187
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الخامس : أهم الدروس والعبر والفوائد من حروب الردة
رابعاً: من نتائج أحداث الردة:
خلفت حروب الردة آثاراً ونتائج لم تكن محدودة الزمان والمكان وإنما شلمت أجيالاً وآماداً وتصورات وأفكاراً وسلوكيات وأحكاماً مازلت تغذي الأجيال من بعدها وتمدها بالكثير ومن أهم تلك النتائج:
1- تميز الإسلام عما عداه من تصورات وأفكار وسلوك:
بعد وفاة رسول ? اختلطت الأمور ببعضها وسارعت الأعراب الى الردة، فكان منهم المؤلفة قلوبهم، أو من المنافقين، أو الذين أسلموا رغم أنوفهم وفي وقت متأخر، أو من الذين لم يسلموا أصلاً، ومن أمثلة الصنفين الأولين، إسلام عيينة بن حصن الفزاري الذي أسلم إسلاماً فيه دخن كبير، ولذا ماإن هبت نار الفتنة حتى استجاب لها، وباع دينه بدنيا طليحة الأسدي ولما أسر وبعث الى أبي بكر مقيداً بالأغلال، كان فتيان المدينة يمرون عليه فينخسونه بالجريد ويقولون: أي عدو الله! أكفرت بعد إيمانك؟! فيقول والله ماكنت آمنت بالله قط( )، ومن هؤلاء الذين يقال: إنهم لم يسلموا أصلاً قبيلة عنس اليمنية. وهي قبيلة الطاغية الأسود الذي ادعى النبوة، وفعل في بلاد اليمن الأفاعيل، ونكل بالمسلمين، ومن أمثلة سوء الفهم لنصوص الاسلام التي أدت بهؤلاء الى الكفر أن بعضاً منهم أنكر الزكاة محتجاً بمدلول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (سورة التوبة، الآية: 103).
فقد جاء في التعليق على هذه الآية في تفسير ابن كثير رحمه الله قوله: (اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفعها الى الإمام لايكون، وإنما كان هذا خاصاً برسول الله ? وقد احتجوا بقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقد رد عليهم هذا التأويل (السقيم) والفهم الفاسد أبوبكر وسائر الصحابة (رضوان الله عليهم) وقاتلوهم حتى أدوها الى الخليفة، كما كانوا يؤدونها الى رسول الله ?)( ).
وظهرت العصبية القبلية بقوة، فهذا مسيلمة الكذاب يقول لبني حنيفة محرضاً إياهم على اتباعه وإنكار حق قريش بالنبوة: أريد أن تخبروني بماذا صارت قريس أحق بالنبوة والإمامة منكم؟ والله ماهم بأكثر منكم ولا أنجد، وإن بلادكم لأوسع من بلادهم، وأموالكم أكثر من أموالهم( ).
وهذا الرّجال بن عُنفوة الحنفي الذي أضله الله على علم، بعد أن قرأ القرآن، وفقه في الدين، يقول في حقيقة النبوة بين رسول الله ومسيلمة: (كبشان انتطحا، فأحبهما إلينا كبشنا( )، وهذا طلحة النمري قال لمسيلمة عندما رآه وسمع منه ماعلم به كذبه: أشهد أنك كذاب، وأن محمد صادق، ولكنه كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر( ).
بل إن مسيلمة يعرف كذب نفسه، فلما كانت معركة اليمامة وبدت الغلبة للمسلمين قال له أصحابه محنقين عليه: أين ماكنت تعدنا به من النصر والآيات؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم، فأما الدين فلا دين( )، واختلطت عليهم التصورات والأفكار، والسلوكيات والآمال وعمل المرتدون على إنهاء الاسلام ومحيه من الوجود وتكالبت قوى الشر على ذلك ولكن محاولاتهم باءت بالفشل وأحبطت جميعها بتوحد المسلمين وتجمعهم وتكتلهم حول القاعدة الصلبة للمجتمع الإسلامي التي تربت على يد رسول الله ?، وأصبحت تشبه القطب المغناطيسي الضخم الذي قام -بحكم طبيعته وخصائصه- بجذب كل من كان مؤهلاً للإسلام، ويحمل خاصية الانجذاب الى هذا القطب المغناطيسي الضخم الفعال، فقد أدى هذا التجمع الى إظهار قوة الاسلام، ليس بكثرة العدد والعُدة، وإنما في قوة تفرده تصوراً وفكراً وسلوكاً في لبناته الصلبة وتربيتها الفذة التي تربت عليها تلك اللبنات مجتمعة، والقوة في وضوح التعامل مع الحدث دون مواربة أو تربيت أو إغماض عين وفتح الاخرى، وإنما كانوا واضحين وضوح عبارة أبي بكر الصديق للمسلمين جميعاً: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت( ).
إن من نتائج أحداث الردة حفظ التصور الإسلامي من التحريف والتشويه، وأن تجردت الراية الاسلامية من العصبية الجاهلية، والولاء المختلط، وصارت خالصة من أية شائبة، وأن التصور الاسلامي لايقبل المداهنة مهما كانت الظروف المحيطة، وأن القوة الاسلامية لا ترتبط بالعدد ولا العدة، ولكن بقوة الإيمان والروح المعنوية، وأن الأصل دعوة الناس الى الاسلام، وليس مقاتلتهم، فالدعوة أولاً. وأن الحرص على الناس هو المقدم على كل شيء( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق