153
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
ثانياً: القضاء على فتنة الأسود العنسي وطليحة الأسدي، ومقتل مالك بن نويرة:
3-سجاح وبنو تميم ومقتل مالك بن نويرة اليربوعي:
أ-كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة، فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عُقْفان التغلبية من الجزيرة وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها، مالك بن نويرة التميمي، وعطارد بن حاجب، وجماعة من سادات أمراء بني تميم، وتخلّف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لاحرب بينهم، إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عزمها، وحرّضها على بني يربوع، ثم اتفق الجميع على قتال الناس، وقالوا: بمن نبدأ فقالت لهم فيما تسجعه: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب( ) فليس دونها حجاب. ثم استطاع بنو تميم اقناعها بقصد اليمامة، لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب، فهابه قومها وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فقالت لهم فيما تقوله: عليكم باليمامة دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرّامة لاتلحقكم بعدها ملامة. فعمدوا لحرب مسيلمة، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال، وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود المسلمين، وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، فقد رده الله عليك فحباك به، وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه، فركب إليها في أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمة، فلما خلا بها وعرض عليها ماعرض من نصف الأرض، وقبلت ذلك، قال مسيلمة: سمع الله لمن سمع، وأطعمه بالخير، إذا طمع، ولايزال أمره في كل مايسر مجتمع ثم قال لها: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. وأقامت عنده ثلاثة أيام، ثم رجعت إلى قومها فقالوا: أصدقك؟ فقالت: لم يصدقني شيئاً، فقالوا: إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق، فبعثت إليه تسأله صداقاً، فقال: ارسلي إليّ مؤذنك، فبعثته إليه، وهو شبث بن ربعي الرياحي-فقال: ناد في قومك: أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد -يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة- فكان هذا صداقها عليه- ثم انثنت سجاح راجعة إلى بلادها وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة فكرّت راجعة إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه، فأقامت في قومها بني تغلب، إلى زمان معاوية، فأجلاهم منها عام الجماعة( ).
كان مالك قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة، فلما اتصلت بمسيلمة ثم ترحلت إلى بلادها، ندم مالك بن نويرة على ماكان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له: البُطاح( )، فقصده خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق، فقال لهم خالد: إن هذا أمر لابد من فعله، وفرصة لابد من انتهازها، وإنه لم يأتيني فيها كتاب، وأنا الأمير وإليّ ترد الأخبار، وليست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البُطاح، فسار يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك ابن نويرة، بَثّ خالد السرايا في البُطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ماكان من مالك بن نويرة فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم، فشهد أبو قتادة- الحارث بن ربعي الأنصاري- أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولاصلوا، فيقال إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم. فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار ابن الأزور، مالك بن نويرة، فلما سمع خالد الواعية خرج وقد فرغوا منهم. فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه. ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنّبه على ماصدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ ياضرار اضرب عنقه، فضربت عنقه،وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق، وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد، وقال للصديق: اعزله فإن في سيفه رَهقاً، فقال أبو بكر: لاأشيم سيفاً سلَّه الله على الكفار، وجاء متمم بن نويرة، فجعل يشكو إلى الصديق خالداً، وعمر يساعده، وينشد الصديق ماقال في أخيه من المراثي، فوداه الصديق من عنده( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق