185
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الخامس : أهم الدروس والعبر والفوائد من حروب الردة
ثانياً: وصف المجتمع في عصر الصديق:
حين ندرس المجتمع المسلم في صدر الخلافة الراشدة تتضح لنا مجموعة من السمات منها:
1-أنه -في عمومه- مجتمع مسلم بكامل معنى الإسلام، عميق الإيمان بالله واليوم الآخر، مطبق لتعاليم الإسلام بجدية واضحة، والتزام ظاهر، وبأقل قدر من المعاصي وقع في أي مجتمع في التاريخ، فالدين بالنسبة له هو الحياة، وليس شيئاً هامشياً يفيء الناس إليه بين الحين والحين، إنما هو حياة الناس وروحهم، ليس فقط فيما يؤدونه من شعائر تعبدية يحرصون على أدائها على وجهها الصحيح، وإنما من أخلاقياتهم، وتصوراتهم واهتماماتهم، وقيمهم، وروابطهم الاجتماعية، وعلاقات الأسرة وعلاقات الجوار، والبيع والشراء، والضرب في مناكب الأرض والسعي وراء الأرزاق، وأمانة التعامل، وكفالة القادرين، لغير القادرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرقابة على أعمال الحكام والولاة ولايعني هذا بطبيعة الحال أن كل أفراد المجتمع هم على هذا الوصف، فهذا لايتحقق في الحياة الدنيا، ولافي أي مجتمع من البشر. وقد كان في مجتمع الرسول ? -كما ورد في كتاب الله- منافقون يتظاهرون بالإسلام وهم في دخيلة أنفسهم من الأعداء، وكان فيه ضعاف الإيمان، والمعوّقون، والمتثاّقلون، والمبطّئون، والخائنون، ولكن هؤلاء جميعاً لم يكن لهم وزن في ذلك المجتمع، ولاقدرة على تحويل مجراه، لأن التيار الدافق هو تيار أولئك المؤمنين الصادقي الإيمان المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، الملتزمين بتعاليم هذا الدين( ).
2-أنه المجتمع الذي تحقق فيه أعلى مستوى المعنى الحقيقي (للأمة)، فليست الأمة مجرد مجموعة من البشر جمعتهم وحدة اللغة ووحدة الأرض ووحدة المصالح، فتلك هي الروابط التي تربط البشر في الجاهلية، فإن تكونت منهم أمة فهي أمة جاهلية، أما الأمة بمعناها الرباني -فهي الأمة التي تربط بينها رابطة العقيدة، بصرف النظر عن اللغة والجنس واللون، ومصالح الأرض القريبة وهذه لم تتحقق في التاريخ وحده كما تحققت في الأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية هي التي حققت معنى الأمة أطول فترة من الزمن عرفتها الأرض، أمة لاتقوم على عصبية الأرض ولاالجنس ولا اللون ولا المصالح الأرضية، إنما هو رباط العقيدة، يربط بين العربي والحبشي والرومي والفارسي، يربط بين البلاد المفتوحة والأمة الفاتحة على أساس الأخوة الكاملة في الدين ولئن كان معنى الأمة قد حققته هذه الأمة أطول فترة عرفتها الأرض، فقد كانت فترة صدر الإسلام أزهى فترة تحققت فيها معاني الإسلام كلها، بما فيها معنى الأمة، على نحو غير مسبوق( ).
3-أنه مجتمع أخلاقي، يقوم على قاعدة أخلاقية واضحة مستمدة من أوامر الدين وتوجيهاته، وهي قاعدة لاتشمل علاقات الجنسين وحدها، وإن كانت هذه من أبرز سمات هذا المجتمع، فهو خالٍ من التبرج، ومن فوضى الاختلاط وخال من كل مايخدش الحياء من فعل أو قول أو إشارة وخال من الفاحشة إلا القليل الذي لايخلو منه مجتمع على الإطلاق، ولكن القاعدة الأخلاقية أوسع بكثير من علاقات الجنسين، فهي تشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والتعبير، فالحكم قائم على أخلاقيات الإسلام، والعلاقات الاقتصادية من بيع وشراء وتبادل واستغلال للمال قائمة على أخلاقيات الإسلام، وعلاقات الناس في المجتمع قائمة على الصدق والأمانة والإخلاص والتعاون والحب، لاغمز ولالمز ولانميمة ولاقذف للأعراض( ).
4-أنه مجتمع جاد، مشغول بمعالي الأمور لابسفاسفها، وليس الجد بالضرورة عبوساً وصرامة ولكنه روح تبعث الهمة في الناس وتحث على النشاط والعمل والحركة، كما أن اهتمامات الناس هي اهتمامات أعلى وأبعد من واقع الحس القريب، وليست فيه سمات المجمتع الفارغة المترهلة، التي تتسكع في البيوت وفي الطرقات، تبحث عن وسيلة لقتل الوقت من شدة الفراغ( ).
5-أنه مجتمع مجند للعمل، في كل اتجاه تلمس فيه روح الجندية واضحة لا في القتال في سبيل الله فحسب، وإن كان القتال في سبيل الله قد شغل حيزاً كبيراً من حياة هذا المجتمع، ولكن في جميع الاتجاهات، فالكل متأهب للعمل في اللحظة التي يطلب منه فيها العمل ومن ثم لم يكن في حاجة إلى تعبئة عسكرية ولامدنية، فهو معبأ من تلقاء نفسه بدافع العقيدة وبتأثير شحنتها الدافعة لبذل النشاط في كل اتجاه( ).
6-أنه مجتمع متعبد، تلمس روح العبادة واضحة في تصرفاته ليس فقط في أداء الفرائض، والتطوع بالنوافل ابتغاء مرضاة الله، ولكن في أداء الأعمال جميعاً، فالعمل في حسه عبادة، يؤديه بروح العبادة، الحاكم يسوس رعيته بروح العبادة، والمعلم الذي يعلم القرآن ويفقه الناس في الدين يعلم بروح العبادة، والتاجر الذي يراعي الله في بيعه وشرائه يفعل ذلك بروح العبادة، والزوج يرعى بيته بروح العبادة، والزوجة ترعى بيتها بروح العبادة، تحقيقاً لتوجيه رسول الله ?: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته( ).
هذه من أهم سمات عصر الصديق الذي هو بداية الخلافة الراشدة وهذه السمات جعلته مجتمعاً مسلماً في أعلى آفاقه وهي التي جعلت هذه الفترة هي الفترة المثالية في تاريخ الإسلام، كما أنها هي التي ساعدت في نشر هذا الدين بالسرعة العجيبة التي انتشر بها، فحركة الفتح ذاتها من أسرع حركات الفتح في التاريخ كله، بحيث شملت في أقل من خمسين عاماً أرضاً تمتد من المحيط غرباً إلى الهند شرقاً، وهي ظاهرة في ذاتها تستحق التسجيل والإبراز، وكذلك دخول الناس في الإسلام في البلاد المفتوحة بلاقهر ولاضغط وقد كانت تلك السمات التي اشتمل عليها المجتمع المسلم هي الرصيد الحقيقي لهذه الظاهرة، فقد أحب الناس الإسلام لما رأوه مطبقاً على هذه الصورة العجيبة الوضاءة، فأحبوا أن يكونوا من بين معتنقيه( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق