الجبال الراسيات، ويمثل دور خلفاء الأنبياء الصادقين الراسخين، ويكشف الغطاء عن العيون، وينفض الغبار عن جوهرة الدين وعقيدته الصحيحة.

ج- يمتاز هذا الفرد في فهمه الدقيق الاسلام، ومعايشته له في حياة النبي e على اختلاف أطواره وألوانه من سلم وحرب، وخوف وأمن، ووحدة وإجتماع، وشدة ورخاء.

د- يمتاز بشدة غيرته على أصالة هذا الدين وبقائه على ماكان عليه في عهد نبيِّه، غيرة أشد من غيرة الرجال على الأعراض والكرامات، والأزواج والأمهات، والبنين والبنات، لايحوله عن ذلك خوف أو طمع أو تأويل أو عدم موافقة من أقرب الناس وأحبهم إليه.

س- يكون دقيقاً كل الدقة وحريصاً أشد الحرص في تنفيذ رغبات الرسول الذي يخلفه في أمته بعد وفاته، لايحيد عن ذلك قيد شعرة، ولا يساوم فيه أحداً، ولايخاف لومة لائم.

و- يمتاز بالزهد في متاع الدنيا والتمتُّع به، زهداً لا يُتصُّور فوقه إلا عند إمامه وهاديه سيد الانبياء عليه الصلاة والسلام، وأن لايخطر بباله تأسيس الملك والدولة وتوسيعهما لصالح عشيرته وورَثَته، كما اعتادت ذلك الأسر الملوكية الحاكمة في أقرب الدول والحكومات من جزيرة العرب، كالروم والفرس([161]).

وقد اجتمعت هذه الصفات والشروط كلها في سيدنا أبي بكر t، كما تمثلت في حياته وسيرته في حياة الرسول e قبل الخلافة وبعد الخلافة الى أن توفاه الله تعالى، بحيث لايسع منكراً أن ينكره أو مشكِّكا يشكك في صحته، فقد تحقق بطريق البداهة والتواتر([162]).

هذا وقد قام أهل الحل والعقد في سقيفة بني ساعدة ببيعة الصديق بيعة، خاصة ثم رشحوه للناس في اليوم الثاني وبايعته الأمة في المسجد البيعة العامة([163]).

وقد افرز مادار في سقيفة بني ساعدة مجموعة من المبادئ منها: أن قيادة الأمة لاتقام إلا بالاختيار، وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار وشرعية القيادة، وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب ديناً والأكفأ إدارة، فاختيار الخليفة يكون وفق مقومات إسلامية، وشخصية، وأخلاقية، وأن الخلافة لاتدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وإن إثارة (قريش) في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقع يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه مالم يكن متعارضاً مع أصول الاسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين حيث لاهرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات ولا نقض للاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم حيث المرجعية في الحوار الى النصوص الشرعية([164]).

وقد استدل الدكتور توفيق الشاوي على بعض الأمثلة التي صدرت بالشورى الجماعية في عهد الراشدين من حادثة السقيفة حيث قال:

· أول ماقرره اجتماع يوم السقيفة هو أن (نظام الحكم ودستور الدولة) يقرر بالشورى الحرة، تطبيقاً لمبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن، ولذلك كان هذا المبدأ محل إجماع، وسند هذا الإجماع النصوص القرآنية التي فرضت الشورى، أي أن هذا الاجماع كشف وأكد أول أصل شرعي لنظام الحكم في الاسلام وهو الشورى الملزمة، وهذا أول مبدأ دستوري تقرر بالإجماع بعد وفاة رسولنا e ، ثم إن هذا الاجماع لم يكن إلا تأييداً وتطبيقاً لنصوص الكتاب والسنّة التي أوجبت الشورى .

· تقرر يوم السقيفة أيضاً أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الاسلامية وتحديد سلطاته يجب أن يتم بالشورى، أي البيعة الحرة التي تمنحه تفويضاً ليتولى الولاية بالشروط والقيود التي يتضمنها عقد البيعة الاختيارية الحرة - الدستور في النظم المعاصرة-، وكان هذا ثاني المبادئ الدستورية التي أقرها الإجماع، وكان قراراً إجماعياً كالقرار السابق.

· تطبيقاً للمبدأين السابقين، قرر اجتماع السقيفة اختيار أبي بكر ليكون الخليفة الأول للدولة الاسلامية([165]).

ثم إن هذا الترشيح لم يصح نهائياً إلا بعد أن تمت له البيعة العامة، أي موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول e، ثم قبوله لها بالشروط التي ذكرها في خطابه الذي ألقاه([166])، وسنأتي على ذلك بالتفصيل بإذن الله تعالى.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق