195
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الرابع : فتوحات الصديق واستخلافه لعمر رضي الله عنهم ووفاته
المبحث الأول : فتوحات العراق
أولاً: خطة الصديق لفتح العراق:
ما إن انتهت حروب الردة واستقرت الأمور في الجزيرة العربية التي كانت ميداناً لها حتى شرع الصديق في تنفيذ خطة الفتوحات التي وضع معالمها رسول الله ?، فجيش الصديق لفتح العراق جيشين وأنضم إلى خالد المثنى بن حارثة بالعراق:
1-بقيادة خالد بن الوليد وكان يومئذ باليمامة، فكتب إليه يأمره بأن يغزو العراق من جنوبه الغربي، وقال له: سر إلى العراق حتى تدخلها، وابدأ (بفرج الهند) أي ثغرها، وهي الأبلة( ) وأمره بأن يأتي العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله عزوجل، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية فإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم، وأمره أن لايكره أحداً على المسير معه، ولايستعين بمن ارتد عن الإسلام وإن كان عاد إليه، وأمره أن يستصحب( ) كل امرئ مرّ به من المسلمين، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمداداً لخالد ?( ).
2-الجيش الثاني بقيادة عياض بن غنم، وكان بين النباج( ) والحجاز فكتب إليه بأن يغزو العراق من شماله الشرقي، بادئاً بالمصيخ( ) وقال له: سر حتى المصيخ وابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها حتى تلقي خالداً ثم اردف أمره هذا بقوله: وأذن لمن شاء بالرجوع، ولاتستفتحا بمتكاره. أي لاتجبرا أحداً على السير معكما للقتال إكراهاً، فمن شاء فليقدم، ومن شاء فليحجم( ).
وكتب الصديق ? إلى خالد وعياض: ... ثم يستبقا إلى الحيرة، فأيهما سبق إلى الحيرة فهو أمير على صاحبه، وقال: إذا اجتمعتما إلى الحيرة، فأيهما سبق إلى الحيرة فهو أمير على صاحبه وقال: إذا اجتمعتما بالحيرة، وقد ففضتما مسالح فارس وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم، فليكن أحدكما ردءاً للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن( ).
3-وكان المثنى بن حارثة قد قدم على أبي بكر وحث الصديق على محاربة الفرس، وقال له ابعثني على قومي ففعل ذلك أبو بكر، فرجع المثنى وشرع في الجهاد بالعراق، ثم إنه بعث أخاه مسعود بن حارثة إلى أبي بكر يستمده، فكتب معه أبو بكر إلى المثنى: أما بعد فإني قد بعثت إليك خالد بن الوليد إلى أرض العراق فاستقبله بمن معك من قومك، ثم ساعده ووازره وكانفه، ولاتعصين له أمراً، ولاتخالفن له رأياً، فإنه من الذين وصف الله تبارك وتعالى في كتابه
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} (سورة الفتح، آية:29). فما أقام معك فهو الأمير، فإن شخص عنك فأنت على ماكنت عليه( ) وكان من قوم المثنى رجل يدعى مذعور بن عدي خرج عن المثنى بن حارثة وراسل الصديق وقال له: أما بعد: فإني امرؤ من بني عجل أجلاس الخيل -أي يلزمون ظهورها- وفرسان الصباح -أي يغيرون صباحاً- ومعي رجال من عشيرتي، الرجل خير من مئة رجل، ولي علم بالبلد، وجراء على الحرب، وبصر بالأرض، فولّني أمر السواد أكفكه إن شاء الله( ) وكتب المثنى بن حارثة ? بشأن مذعور بن عدي إلى الصديق فقال له:... فإني أخبر خليفة رسول الله ? أن امرءاً من قومي، يقال له مذعور بن عدي، أحد بني عجل، في عدد يسير، وإنه أقبل ينازعني ويخالفني، فأحببت أعلامك ذلك لترى رأيك فيما هنالك( )، وردّ الصديق على مذعور بن عدي فقال له: أما بعد: فقد أتاني كتابك، وفهمت ماذكرت، وأنت كما وصفت نفسك، وعشيرتك نعم العشيرة، وقد رأيت لك أن تنضم إلى خالد بن الوليد، فتكون معه، وتقيم معه ما أقام بالعراق وتشخص معه إذا شخص( )، وكتب إلى المثنى بن حارثة:... فإن صاحبك العجلي كتب إليّ يسئلني أموراً، فكتبت إليه آمره بلزوم خالد حتى أرى رأي وهذا كتابي إليك آمرك أن لاتبرح العراق حتى يخرج منه خالد بن الوليد، فإذا خرج منه خالد بن الوليد، فالزم مكانك الذي كنت به وأنت أهل لكل زيادة، وجدير بكل فضل( )، وممن سبق يمكننا أن نستخلص بعض الدروس والعبر، والفوائد فمنها:
1-كان تاريخ بعث خالد إلى العراق في شهر رجب وقيل في المحرم سنة اثنتي عشرة( ).
2-الحس الاستراتيجي عند الصديق:
إن الأوامر التي وجهها الصديق إلى قائديه، خالد وعياض تشير إلى الحس الاستراتيجي المتقدم الذي كان يملكه الصديق ?، فقد أعطى جملة تعليمات عسكرية استراتيجية منها وتكتيكية، فحدد لكل من القائدين المسلمين جغرافياً، منطلقة للدخول إلى العراق، كأنما هو يمارس القيادة من غرفة العمليات بالحجاز، وقد بسطت أمامه خارطة العراق بكل تضاريسها ومسالكها، فيأمر أحدهما خالداً بدخول العراق من اسفلها، جنوباً بغرب، (أي الأبلة)، ويأمر الثاني (عياضاً) بدخول العراق من أعلاها، شمالاً بشرق (أي المصيخ) ويأمر الاثنين معاً أن يلتقيا في وسط العراق. ولاينسى الخليفة مع ذلك، أن يأمرهما بأن لايُكرها الناس على الانخراط في جيشيهما، وأن لايجبرا أحد على البقاء معهما للقتال، فلم يكن التجنيد في نظره إلزامياً، وإنما طوعياً واختيارياً( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق