173
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الرابع : مسيلمة الكذاب وبنو حنيفة
سادساً: من شهداء معركة اليمامة:
1-ثابت بن قيس بن شماس الذي أجاز الصديق وصيته بعد موته:
هو أبو محمد خطيب الأنصار، وقد ثبت أن رسول الله بشره بالشهادة، وقتل يوم اليمامة شهيداً وكانت راية الأنصار يومئذ بيده وقد رأى رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعاً نفيسة ومنزله في أقصى العسكر وعند خبائه فرس يستَنُّ طوله، وقد كفأ على الدرع بُرْمة، وفوق البرمة رحل، فأتِ خالداً فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله-يعني أبا بكر- فقل له: إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، قال: فأتى خالداً فوجهه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر فأخبره فأنفذ أبو بكر وصيته بعد موته فلا يعلم أحداً جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس( ).
2-زيد بن الخطاب ?:
هو أخو عمر بن الخطاب لأبيه، وكان أكبر من عمر، أسلم قديماً، وشهد بدراً، ومابعدها وقد آخى رسول الله ? بينه وبين معن بن عدي الأنصاري وقد قتلا جميعاً باليمامة، وقد كانت راية المهاجرين يومئذ بيده، فلم يزل يتقدم بها حتى قتل فسقطت، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، وقد قتل زيد يومئذ الرّجال بن عنفوة الذي كان فتنته على بني حنيفة أشد من فتنة مسيلمة، فكانت وفاته على يد زيد ?، والذي قتل زيداً رجل يقال له أبو مريم الحنفي، وقد أسلم بعد ذلك وقال لعمر: يا أمير المؤمنين إن الله أكرم زيداً بيدي ولم يهني على يده، وقد قال عمر لما بلغه مقتل زيد بن الخطاب سبقني إلى الحسنيين أسلم قبلي، واستشهد قبلي، وقال لمتمم بن نويرة حين جعل يرثي أخاه مالكاً بالأشعار: لو كنت أحسن الشعر لقلت كما قلت، فقال له متمم: لو أن أخي ذهب على ماذهب عليه أخوك ما حزنت عليه، فقال له عمر: ماعزاني أحد بمثل ماعزيتني به ومع هذا كان عمر يقول ماهبت الصبا إلا ذكرتني زيد ?( ).
3-معن بن عدي البلوي:
شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد، وكان قد آخى رسول الله ? بينه وبين زيد بن الخطاب فقتلا جميعاً يوم اليمامة رضي الله عنهما وكان لمعن بن عدي موقف متميز عند وفاة رسول الله، فعندما بكى الناس على رسول الله ? حين مات وقالوا: والله وددنا أنا متنا قبله ونخشى أن نفتتن بعده، فقال معن بن عدي: لكني والله ما أحب أن أموت قبله لأصدقه ميتاً كما صدقته حياً( )
4-عبدالله بن سهيل بن عمرو:
أسلم قديماً وهاجر ثم استضعف بمكة، فلما كان يوم بدر خرج معهم فلما تواجهوا فرّ إلى المسلمين فشهدها معهم، وقتل يوم اليمامة فلما حج أبو بكر عزى أباه فيه، فقال سهيل: بلغني أن رسول الله ? قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله( )، فأرجوا أن يبدأ بي( )، وقد كان لسهيل بن عمرو ? موقف عظيم بمكة حين توفى رسول الله ? فقد همّ أكثر أهل مكة بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم والي مكة عتاب بن أسيد: فتوارى فقام سهيل بن عمرو، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله وقال: إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد. فهذا المقام الذي أراد رسول الله ? في قوله لعمر بن الخطاب-يعني حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى يوم بدر- إنه عسى أن يقوم مقاماً لاتَذُمَنَّه( ).
5-أبو دُجانة سِماك بن خرشه:
كانت عليه يوم بدر عصابة حمراء، قيل آخى النبي ? بينه وبين عتبة بن غزوان، وثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي ? وبايعه على الموت، وهو ممن اشترك في قتل مسيلمة، وقتل يومئذ، وقال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة وهو مريض- وكان وجهه يتهلل- فقيل له: مالِوجهك يتهلل؟ فقال: مامن عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لاأتكلم فيما لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً( )، وكان أبو دجانة يوم اليمامة من أبطال المسلمين، فقد رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت رِجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل( ).
6-عبّاد بن بشر:
من فضلاء الصحابة، عاش خمساً وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت عصاه ليلة حين انقلب إلى منزله، وكان قد سمُر عند النبي ?( )، أسلم عبّاد على يد مصعب بن عمير، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف( )، واستعمله النبي ? على صدقات مزينه وبني سليم وعلى حرسه بتبوك، وأبلى يوم اليمامة بلاءً حسناً، وكان من الشجعان، وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبدالأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعبّاد بن بشر، وعن عائشة قالت: تهجَّد رسول الله ? في بيتي، فسمع صوت عبّاد بن بشر فقال: ياعائشة هذا صوت عبَّاد؟ قلت: نعم، قال: اللهم اغفر له( )، وقد استشهد باليمامة ويحدثنا أبو سعيد الخدري عنه حيث قال: سمعت يقول حين فرغنا من بزاخة، يا أبا سعيد: رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي ثم أطبقت عليّ فهي إن شاء الله الشهادة. قلت: خيراً والله رأيت( )، وقد كان له يوم اليمامة مواقف مشهودة، فقد وقف على نشز مرتفع من الأرض ثم صاح بأعلى صوته: أنا عباد بن بشر، يا للأنصار يا للأنصار، ألا إليّ ألا إليّ، فأقبلوا إليه جميعاً وأجابوه لبيك لبيك ... ثم حطم جفن سيفه فألقاه، وحطمت الأنصار جفون سيوفهم ثم قال حملة صادقة اتبعوني فخرج حتى ساقوا بني حنيفة منهزمين حتى انتهوا بهم إلى الحديقة فأغلق عليهم( )، ولما تمكن المسلمون من اقتحام باب الحديقة: ألقى درعه على بابها ثم دخل بالسيف سلتا يجالدهم حتى قتل شهيداً باليمامة وهو ابن خمس وأربعين سنة، ولم يعرف إلا بعلامة في جسده لكثرة مافيه من الجراح ?( )، وقد اشتهرت مواقف عباد بن بشر في اليمامة حتى أصبحت مضرب المثل( )، وبقيت بنو حنيفة تذكر عباد بن بشر، فإذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول: هذا ضرب مجرب القوم عباد بن بشر( ).
لقد كان للأنصار مواقف عظيمة وإقدام منقطع النظير في حروب الردة وخصوصاً باليمامة وقد شهد للأنصار بالأقدام والصبر في ذلك اليوم، مجّاعة بن مرارة الحنفي، عند الخليفة أبي بكر فقال: ياخليفة رسول الله لم أر قوما قط، أصبر لوقع السيوف ولاأصدق كرة من الأنصار... فلقد رأيتني وأنا أطوف مع خالد بن الوليد أعرفه قتلى بني حنيفة وإني لأنظر إلى الأنصار وهم صرعى، فبكى أبو بكر حتى بل لحيته( ).
7-الطفيل بن عمرو الدّوسي الأزديّ:
استشهد باليمامة، وكان شريفاً شاعراً لبيباً، وقد رأى الرؤيا قبل استشهاده حيث قال: خرجت ومعي ابني عمرو فرأيت كأن رأسي حُلِقَ وخرج من فمي طائر، وكأن امرأةً أدْخلتني فرجها، فأوّلتها حلق رأسي قطعه، وأمّا الطائر فروحي، وأما المرأة فالأرض أدفن فيها، فاستشهد يوم اليمامة( ).
وقد استشهد كثير من المهاجرين والأنصار في هذه المعركة الفاصلة.
وكانت المدينة على الرغم من فرحها بانتصار المسلمين على المرتدين مازالت تبكي شهداءها، ففي حرب اليمامة وحدها قتل من المسلمين مائتان وألف، منهم عدد من كبار الصحابة، وفيهم أكثر حفاظ القرآن: نحو أربعين من القراء، وعصرت الأحزان قلب المدينة، وغمرت الدموع ابتسامات الفرح بالنصر، وضافت الصدور، وثقلت المحنة على القلوب، بقدر ما أضاء انتصار المسلمين غيابات النفوس، وقوى من إيمانهم، وغرس الثقة في أعماقهم( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق